الأحد ٢٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم موسى نجيب موسى

ليل أبدي ـ القسم الثاني من ثلاثة

بطـل مــن لحـم و دم

لأول مرة يحدث معي هذا فقد تمردت علىّ القصة الجديدة التي أحاول أن أكتبها و لم تكتف بذلك بل حرضت بطلها على عصياني وعدم طاعتي فهددتها بعدم كتابتها وحتى لو كتبتها لن اجعلها ترى النور؛فأنا لن أرسلها إلى أي مجلة أو صحيفة أو حتى أضمها لكتابي الجديد الذي سيصدر قريباً عن إحدى دور النشر الكبيرة في القاهرة ...تآمر معها البطل حتى يدخلاني في دوامة لا مخرج لي منها من شد الأعصاب و التوتر والإرهاق و التشتت ...حاولت أن استميل بطلي لكي يقف بجواري و محاولة تذكيره بأنه لم يعرفها إلا من دقائق معدودة بينما يعرفني أنا على مدى العشرات و العشرات من القصص التي لبيت له فيها كل ما طلبه منى ولم أبخل عليه بشيء...

وجدته ينظر لي نظرة استحقار واشمئزاز وتركني تنهشنى الهلاوس و الأفكار الشريرة وحتى محاولتي المستميتة والأخيرة لإعادته مرة أخرى لسجن الكلمات و الورق في كتابي الأخير-حيث أنني أعلم تماماً كم يكره الحبس وخاصة لو كان انفرادياً في كتاب طويل عريض- باءت هذه المحاولة بالفشل الذريع حين هرب مرة أخرى من خلال فتحة صغيرة توجد أسفل صورتي التي تملأ خلفية الغلاف حيث يتركها الناشر حتى تكون لكتبه علامة مميزة يعرفها بها القارئ .هكذا كان يقول له عقله الذي حبيّ على سلم التعليم حتى وصل إلى السنة الثانية من المرحلة الابتدائية و سقط بعدها صريعاً غير مأسوف عليه. بعد أن هرب لم يجد شيئاً يفعله سوى التسكع على "زهرة البستان " و "الحرية "و "المنظر الجميل" يتسول من أصدقائي الأدباء ثمن لقمته وكوب الشاي لكنهم أعرضوا عنه عندما علموا بما فعله معي ...لم يجد بداً من البحث عنى ؛ فبحث عنى في كل مكان توقع أن يجدني فيه،لكنه لم يجدني ...لم يتسرب اليأس إلى قلبه؛ فمازال هناك مكان واحد فقط لم يذهب إليه لكي يجدني حتى يعود لأيام العز والنعيم معي والتي كنت أكافئه فيها كلما ساعدني على إنجاز قصة جديدة ...في "الجريون" ... وجدته أمامي بملابس رثة ووجه متسخ و أظافر طويلة لم يعتن بها منذ أن هرب منى ...لم أعره أدنى اهتمام، لكنه كعادته السمجة أخذ يتطفل علىَ وطلب لنفسه زجاجة بيرة على حسابي الخاص وبينما هو يشرب بنهم أخذ يعدد لي الحجج والأعذار حتى يقنعني بما فعله معي أو حتى لماذا فعل هذا كل كلامه كان يقف عند الحافة الخارجية لأذني التي تلفظه لكي يتناثر في الهواء المختنق بدخان رواد (الجريون) الذين لا يكفون عن التدخين... ظل يراوغني ويراوغني وأنا ثابت على موقفي منه لا أتزحزح مطلقاً حتى نفد صبره وعلا صوته وعندما هم برفع يده في الهواء لكي يهوي بها على خدي التف حولنا رواد (الجريون) في محاولة لتهدئه الموقف ... صعبت علىّ نفسي جداً وأخذت من بين دموعي التي اغرورقت بها عيناي أعدد خيراتي عليه وبركاتي التي لا تحصى وطلباته الكثيرة التي لا تنتهي ... فعندما طلب منى أن يحب لم أتوان عن تنفيذ طلبه فجعلته يحب بإرادته حتى غرق في بحر من العسل والأحلام ولكني اعترف بأنني قسوت عليه قليلاً حيث أنني جعلت من يحبها لا تحبه لكن لم يكن قصدي من ذلك تعذيبي له أو زيادة أحزانه التي حرقت قلبه ومقلتيه بل كان ظناً منى أن الحب الحقيقي لا يكون إلا إذا اكتوى المحبوب بنار الحب المقدسة واحترق بها دون أن تشعر به المحبوبة وأيضاً حتى لا تحبه البطلة وتنتهي القصة بالنهاية التقليدية التي سأم منها الناس كثيراً فحاولت من خلال ذلك أن أكسر حلقات الملل التي ما أن يخرج الناس منها حتى يدخلوا في غيرها في سلسلة لانهائية من الحلقات وكذلك لأني لا أميل إلى مناصرة بطلات أعمالي فدائماً أحب أن أراهن في محنة بل أزيد المحنة أحكاماً عليهن وأوقعن في مورطات كثيرة وأتلذذ بضغط الظروف والحياة عليهن وأتلذذ أكثر وأكثر حين يصرخن ويولولن ويحاولن الاستنجاد بي للخلاص مما هن فيه لكني دائماً انتشي لهذا الإحساس الرائع أن تستنجد أنثى بي وتحاول أن تلوذ بحضن دافئ لكنى أخذلها والحقيقة أنا لا أعرف لهذا الإحساس تفسيراً محدداً ... هل من قسوة أمي الكثيرة عليّ وربطها الدائم لي في رجل الترابيزة وسقوطها فوقى بجسدها الضخم وتفجر الدماء من فخذي أثر قرصها المتوالي لي ... لا أعرف ؟!! أم من مدرسة العلوم التي كانت تدرس لي في السنة الثانية من المرحلة الإعدادية وكانت إلى جانب جمالها الملفت للنظر تصر كل يوم على طبع شفاهها الساخنة على خدي المتورم حتى ولو لم يكن في جدولنا أي حصة لها في هذا اليوم وقد تركتني فجأة وماتت دون أن تستأذن منى أو حتى تعطيني قبلة أخيرة أحيا على ذكراها ما تبقى من عمري بدلاً من ذلك الهوس الذي أصابني عندما كنت أحاول أن أقيس شفا يفي على أثار شفا يفها المتناثرة في كل مكان على خدودي ... لا أعرف ؟!! أم من البنت الوحيدة التي أحببتها بكل مشاعري البكر التي تولدت مع بداية التحاقي بالجامعة وباعتها هي بثمن بخس جداً لعدوي اللدود الذي لا أحبه ولا يحبني ؟!! لا أعرف !! أم تلك المرأة الساقطة التي اصطحبني لها صديق لي كان يرغب أن يصبح قساً حتى يتأكد من رجولتي التي ضجر من كثرة حديثي له عنها وكانت تمارس معنا الجنس بكل عنفوانه وآهاته في الطابق الأول لمنزلها بينما كان زوجها ينام في الطابق الثاني ... فقد كنت احتقرها كثيراً وخاصة بعد أن علمت أنها احترفت المهنة وتوسعت في نشاطها بعد أن مات زوجها مقهوراً منها ومن أفعالها .

  أريد أن أمارس رجولتي ؟

ذكرته أيضاً بتلك المقولة التي صعقتني حينما قالها لي فأنا كنت أتصور أنه رجل محافظ ومتدين فقد حاولت إغراؤه كثيراً في قصصي السابقة لكنه لم يكن يريد أن يفعل شئ وكان يتعفف على ويترفع على السقوط في مستنقع الرذيلة وكان يعايرني كثيراً بأنه مازال يحافظ على نفسه طاهراً بكراً بينما أنا غارق في بحيرة عميقة جداً ممتلئة بماء كثير من الساقطات التي عرفتهن في حياتي ،وحتى عندما حاولت أن أوقعه في الشر بإحدى حيلي القصصية حتى يكف عن معايرتي فقد جعلته ينفرد بإحدى الجميلات التي يذهب بياضهن بنور العيون مع العقول وتركته معها في حجره نومي الخاصة وهي عارية تماماً خاليه من أي شعر في أي منطقة من جسدها حتى رأسها جعلتها تحسرها بغطاء جميل حتى تكون اكثر جمالاً وإغراء إلا أن الذي فعله أذهلني حقاً فقد كنت أتمني أن تنجح حيلتي لكنه وضع ذيل جلبابه في فمه وفر هارباً وظل مختفياً عني مده طويلة حتى أخرجته في قصة أخري حيث كان خادماً لراهب ورع يحب الله كثيراً (قصتي سبط الراهب).

  أريد أن أمارس رجولتي واختبار فحولتي.

ذكرته أيضاً بتكراره لطلبه الغريب هذا وإلحاحه الشديد عليُ الذي اضطرني تحت ضغطه الشديد أن ألبي له الطلب فأخذته من يده وذهبت به إلى تلك المرأة المحترفة التي عرفني بها صديقي ذلك الذي كان يريد أن يصبح قساً ... تركته معها حتى تعلمه فنون الكار وتدربه علي أساليب المعاملة الخاصة للمرأة فألقته لإحدى تلميذاتها بينما تفرغت هي في محاولة يائسة منها لاستعاده الماضي الجميل كما كانت تقول أو حتى استعادة بعضه لكن كل محاولاتها ذهبت سدي عندما تأكدت أنني لن أستطيع أن أشبعها كما كنت افعل سابقاً....
فرغ من سكب ما تبقي من الزجاجة التي طلبها منذ قليل في جوفه ثم تجشأ في وجهي برائحة كريهة ولمعت عينيه ببريق غريب وقال لي:-
  اطلب لي زجاجه أخري.
طلبتها له دون مناقشة وبعد أن أخذها من النادل شرب جرعة طويلة ثم عاد يقول لي:-
  لا تعرف وقتها أو حتى بعدها روعة الإحساس الذي شعرت به... فوقتها عرفت وعن يقين بالغ بأنني رجل وليس كذلك بل من الممكن أن تتمناه أي أنثى ... فأنت دائماً كنت تحبسني في قصص الحب والرومانسية والأحلام والتهويمات والخيال والعالم الروحي ... يا آه ... كم كنت قاسياً على يا إلهي الخاص. بالفعل كان عتابه في محله فقد كنت اعتقد أن الفن يجب أن يبتعد عن الغرائز وأثارتها ويجب أن يسمو بالإنسان إلى أعلى مراتب الشفافية والنقاء والطهر أيقظني من نوبة التيه التي تهاجمني كل فترة وضحك ضحكة عاليةً أثارت فضول رواد (الجريون) واخذ يعدد إلى هو الأخر خيراته علىُ وبركاته التي لا تحصى وطلباتي الكثيرة التي لا تنتهي ... فقد ذكرني بالفترة التي أعقبت تجربته لرجولته وفحولته فقد كانت من أخصب فترات حياتي الإبداعية وكان طيعاً لي فيها جداً فكتبت العديد من القصص التي حصدت الكثير من إعجاب النقاد على مختلف مشاربهم وحصدت أيضاً الكثير من الجوائز التي حركت قليلاً الجمود المادي الذي كنت أعاني منه في هذه الفترة وكذلك أعادت لي الثقة التي افتقدتها لكفري بالكتابة وجدواها في مجتمع يغرق في مستنقع الأمية الموحش .. لكزته في كتفه الأيسر حتى يفيق ويسمعني جيداً :
  أنت لا تستحق أن تكون بطلي بعد اليوم وسوف أقتلك في أقرب قصة سأكتبها ولن أقيمك مرة أخرى ولتذهب إلى الجحيم.
جحظت عيناه وتابع كلامي باهتمام شديد فحياته أصبحت مهددة وتقف على حافة سن قلمي... أن شئت أن أفعل ما هددته به... هو يعلم تماماً بأني أستطيع أن أفعل ذلك بل و أكثر من ذلك أيضا أستطيع أن أفعله.

  أن تقارن نفسك بي وأن تضعني معك على كفة ميزان واحد فهذا المستحيل بعينه من أنت ؟
  أنا منك .... جزء منك .... من تكوينك ... من وجودك.
  لكني لست دنساً ... وأنت دنست نفسك .
  أفق ... وتذكر ما قلته لك منذ قليل.
  لقد تبت إلى الله وعدت إلى تعاليمه وأنا واثق أنه سيقبل توبتي.
  وأنا أيضاً سوف أتوب إليك وأرجو أن تقبل توبتي ... فلا تنسى أنك أنت الذي فعلت بي ذلك.
  كانت رغبتك وكان إلحاحك الغبي .
  لكنك تعلم أكثر منى، وأنا مهما فعلت لن أفعل إلا ما تأمرني به وتريده لي أليست مقاديري في يدك أني مُصير لك ولست مخيراً، فأنت ربي وإلهي.

وقعت كلماته الأخيرة في أذني كأنها قنابل عنقودية أخذت تتفجر داخلي حتى حولتني إلى شظايا متناثرة لا تصلح لتشكيل إنسان مرة أخرى ... لا أعرف لماذا بعد أن طلبت منه أن يشرب جرعة أخرى من زجاجة البيرة المركونة أمامه شعرت بالذنب ؟ فما كان يجب على أن أطاوعه في رغباته الجامحة وكان على أن أوجهه وأقومه وأعود به إلى الطريق القويم بعد أن شط عنه ... وحاولت أن أكفر عن خطيئتي العظيمة هذه . قفزت إلى ذهني فجأة فكرة أن أزوجه وأجعله يعيش في الحلال بدلاً من حياة الليل التي أدمنها هذه وبالفعل في أقرب فكرة قصة ألحت علىّ جعلته فيها يتقرب من إحدى الفتيات الجميلات التي أحبته كثيراً وتمنت أن يكون فارسها المغوار زوج المستقبل لكني لم أعرف حقيقة مشاعره ناحيتها؟! ولم أرد أن أعير هذا الشأن اهتماماً وقلت أن حاله سوف (ينصلح) بعد الزواج فعجلت بإتمام مراسم الزفاف حتى تهدأ ثورة شهوته التي أشعلت جسده كله في إطار شرعي حلله الله ويهدأ أيضاً وخز ضميري الحامي الذي كان يؤنبني باستمرار لأني أورده هذا المورد من التهلكة والضياع في الدنيا والآخرة ... أثرت بعد ذلك أن أبتعد عنه حتى ينعم بحياته الجديدة ولكني كنت بين فترة وأخرى أطل عليه من كوة وجودي المطلة عليه حتى أطمئن على سعادته وراحته وظللت بعيداً عنه حتى أنني لم أشاركه احتفاله الخاص عندما أنجب أبنته الجميلة "مريم" حتى لا أعكر صفو حياته التي أتمنى أن يحياها في أمن وسلام؟ لكني لا أعرف لماذا تبدلت خصاله وأصبحت سيئة جداً ؟ فكان فظاً وقاسياً مع زوجته، وفي كل مرة كانت تأتيني تشكو منه ومن سوء معاملته لها كنت ألقي بالمسئولية عليها وأنها يجب أن تفهمه وتحتمل من أجل حبها حتى لا ينهار فوق رأسها ...

