الاثنين ٢٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم وائل طبيشات

لنقذف ما في جوفنا

تستوقفني حادثة لطفلي الصغير مؤمن الذي لم يكمل العام الثاني من عمره، عندما رأيته مهرولاً صارخاً باكياً، يرمي كأس الماء بصورة عجيبة ومفاجئة خيل لي وقتها أنها لسعة أفعى أو لدغة كهرباء لا قدر الله، من هول الرعشة التي انتابته، وعندما اقتربت منه أكثر وإذ به يرتجف ويشير إلى فمه ويضرب عليه كالدف، والعويل يعلو، وكان يبتعد عن "كولر الماء" وعرفت حينها انه سكب من صنبور الماء الساخن ليرتوي وكان ما كان.

هذا الطفل الصغير لم يدرك بعد ما يضر وينفع، ويتلقى المعلومات تباعاً، ويوماً بعد يوم يزداد رصيده، وتتدفق المعلومات والأفكار والثقافات في عقله مع كل سنة يمد الله في عمره، وأخيراً يصل المخزون حد الإشباع ويعجز العقل عن استقبال ما هو جديد، فقد امتلأ عن بكرة أبيه واستعصى عليه إدخال ما يرويه.

لو استعرضنا مخزون العقل العربي هذه الأيام نرى معظمه امتلأ بالأفكار الغريبة المستوردة، والمعلومات الضارة والثقافات النائية عن عقيدتنا وقيمنا وأخلاقنا وتراثنا، الذي يحوي في جعبته أروع الأمثال في الأخلاق الحميدة والسجايا النبيلة والفكر المستنير، نعم لقد غزته تيارات مستعرة من الشرق والغرب، وافترس تفكيره وقذف السموم في جوفه، ودروب ذلك كثيرة وسهلة المنال، فالفضائيات الهابطة تنهمر من كل حدب وصوب، أفلام إباحية وبرامج تكفيرية وسموم تنهال علينا كالحمم البركانية، أما الانترنت هذا الاختراع العجيب العجاب فحدث ولا حرج، عشيق الشباب والفتيات معه يحلو السهر وقضاء اسعد ليالي السمر ، مواقع شتى وأفكار عجيبة ومعلومات غريبة وثقافات لا حصر لها، مسكين أيها العقل لقد تقاذفتك الأمواج العاتية، ورمتك بعيداً عن قواعدك المتينة الآمنة، غرقت في الظلمات، وتعالت الصيحات والآهات، لقد أسمعت إذ ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي.

أما آن الأوان لنقذف ما في جوفنا مما يحتويه من السموم، نحن بحاجة إلى إعادة هيكلة وبناء جديد، نرمي كل ما لدينا في غيابات الجب وننطلق كالطفل الصغير الذي بدأ بالإدراك، ننهل من دروب المعرفة، ونبني قواعد راسخة ونحيطها بأسوار عظيمة وأسلاك شائكة يصعب الدخول إليها إلا بعد تدقيق مستفيض، ومرورها على لجنة عليا يتم تشكيلها من الغيورين المنتمين، يكون هدفها تنمية العقل العربي والرقي به، وإذا ما تعافى والتأم جراحه، سننطلق من جديد بعد أن قذفنا ما في عقولنا، ونبدأ مشوار الألف ميل والذي يبدأ بخطوة كما خطاها الطفل الصغير، الذي يفوح منه العبير، لا يشرب الماء الساخن وإنما ماء الغدير، ويبارك هذه الخطى رب عليّ قدير.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى