الثلاثاء ٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٥
بقلم غزالة الزهراء

ليس مذنبا

فتحت النافدة على مصراعيها لتقذف بنفسها من الطابق الثامن إلى تحت، في رمشة عين ستضع حدا نهائيا لحياتها المتذبذبة، وتودع أيام العذاب التي أثقلت كاهلها كجبل ثلجي مارد.
فجأة ارتعبت من النهاية المتوقعة التي ستعود عليها بخسران عقيم، الموت هو آخر مطاف لها، ستدرج في عداد الأموت، وتتبخر حكايتها ككل الحكايات.
تقهقرت إلى الخلف، تأوهت مجروحة حتى النخاع، قالت في سرها: لا، لا، لن أنتحر، لن أنتحر.
انحنت عليه، حملته بين ذراعيها، ثم انصرفت وهي تترنح يمنة و يسرة كأنها ثملت عن آخرها، لم تتعاف من الولادة بعد، مولودها الحديث العهد أهلك الطوى أمعاءه، يصرخ متوجعا من شدة الجوع، أنبته تأنيبا يخلو تماما من بذور الإنسانية: اخرس يا وقح.

واصلت سيرها بخطى ثقيلة متعثرة، كاد جسدها ينهد، أحست بالدوار يلفها، كادت تقيء ولكنها تماسكت بعض الشيء لمجابهة هذا الوضع المتعرج الخطير.
وصلت هناك حيث هدفها المنشود، خاطبت مولودها وهي تلقي عليه نظرتها الأخيرة: سأقذف بك من أعلى هذا الجسر، سيرتطم جسدك الطري بالأرض، وتتكسر عظامك اللينة، ستصير جثة هامدة لا روح فيها، والدك تهرب من تحمل مسؤوليتك، لم يجرؤ على الاعتراف بك، وحملني مالا طاقة لي به.
أخذت تعد: واحد، إثنان، ثلا…..
سمعت من خلفها صوت امرأة يوقظها من ارتكاب جريمتها النكراء: هل تنصلت تماما من مشاعر أمومتك يا أختاه؟ ألهذا الحد بلغت بك الأنانية المفرطة بأن تقترفي جريمتك في حق مولود بريء لا ذنب له؟
تقدمت منها بضع خطوات، وتوسلت إليها بأن تمنحها إياه لأنها قادرة على أن تسخو عليه بحبها الزائد، وعنايتها الكاملة.
ــ خذيه، لست بحاجة إليه، إنه يشكل عارا ثقيلا علي و على أسرتي.
إحتضنته المرأة إلى صدرها الرحب بقوة لا نظير لها، ناغته بصوت أحن، وغمرته قبلات.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى