الجمعة ٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم محمد رشيد ناصر ذوق

مأزق اللغة العربية و الانتماء

الانتماء و القضية و الهوية :
الانتماء يتكون أصلا من دوائر متداخلة متحركة ، تحوي مجموعة من العوامل التي تتباعد كلما ابتعدنا عن مركز ما ، جغرافي، روحي أو بيولوجي (عائلي ) ...الخ ، ليشكل تجمعا متناسقا اجتماعياً اقتصادياً ما في حقبة تاريخية معينة.

نبدأ بالانتماء الجغرافي ، و حدود السكن ، فلكل منا مدينة أو قرية يسكنها و حي و شارع و منزل و بيت. فإذا كان بيتي في شارع في مدينة معينة يعني انتمائي الى هذه المدينة و هذا الشارع ، الذي بدوره حتما سيكون في دولة أو بقعة جغرافية ما ، لنقل لبنان مثلا:
لبنان هذا البلد الذي ينتمي الى وحدة جغرافية أكبر تسمى بلاد الشام ، التي بدورها تنتمي الى وحدة جغرافية أكبر تسمى المشرق العربي ، الذي بدوره ينتمي الى وحدة أكبر تسمى البلاد العربية و حوض المتوسط ( الجزيرة العربية و المتوسط شمال افريقيا و أوروبة ) ، هذه المنطقة الجغرافية تنتمي ايضا الى الكرة الارضية في النهاية فتتفاعل معها سلبا أو إيجابا كما حصل في التاريخ ، و هذا الانتماء الكبير الذي يسميه البعض العولمة هو بالنتيجة حقيقة تاريخية قديمة قدم الانسان و ليست وليدة العصر الحديث فكلنا ننتمي الى عالم واحد شئنا ذلك أم ابينا . لذلك فإن هذا الإنتماء لا بد له من أن يكون الحافز و المحرك للنهوض بالإنسانية نحو مستقبل أفضل بدلا من أن يكون دعوة الى التقوقع و التحجر في لحظة تاريخية معينة أو بقعة جغرافية ضيقة.

و الانتماء الروحي لأي فرد من الافراد يكون بالإيمان بدين أو فكرة – هذه الفكرة التي تسكن وجدانه و تحيط بحياته و تصرفاته و طريقته في التعامل في المحيط الذي ينتمي اليه أو يحتك به ، و الإنتماء الروحي للناس يتألف من الوان طيف متقاربة و متباعدة ، كنقطة نور و انتشار هذا النور في الفضاء ، هكذا يكون الانتماء الروحي للناس ، فكثير من المسلمين يختلفون في بعض معتقداتهم و يتشاركون في قواسم مشتركة بينهم و بين المسيحيين و اليهود ، و يسمون هذا القاسم المشترك الدين السماوي. وهذا النور الذي يسميه الناس الدين يشترك فيه ايضا كل الاديان الاخرى له نقطة ارتكاز خارج حدود الجغرافيا فمصدره الغيب و السماء و مسكنه قلوب البشر و عقولهم ( أفئدتهم ).

الانتماء اللغوي الثقافي المعرفي :

والايمان يتكون أصلا من مجموعة أفكار ، مما يعني انتماءه اصلا الى لغة ما ـ لأن الوجدان الانساني و الفكر و العقل لا بد له من لغة يتكون منها .
لذا يستند الدين الى ثقافة معينة ـ و لغة محددة تبين للناس الفكر و توحدهم في الفاظ مشتركة و دلالات متقاربة، صلاة-قربان-أدم-نوح-جمع-حياة-موت-قبول-رفض ، لذلك فإن الاختلاف اللغوي ( باللهجة أو النطق) لأمر معروف ومشترك ، لا يمكن أن يشكل عاملا سلبيا في بناء الحضارة الانسانية إلا اذا كان مشروعا تقسيميا الهدف منه التقوقع و نبذ الاخر .
أما الانتماء العائلي ، البيولجي (بيئو-لو-ذي)، فجموع الناس تتكون من عائلات ، اب و أم و أخوة و انسباء ، و نرى الكثير من الشعوب التي ما زالت تعتمد على هذا التقسيم لتحدد موقعها بين الناس ، ولكننا بعودتنا الى بداية تكون الانسان نرى أنه يعود الى رجل واحد و إمرأة واحدة.

إذا بالرغم من ان الإنسان ينتمي الى عائلة و عشيرة إلا ان ذلك يجب أن لا يكون سبيلا ألى التفرقة و التمييز ، بل لا بد لنا من الايمان أننا ننتمي جميعا الى عائلة واحدة بالنهاية ، فيكون هذا الانتماء حلقة في سلسلة تجمع كل الناس ، فكلنا بني آدم .
وهذا النوع من الإنتماء ( العائلي ) الكلي هو الانتماء الثابت الذي لا يتغير.

إن الانتماء ( الجغرافي – الروحي– الثقافي ) و إن كان متحركا بنظر البعض إلا ان تحركه يحتاج الى أجيال و عقود وهجرات و تغيير في المنطلقات و الثوابت ، مما يجعله ثابتا الى حد ما في حياة الفرد القصيرة و شبه ثابت في حياة المجموعات البشرية التي قد تمتد لآلاف السنين ، ولا يتغير الا في حالات الهجرة و الانتقال .

بالاضافة الى هذا الإنتماء ، يتكون عند الانسان انتماءات متعددة كالأنتماء الى عدد من الجمعيات و النوادي والتيارات الفكرية أو الاقتصادية ولكل منها مركز ومحيط و لكن جميع الدوائر هذه متداخلة فيما بينها.
كل ما تقدم من إنتماء للناس يتمحور حول نقطة ارتكاز محددة تحدد إنتماء الفرد الى مجموعة ما تعتبر ثابتة الى حد ما ، إلا أن الانتماء الاقتصادي الذي لا يتمحور الا على نقطة ارتكاز إجتماعية-إقتصادية متحولة أو متغيرة اصلا بشكل سريع لذلك لم تتمكن الحركة الشيوعية العالمية من تأصيل الانتماء لجميع شعوب اوروبة و اسيا و غيرها في هذه الحركة ، لأنها إعتمدت الانتماء على اساس إقتصادي متغير اصلا ، و الوحدة الاوروبية سيكون لها المصير عينه إن لم تتجاوز هذه الوحدة الاقتصادية الى وحدة مركزية في دولة موحدة جغرافيا ولغويا و فكريا و ثقافيا تخضع لقانون واحد و دستور موحد، فاللغة هي من أهم عوامل الإجتماع و التفرق لأنها الاداة التي يتكون منها العقل الاجتماعي لدى الناس .

فعلى أساس الانتماء الاقتصادي تأسست عبر العصور العديد من الامبرطوريات التي ما لبثت أن اضمحلت و زالت ، وعلى اساس الانتماء الديني الثقافي تأسست عبر العصور العديد من الامبرطوريات التي صمدت لوقت أطول- و لا تزال موجودة في أذهان الناس و عقولهم ، فجمعت في بقعة جغرافية معينة او في حيز فكري ، ما سمي بشعب هذه الامبرطورية و بسطت عليها سلطتها الإقتصادية و الدينية ، و لكن ضمن حدود هذه الدول الجغرافية بقي العديد من الجماعات التي لم تنخرط في هذا الدين ، و لم تستطع هذه الدولة الدينية ان تجمع كل من كان على ارضها الا على انتماء واحد و هو انهم جميعهم ابناء هذه الدولة و مواطنيها يخضعون لحكم هذه الدولة و قانونها مهما كان شكل هذا القانون و لونه ، هذا القانون الذي لا بد أنه قد وضع بلغة ما ، و كان في النهاية ما يميزهم عن كل ما حوته هذه الدولة من ممتلكات و اراض و مباني و مقتنيات بأنهم أبناء آدم يشتركون مع كل البشر المتواجدون على ارض هذه الدولة بالانسانية.

وخلاصة ذلك أن الإنتماء إن كان جغرافيا ، او دينيا أو ثقافيا ، فإن الانتماء الثابت فيه هو الانتماء العائلي – لآدم، و الانتماء الثقافي الايماني بخالق واحد لهذا الكون ،لكنه يحتاج في النهاية الى إنتماء إقتصادي إجتماعي ما يؤمن لمن ينتمون لهذه المجموعات إمكانية الإستمار كما يحتاج الى قانون – يحكم علاقة الناس بعضهم مع بعض و علاقتهم بالدولة و يساوي بين مواطنيها.

العرب و الانتماء :
هل عربٌ انتم ؟؟
و الله أنا في شك من بغداد الى جده
قتلتنا الردة أن الواحد منا يحمل في الداخل ضده .
هكذا وصف مظفر النواب حال العرب في القرن العشرين ـ أو على الاقل لنقل حال البلاد التي كتب على مظفر أن يولد فيها وأن ينتمي اليها. و سبب نكران هذا الانتماء من قبل مظفر يتمحور حول نقاط إرتكاز اساسية هي فقدان العرب لقانون كان يحكم بين سكان هذه البلاد لفترة طويلة من الزمن ، و عدم قدرتهم حتى الان أن يستبدلوه بقانون آخر – بالمختصر لم تعد للعرب دولة بالرغم من إحتفاظهم بلغة ( وثقافة ) يشترك فيها أكبر عدد من السكان و احتفاظهم بثقافة متقاربة قد تجعل منهم وحدة إقتصادية إجتماعية ثقافية في المستقبل.
و مظفر النواب كغيره من المثقفين العرب يعتبر ( قضية فلسطين ) قضية مركزية فهي الميزان الذي يزن به إنسانية العرب و انتمائهم لأنها اول جرح نزف في العصر الحديث و لا يزال ينزف منذ أن خسر العرب هويتهم و انتماءهم عندما قسمهم الاستعمار الى دويلات ، فكان يصنف الناس عن طريق اهتمامهم بها أو خروجهم عن الاهتمام بها فكانت مقياس الانتماء لدوائر متعددة من الانتماء كالعروبة ( القومية العربية ) و الحرية ( حرية الاعتقاد و التعبير ) و ( الاستقلال - محاربة الاستعمار ) و ( الانتصار للحق المسلوب و محاربة التسلط ) و في كثير من الاحيان كان مقياس الانتماء الى ( الاسلام ) ايضا هو إلإهتمام بها ، لأن قضية فلسطين تختصر كل الموضوع الاخلاقي الذي دعى اليه الاسلام ، انها اول مشروع تقسيمي استيطاني – قومي يهودي – في المنطقة العربية قام على اغتصاب ارض شعب و تهجيره منها بالقوة فكان الوطن الذي سيقام على شاكلته اوطان اخرى للقوميات الاخرى الاكراد و الامازيغ و المصريين و غيرهم ، ومن يدري ربما ايضا اوطان مستقلة لكل قبيلة من القبائل العربية على حدة إن استطاع الاستعمار ان يفرقنا الى هذا الحد.
ففي القرن الماضي كان يطالعنا البعض في طول هذه البلاد من يقول ، أنا مصري موش عربي ، أنا فينيقي مش عربي ، أنا كردي مو عربي ، أنا أمازيغي مي عربي ، ..... أنا أنا أنا و هكذا .....كل هذا في محاولة الى تقسيم هذا المجموع الحضاري الثقافي الذي قام برفد الانسانية خلال كل التاريخ بالقيم و الدين ، و فرط عقده .. ولانه المؤهل لأن يستحوذ على المستقبل ايضا ،فكانت الحرب على هذا المجموع الحضاري الذس يجمع بين الدين و العلم في اطار عقلي لا يمكن تجاوزه أو تجاهله، فتارة يسمونه العروبة- فيصبون على العرب كل سئ و تارة يسمونه الاسلام وينسبون اليه ما ليس فيه ، و تارة اخرى يسمونه الحركات الثورية، فكل من ثار على العبودية و الظلم في عصرنا الحاضر ينتمي الى ما يسمونه الارهاب .
ولو كان في هذه البلاد التي كانت مهد اللغة و الدين و مهد الحضارة دولة قوية عادلة لانخرط الجميع في بوتقتها ، لأن العدالة تمثل كل موروثهم الثقافي و الحضاري ،و لقال الجميع أنا ( عربي – ارامي – ارابي ) من اصل مصري أو من اصل كردي أو من أصل أمازيغي دون حرج كما يقول الاميركيون الذين ينتمون الى مشارق الارض و مغاربها اليوم.