لم تكن تعلم موقفي القديم من النساء ولكنها كانت تتعجب كثيراً حينما ترى انه بيدي خلاصها مما هي فيه وجعلها تنعم معه بحياة هادئة تربو إليها وتتمناها ولكنى لا أفعل ... امتلأ خزان وجدانها بالكثير من الإهانات والإساءات عن أخره حتى فاض ولم يعد في قلبها أدني حب له وقررت الهروب حيث وجدت جثتها هي وابنتها الجميلة "مريم" عائمة فوق صفحة النيل أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون .شرب جرعة جديدة من زجاجة البيرة المركونة أمامه ...حدجنى بنظرة قاسية :-
  أريد أن أحب وأريد أن أكون محبوباً ؟ لماذا تضعني دائماً في موقف المهزوم ولا تكمل لي قصة ؟ فمن أحبها ... لماذا تفعل معي ذلك ؟ حتى من زوجتني إياها لم أشعر معها بطعم الحب والسعادة حتى رحلت هي وابنتها وكل ما تغرقني فيه من مشاعر وأحاسيس زيف في زيف ... لماذا كل هذا ؟

بعد هذه الجملة الحوارية الطويلة والتي لا أستطيع أن اكتبها في أي قصة من قصصي حتى لا يهاجمني النقاد الذين كثيراً ما هاجموني أو يمل منى القراء ونادراً ما حدث منهم هذا قلت له :
  وماذا تريد منى الآن ؟
  لقد وقعت أنت على صيد ثمين أجعله لي.
  أتسميه صيداً ؟
  أنها أنثى بارعة الجمال وملفوفة القوام و.....
  هل هذا كل ما يعجبك في الأنثى جمالها وقوامها ؟
  لا .......
  وماذا يعجبك أيضاً ؟
  طموحها وأخلاقها وتدينها وفوق كل هذا قلب أبيض كبير يحتويني.
  ما كل هذه الرومانسية وهذا الإحساس المرهف هل أترك لك القلم واجلس أن في بيتنــا ؟
  العفو لم أقصد ذلك.
  هل فكرت مرة أن نبدل أدوارنا بمعنى أن تكون أنت المؤلف وأكون أنا البطل ؟
  ولما أفكر في ذلك وأنا راضى عن نفسي تماماً فأنا بطلك المفضل وأنت تعطيني كل شئ . .. كل شئ ... فلماذا التعب والإرهاق والدخول في دوامات الأفكار التي لا تنتهي ؟
  أتعجب كثيراً من تلك الحكمة الرائعة التي هبطت عليك فجأة ... ومن هذه الفتاة التي أشعلت جذوة الحب في قلبك ؟
  أنا لم أقل لك أنني أحبها .
  لا تغضب يا سيدي ... من هي هذه الفتاة التي حركت مشاعرك بهذا الشكل ؟
  أنت تعرفها جيداً ... ألم أقل لك أنك وقعت على صيد ثمين ؟
  مــن ؟
قبل أن يجيب شرب جرعة أخرى من زجاجة البيرة التي قاربت على
الانتهاء ثم قـــال:-
  أنها زميلتك في العمل .
باستعجال وتلهف :-
  من تقصد تحديداً ؟ قل بسرعة .
  رانيــا.
أفلتت الكلمة مني رغما عني:-
  يا ابن الكلاب.
  الله يسامحك.
  ماذا تقول ؟
  ما سمعته هو الذي قلته.
  سوف اعتبر نفسي أنني لم أسمع شيئا.ً
  لكنك سمعت وغضبت مني لأجلها .
  إنها مخطوبة وسوف تتزوج قريباً ... هل تريد أن أهدم حياتها من أجلك ومن أجل نزواتك المرضية هذه ؟
  إنها لا تحب خطيبها .
  أنا أعلم منك بها ... فعلى الرغم من أنها لا تحب خطيبها لكنها رتبت نفسها على الحياة معه وسوف تواصل معه رحلة عمرها بحلوها ومرها.
  طالما أن الأمر هكذا ... لماذا كنت تحكي لي عنها بأنها تعيش في جحيم من جراء تجاربها العاطفية الكثيرة والفاشلة أيضاً .. وكنت دائماً تقول لي أنه من المستحيل أن تعيش مع خطيبها هذا الذي لا تحبه وتعود الآن تقول لي أنها رتبت نفسها على الحياة معه.
  هكذا ببساطة تفشي السر ولا تستطيع أن تحتفظ به حتى لنفسك ... إياك أن تكون قد تحدثت مع أي أحد بشأنها وبشأن حكايتها .
  لا.
  سوف تجعلني أعود إلى قراري القديم وأقتلك وارتاح منك ومن سماجتك التي زادت عن حدها كثيراً أو أضعف الإيمان أتبرأ منك وأودعك أحد الملاجئ .
  لماذا كل هذه الثورة ... هدأ من روعك ... هل تحبها ؟
  أحب ... أحب ماذا ؟ وأحب من ؟
  تحبها هي .... لقد لاحظت في إحدى مرات جلوسك معها بريق الحب يلمع في عينيك .
  هذا وهم ولكي أؤكد لك أن ذلك الإحساس إحساسا واهماً سوف أجعلك تجلس معها بمفردك لكني لا أعدك بأنني سوف أجعلها تحبك فهي ليست من أبطال قصصي كما أنها خارج حدود طاقتي الإبداعية .
  أفعل ذلك واترك الباقي علىّ .
أخرجت من حقيبتي ورقة وقلم وشردت قليلاً حتى عثرت على فكرة الموقف الذي من الممكن أن يكوناً معاً فيه دون أن يشك أحد من حولهما في طبيعة العلاقة بينهما حتى لا تحرج هي من زملائها في المدرسة ،وعندما شرعت في كتابة الموقف كان هو – بطلي – انتهى من إيداع أخر قطرة من زجاجة البيرة في فمه الواسع اكتشفت وقتها أنني انتهيت لتوى من كتابة قصتي الجديدة.
رغبــة