إن قضية إنتماء الاكراد و الامازيغ و المصريين و غيرهم التي يحاول المستعمر استغلالها لتفرقتنا و فرط عقدنا المتين ، تفتقر الى المنطق الجغرافي السليم في طرح قضيتهم ، فكل هؤلاء ينسبون أنفسهم ( جغرافيا ) قائلين بأنهم سكان البلاد الاصليين ، ثم ينسبون قوميتهم ( ولغتهم ) الى الآريين !!!!!!! و المعروف أن الآريين هم مجموعات من الشعوب الذين هاجروا من شمال اوروبا الى هذه البلاد ، فيقولون أن اصل المصريين هم الهكسوس ، والامازيغ هم من المهاجرين الاوروبيين الى الجنوب ، و الاكراد هم من الشعب الآري الذي يشترك بالنسب مع الارمن و الروس و الاورديين و الفرس و الهنود ...الخ ، فهل يمكننا التسليم بأنهم سكان الارض الاصليين بعد ما تقدم ؟ و كيف يمكننا الجمع بين كونهم سكان البلاد الاصليين و كونهم آريين هاجروا من الشمال الى هذه البلاد في حقبة تاريخية ما ؟.
و الحقيقة أن كل شعوب الارض هاجرت و استوطنت و لم يعد من شعب أو عائلة أو فرد إلا و ينتمي الى مجموعة هاجرت في حقبة تاريخية ما من مكان جغرافي الى مكان آخر و تزاوجت مع من كانوا في هذه الارض ومع من هاجروا اليها من أماكن مختلفة ، فاختلط الجميع في نسب واحد ، وبقي إنتسابهم الى رجل واحد في بداية التكوين هو النسب الصحيح و الانتماء الصادق ، إذا فإنهم بتحديدهم أنتماءهم الاثني إنما يعتمدون فقط على الإختلاف اللغوي بين لهجتهم ( لغتهم ) و باقي اللهجات لتحديد هويتهم.
ولكن عندما ندرك أن جميع لهجات الناس في العصر الحاضر تتدرج و تختلف من حي الى حي ، و من مدينة الى مدينة حتى ضمن الدولة الواحدة أو المنطقة الجغرافية ، و نستدرك بعدها إنها جميعها تعود الى لهجة و احدة في الاصل ، تبين لنا جميعا أن الاختلاف اللغوي لا يشكل عاملا حاسما في تحديد الهوية .

مأزق اللغة العربية و الانتماء الثقافي:
لذلك لا يوجد اي مأزق للغة العربية في كل البلاد الناطقة بالعربية من الشرق الى الغرب ، فاللغة العربية هي لغة الثقافة و العلم و الحضارة والدين لعدد كبير من الناس ، إن لم نقل انها لغة كل الحضارة و الدين ( بصفتها الارامية – الارابية – العربية )أو ما نسميه بالعربية القديمة و العربية المتينة و العربية المبينة ، فمن اساطير بابل الى حضارة مصر الى التوراة و الانجيل و القرآن ، نرى اللغة العربية لغة متأصلة في وجدان كل الناس بأسماء متعددة – ارامية – اكادية – عبرية – كلدانية - سريانية – عربية .. الخ
فإذا نظرنا الى عمق الموضوع من زاوية الانتماء اللغوي لبعض القوميات ،
تبين لنا سبب وجود اختلاف أكبر بين لهجات ( لغات) الاكراد ، الأمازيغ و الارمن و بين اللغة العربية ، من إختلاف لهجات اهل الجزيرة العربية مع اللغة العربية الفصحى ( القرآنية ) – فالسبب يعود الى هجرة الاكراد و الارمن و الامازيغ الى الشمال منذ فجر التاريخ و أبتعادهم في حقبة تاريخية معينة عن المركز الذي انطلق منه الانسان الاول ( الجزيرة العربية ) ثم عودتهم الي البقعة الجغرافية المحيطة بالجزيرة العربية في حقبة تاريخية لاحقة ، مما جعل إعادة لهجاتهم الى العربية أصعب من إعادة لهجات اهل اليمن و عمان و الحجاز .. الذين لم يبتعدوا كثيرا عن المركز ، .. وطبقا لنظرية الوان الطيف الشمسي ،فإن اللغة تقترب أو تبعد عن اللغة الام باقتراب الإنسان أو ابتعاده عن نقطة مركزية جغرافية ما.