شعر برغبة شديدة في النوم ... لا يعرف لماذا تذكر فجأة سنوات عمره المنفلتة والتي فشل فيها أكثر مما نجح ... لا يستطيع أن يفكر في إجادة علاقة ما بين الرغبة الجامحة وبين هذا التذكر الغريب ... بادل النظر بين صورته المعلقة على الجدار الأصفر الوجه وبين النافذة التي يمتد منها الشارع الطويل الذي كان يقضيه سيراً على الأقدام ذهاباً وإيابا عندما كان يذهب إلى المدرسة التي تركن في إحدى زواياه البعيدة ... لا يعرف أيضاً لماذا شعر برغبة أشد في البصق ؟... فبصق ... تمدد بعدها بجسده الواهن والذي بدت عليه أثقال سنوات بعيدة ... لم يشعر بنفسه أو بجسده ... استيقظ ... لا يعرف هل قليل مر من الوقت أم كثير ؟... هاجمته رغبة ملحة في معاودة النظر إلى صورته المعلقة على الجدار الأصفر الوجه وإلى النافذة التي يمتد منها الشارع الطويل الذي كان يقضيه ذهابا وإيابا عندما كان يذهب إلى المدرسة التي تركن في إحدى زواياه البعيدة ... عاودته نفس الرغبة الأشد في البصق... فبصق وابتدأ يومه.

الرائحـــة

أندس وسط الزحام الذي يملأ الميدان الكبير الذي يحتل مساحة ليست بقليلة في قلب المحبوبة الأولى "القاهرة" ... سأل عن المبنى الضخم الذي يسمى باسم الميدان «مجمع التحرير» أشار له أحد الذين مر عليهم بسؤاله الغبي ... وجده أمامه ... دخل ... هاجمته رائحة ليست غريبة عليه أو على أنفه جعلته يتقزز ويريد أن يتقيأ ما تناوله هذا الصباح. نفس الرائحة تسكن أنفه منذ نعومة أظافره ... استنشقها في مكتب ناظر مدرسته الابتدائية وكذلك وكيله ... وصاحبت أنفه في المدرسة الإعدادية والثانوية والجامعة أيضاً ... وحتى تلك المساحة الزمنية الممتدة ما بين إنهاء دراسته وبين استلامه للعمل لم تتخل عنه تلك الرائحة ... فوجدها تهاجم أنفه في ديوان مديرية التربية والتعليم عندما أخبروه بالحصول على فرصة عمل وقبلها في ديوان مديرية القوى العاملة، وكذلك وجدها في مكتب السجل المدني عندما ذهب لاستبدال بطاقته ومهنته من عاطل إلى موظف حكومي .. وفي كل مرة يشم فيها هذه الرائحة يشعر بأنه يريد أن يتقيأ ... ولا يحدث ... نزل من المبنى الضخم بعد إنهاء أوراقه ... عند الباب الخارجي له هاجمته الرائحة مرة
أخرى ولكن بوحشية أعظم مما سبق خرج سريعاً .... أنزوي جانبا وعلى إحدى
حوائط المبني ... تقيأ أخيراً.

مسافـة ما على حافـة المـوت / الاشتهـاء

"ككل البشر ولدت ، ككل البنات عاشت ، ككل البنات عشقت ولكنها ماتت ليس ككل البنات"

حين نبت المشتهيان في تلك المساحة الرائعة من جسدها والتي لا تبعد عن جيدها كثيراً ... أرادت أن تكون. بعد أن كانت ... فتحت لأول مشتهى طرق بابها الخلفي ... كانت تتسرب من ذاتها سلسلة مفككة من الرفض والقبول بعدها وافقت مرغمة بعد أن لوح لها بشرعية ما يفعلان على ورقة قديمة كانت ملقاة أسفل سريره .أرادت أن تصبح ... بعد أن أصبحت. لم تعد تجد فرقاً كبيراً بين السمو إلى أعلى أو الانهيار إلى أسفل هكذا كانت تقول دائماً حتى وصل الذي طرق بابها لأول مرة إلى المشتهي الأكبر الذي يرقد مرتعداً بين عمودين طويلين ممتلئين من لحمها الطري. أرادت ألا تُعصي ... بعد أن أعلن مشتهيها الأول العصيان عليها ومزق بارقة الأمل التي كانت تبرر لها ما تفعله معه ...عادت الورقة القديمة إلى مكانها أسفل سريره ... تتابع عليها المشتهون انغمست معهم على سريرها بعد أن نظفت أسفله من أي أوراق قديمة ... كلما انهمر عليها المشتهون زاد انغماسها حتى هربت روحها عندما حاول أخر مشتهى الوصول إلى المشتهى الأكبر الذي يرقد دون رعدة بين عمودين طويلين ممتلئين من لحمها الطري.

الثمــــن

خمسون قرشاً هي ثمن السكوت فقد رآه يضاجع الغجرية اللعوب في ذلك البيت الخرب الذي يرقد على حافة الشارع من ناحيته الغربية ... تحسس بطنه وقال في فرح سأسكت تلك العصافير الجائعة ولمدة عشرة أيام قادمة على الأقل... جحظت عيناه فجأة ...قال بعد تردد :-
  ولماذا لا أطلب منه المزيد أنه ثري ويخشى الفضيحة ؟
استطرد في لهفة:-
  والله فكرة !!
هم ينفذ فكرته ... ذهب إليه ... طلب منه المزيد ثمناً لسكوته رفض الثري ولم يقتنع بمطالب ذلك الصبي العابث في ملابسه وشعره وحياته ردد في همس غير مسموع :-
 هذا الولد المتشرد سيسبب لي المتاعب وأخشى أن يطلب منى المزيد والمزيد وأصبح أنا لعبته المفضلة بدلاً من التسكع في الحواري والشوارع والبيوت الخربة ... تنهد بعمق وقال :-
 آه البيوت الخربة.
برقت في ذهنه الفكرة وبسرعة قام بتنفيذها ... بعد أن وقع الولد على الأرض قال من بين دمائه التي لطخت وجهه وملابسه :-
  أشكرك لأنك فعلت ما لم أستطع فعله طول حياتي ... فأنا – وهو يشير إلى بطنه-وأن كنت حاولت إسكات هذه العصافير الجائعة لمدة عشرة أيام إلا أنك استطعت أن تسكتها للأبد .
قالها وبعدها راحت روحه تتصارع بين النهايتين .

بإرادتـي أغـادر جسـدي

تركت جسدي المسجي على سريري الحديدي ذي الأعمدة وبعدت عنه خطوات ليست بقليلة ، عقدت ساعدي خلف ظهري وأخذت أتأمله بهدوء ... وفي هذه اللحظة تماماً كنت في أمس الحاجة إلى الهدوء وتمنيت أن يختفي كل العالم خلفي حتى أستطيع أن أراني وأتفحصني بدقة ، خلف الجفون المسبلة ترقد آلاف النظرات الشرهة التي التهمت الكثير والكثير من نهود البنات وأفخاذهن ... على الشفاه المضمومة أثار قبلات لكثيرات قد لا أعرف معظمهن الآن وقد تكون هناك آثار لقبلات من البنت وأمها أيضا ... شفاه نساء كثيرات كنت أمرح عليها باسم الرباط المقدس للعذارى وباسم اللوعة والشوق للنساء الأرامل والمطلقات ،حتى هؤلاء اللائى كن ينفرن من رائحة أفواه أزواجهن،وكذلك النساء اللاتي تركهن أزواجهن ليحفظوا لهن ولأولادهن مستقبلاً أعظم ... وبقليل من تدقيق النظر أستطيع أن أرى بسهولة أثار أخر قبلة ارتشفتها من رحيق البنت "هبه" الساذجة التي تركتني منذ خمسة دقائق فقط قبل أن تطير روحي من جسدي ... أتأمل بكبرياء شاربي الكث الذي كثيراً ما جرت عليه أيدي النساء اللائى كن يقلن لي :-