في المقابل نرى أن الولايات المتحدة الاميركية التي تحوي أكبر عدد من خليط الأعراق و اللغات في العالم .. و كل هؤلاء يستوطنون بلاد الهنود الحمر ، و للهنود الحمر ايضا لغتهم التي تختلف كثيرا عن الإنكليزية و الاسبانية و البرتغالية التي يتكلم بها معظم سكان أميركا فلماذا لا تطبق الولايات المتحدة مبدأ حقوق الاقليات هذا على الهنود الحمر في بلادهم و تقيم لهم كيانات مستقلة في بلادهم قبل ان تسعى لتطبيقه في بلادنا ؟ و الجواب لا يحتاج الى تفسير .
وهل فعلا الانكليزية المعتمدة في بريطانيا و استراليا و الولايات المتحدة اليوم هي نفسها الانكليزية التي كان يستعملها الانكليز قبل 200 عام ؟ أم ان هناك لهجات قد تصل في بعض المناطق الى التماثل مع انكليزية القرون الوسطى، و لماذا لا يطالب هؤلاء بأن يتعلم الناس لغتهم التي يتحدثون بها و ينشئون المدارس لتعليم الشكسبيرية مثلا ؟
و الجواب أن الناطقين بها قد وصلوا الى نضوج فكري و عقلي جعلهم يدركون أن الانكليزية الشاملة التي تجمع الناس في المجتمع و تجعلهم يتكاملون بها اجدى من تلك الضيقة التي تفرقهم الى مناطق متنافرة.
، ...وإذا سألت أي مواطن في الولايات المتحدة سيقول لك أنا أميركي – من أصل عربي أو أنا أميركي من أصل فرنسي أو من أصل انكليزي أو اسكتلندي ، و يعود سبب ذلك الى انهم ينتمون الى دولة مركزية قوية تشعرهم جميعهم بهذا الانتماء و بقدرتها على حماية ارواحهم و مصالحهم فيجمعون بين انتمائهم التاريخي الى نقطة جغرافية ما و إنتماءهم الحالى في نقطة جغرافية اخرى بحيث لا يتعارض هذا الانتماء مع ذلك.

و نرى في اوروبا القوية ايضا ، التى خاضت مخاضا عسيرا في حروب طاحنة حاول فيها كل شعب من شعوبها أن يلغى الاخر و يخضعه الى ارادته ، و انتهى الامر بالجميع الى الاقتناع بالوحدة الاقتصادية التي هي السبيل الوحيد للنهوض و التقدم في هذا العصر، و نرى كيف أن جميع الدول والاعراق و القوميات في أوروبة تسعى للإنخراط في هذه الوحدة الاقتصادية ،
من هنا يتأكد لنا أن البنية القوية للدولة هي الاساس الذي يجب أن تبنى عليه الوحدة مهما كان اسم هذه الوحدة.
لقد نجح الاسلام في بناء هذه الوحدة الجغرافية الثقافية اللغوية بالرغم من أن عددا لا يستهان به من الشعوب المتواجدة على ارض الدولة الاسلامية لم تعتنق الاسلام، فانصهرت كل الشعوب في دولته و ساهمت في إغناء الحضارة الانسانية و لم تقم القلاقل و الحروب إلا في صراع على السلطة بين الحكام و في عصر الاستعمار و بعيد قيام الدويلات في اوروبة على انقاض الدولة الاسلامية .
لذلك كان القانون و العدل هو الاساس الذي بنيت عليه هذه الدولة فكتب لها الاستمرار الى أن فقدت القوانين و العدالة التي كانت تسير عليها و بدأت تبحث عن قوانين جديدة ، فكان عليها أن تمر بمرحلة الفراغ ، فلا قوانين الماضي بقيت و لا قوانين المستقبل نضجت ، فانفرط عقدها .