  شاربك يدغدغ مشاعرنا ويجعل حصان الشهوة يتمرد على مربطه داخل ذواتنا.
كنت أضحك كثيراً لهذا وكنت كلما أردت أن استمتع بأكبر قدر من القبلة أداعب شفاه المرأة بأطراف شعر شاربي دون أن أجعل شفاهها تلمسه، كانت تحب هذا كثيراً جارتنا السمينة "أم محمد" والتي كانت تقول:-
  إن هذا يعذبني كثيراً.
وبعد أن تطلق ضحكة داعرة تقول لي:-
  ولكنه عذاب لذيذ يا مضروب .
أقف كثيراً أمام أنفي التي استنشقت روائح كثيرة من اللائى كنت ألقي بجسدي هذا في أحضانهن ولكنها - أي أنفي- لم تنس أبداً رائحة "أم جلال" الكريهة التي كانت تتاجر في السمن البلدي وكانت كلما باعت رطلاً تمسح يدها في ملابسها ،ولم أكن ألجأ إليها إلا عندما تستبد بي الرغبة ولا أجد غيرها يشبع شبقي واعتقد أيضاً أنها لم تنس رائحة حضن البنت "نيفين" التي كانت تهرول إلى كلما عادت من الخارج فسفريات نيفين كثيرة جداً حيث أنها وحيدة أبيها بعد رحيل أمها وأخوتها في حادث مشهور ، كما أن أبيها يعمل في الأمم المتحدة وكانت "نيفين" في كل مرة تصر على أن تعرفني نوع البارفان الذي اشترته خصيصاً لي وكانت تقول لي أسماء لماركات صعبة جداً علىّ وعلى أذني ومرة تقول لي أن هذا البارفان من باريس وأخر من كندا وأخر من نيويورك ولكنى اعتقد انه مازالت رائحة البارفان الذي أحضرته لي من أحد متاجر بيروت عالقة بأنفي حتى الآن.

أحاول أن أضع أصابعي داخل التجويف الداخلي لأذني علها تكف عن التلصص على الآخرين فكثيراً ما كنت أتلصص على أهات وتأوهات زوجة صديقي الجميلة الذي أواني في بيته بعد أن طردني أبى ذات ليلة ... وكثيرا ما تمنيت أن تكون هذه الآهات والتأوهات لي ولكن كل محاولاتي التي درت بها حول زوجة صديقي تحطمت على صخرة نظرة الازدراء التي كانت تلقيني بها . وكانت كلما انفردت بها في غيبة صديقي كانت تلقي لي بالطعم للنيل منها والتمتع بآهاتها وتأوهاتها وبعد أن أبلع الطعم وأبلغ معها الأمان تخرج لسانها وتكيد لي ولكني لا أعرف سبباً واحداً لعدم إخبارها لصديقي بكل ما أفعله معها؟ مما كان يعطيني الدافع لأن استمر في محاولاتي معها.

أقترب من جسدي قليلاً وأركع على ركبتي حتى أصل إلى ثديي الأيسر وأحاول أن أضع الحلمة الصغيرة في فمي فكثيراً ما كانت تفعل ذلك البنت "دلال" تلميذتي في المدرسة الثانوية حينما كنت أحاول مساعدتها في الدروس التي تستعصي عليها .... وكلما كنت أحاول أن أمر بيدي على مناطق حساسة بها كانت ترفع يدي وتنظر لي بغرابة وتقول :-

  عارف يا أستاذ أنا فطمت وأنا عند خمس سنوات !
تجحظ عيناي وأعرف وقتها لماذا كانت دائماً تجري على زرا ير قميصي لتفكها ثم تبدأ مداعبتها لثديي الأيسر بشراهة غريبة .
بطني المنتفخة مازالت تطلق أنات الجوع فمنذ أن قطعت "جمالات" قدميها عن حجرتي وأنا لأجد لقمة أسكت بها أنات بطني ... فهي كثيرا ما كانت تحمل لي الكثير والكثير من خيرات زوجها الذي يعمل بالعراق وكانت تقول :-

  أنت محتاج إلى غذاء "كويس" حتى تقوى عضلاتك وتضمني إليك بقوة لأنه لا يملأ عيني سوى الراجل الجامد
  منذ أن عاد زوجها من الخارج لم أعد أراها ولم تعد بطني تستقبل طعامها الشهي كما أنني لا أستطيع أن اشتري طعاماً مثله حيث أن مرتبي متوقف عن الصرف لحين الانتهاء من تحقيقات الشئون القانونية في واقعة ضبطتني فيها "الناظر" مع إحدى تلميذات المدرسة أسفل سلم مبنى الصف الثالث وأنا أحاول فك زرار بلوزتها البيضاء .لا أعرف لماذا كلما نظرت إلى الجزء الأسفل من جسدي أشعر بالغثيان؟ وأن مرارة ما تملأ فمي ؛فخطايا هذا الجزء أعظم وأعظم بكثير بل أنه قام بكسر الوصية بالفعل لا بالقول «من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه» لم يعد للقلب وجود بل الوجود كل الوجود للجزء الأسفل وإن استطعت أن أغفر ويغفر العلي كل خطايا هذا الجزء إلا أنني وانه لن نستطيع أن نغفر ما حدث مع إحدى قريباتي تمت بصلة نسب لأخي الكبير والذين يقطنون القاهرة؛ فكانوا كلما هل عليهم الصيف هرعوا إلينا ليستنجدوا بالهدوء والراحة والشعور بالدفء الأسري الذي تمزقه القاهرة بوحشيتها ،ويستمتعوا أيضا بهواء قريتنا النقي، لا أستطيع مطلقاً أن أنسى ذلك المشهد الذي نُحت في ذاكرتي من فرط هوله... كان ليلاً ونسمات الصيف تداعب خصلاتها المتناثرة على جبينها اللامع وحينما رأتني أحدق فيها بشدة قالت لي بعد أن لكزتني في كتفي بيدها الطرية :-
  أريد أن أرى الأرانب التي تربيها أمك فوق السطح فأنا أحبها كثيراً وأحب
اللعب معها.
لم أجب وقتها ولكنني فور انتهائها من الكلام سحبتها من يدها خلفي وصعدت إلى أعلى... فرحت كثيراً بالأرانب وهي تجري في كل مكان في فرح وبراءة وسعادة
وقالت لي :-
  ليتنا أرانب .
  لماذا ؟ !!
  ألا ترى مساحة البراءة التي تملأ وجهها؟
وقتها شعرت بقشور لزجة تسقط من عيني وحاولت أن أري ما تقول لكني لم أستطيع. صحوت على رنات ضحكاتها التي ملأت أذني وهي تجري خلف أرنبة جميلة تريد اللحاق والإمساك بها .
  هل تعرفين اسم هذه الأرنبة ؟ أنها فيفيان فغرت فاها ولم تنطق ......

  لا تتعجبي وإن كنت صادفت في حياتك شيئاً ما يشعرك بلذة ما ونشوة ما ويمردك على نفسك وعلى واقعك فإنك سوف تفهمين ما أقصده.
تورد خداها ونكست رأسها في الأرض لتداري مسحة الحزن التي كست عينيها وابتسمت ابتسامة حال حياؤها دون أن يفضح إحساساً ما يتملكها .تركتني وأخذت تواصل مطاردة الأرنبة لا أعرف لماذا جريت خلفها ؟اقتربت منها أكثر وأكثر حتى تعثرت في إناء شرب الأرانب الفخاري وسقطت على الأرض سقطت فوقها تماماً ... حاولت الفرار من اسفلي ولكن أنفاسها المتلاحقة وصدرها الأبيض الناهد والذي طل على فجأة من فتحة بلوزتها جعلني أقبض عليها بكل قوتي والتهام شفاهها اللذيذة ... لم أشعر وهي تجذبني ناحيتها بقوة حتى كادت أن تحطم ضلوعي ... لم أشعر بها وهي تحاول أن تقبل كل شئ في وجهي ... ولكني أفقت على صوتها المذعور وهي تحاول أن تمسح نقطتي دماء لوثت ملابسها الداخلية. أزاحتني بعيداً عنها بعد أن رمتني بنظرة نارية كادت أن تحرقني :-
  أنت أقسى مما تصورت ... لم أكن أتصور يوماً أن ذبحي سوف يكون على يديك أنت. أدركت وقتها أن البنت كانت تحبني كثيراً وكانت تحلم باليوم الذي تأتى فيه إلى هنا حتى تراني وتشبع شوقها الغامر لي؛ فكثيراً ما حدثت صديقتها عنى وعن أحلامي و طموحاتي، وما كان صعودها إلى السطح لكي ترى الأرانب بل هي حجة تحاول بها الخروج من مأزق الحرج حتى انفرد بها وتنفرد بي... لنتحدث معاً بمفردنا أطول وقت ممكن وغيرها من الحجج التي كانت تسوقها حتى نكون معاً... كل هذا وأنا لا افهم ولا حتى حاولت فهم التلميحات والإشارات التي ترميني بها من حين لآخر .لعنت نفسي كثيراً وتمنيت أن أجهز علي جسدي المسجي أمامي ولكني تراجعت في أخر لحظة ..... أخذت شمعتين كنت في سرقتهما من مزار دير الأنبا (برسوم) حيث زرته لكي أتمسح فيه وفي بركاته ليغفر الله لي أخر خطاياي .... وضعت الشمعتين كل واحدة علي جانب من جانبي رأسي حيث أضيء الوجه كاملا وتناولت مسحوقاً مجهول الماركة و الصنعة ..حاولت أن اغسل جسدي به لكنني فشلت .... كما فشلت من قبل في إشعال النار في هذا الجسد البارد ...حاولت أن ابكي و لكن الدموع لم تطاوعني ... ألقيت نظرة أخيرة علي جسدي وهرولت إلى الخارج بعد أن صفعت الباب خلفي الذي تناثر إلى أجزاء وذهبت ابحث عنى علني أجدني يوماً.

مريـــم

سنتان وشهران وبضعة أيام حصيلة عمرها على الأرض سقوط مدوي على إسفلت رأس الشارع من يد ابنة عمها "ثافنوتي"... كسر في الغلاف الخارجي لجمجمتها من الناحية اليسرى .... مئات من علب الأدوية ... مئات من السرنجات المفرغة في جسدها الضئيل ... مئات من الأحلام تنام بين كفيها الرقيقين ... اعتصار قلبي أمها وأبيها في هنات مرضها المتعددة ... قصص وحكايات وألعاب هي غرفتها الخاصة ... هي مريم نور القلب الذي لا ينطفئ وذاكرة القلب التي لن تموت بعد غروب شمس الوجود الأخير.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى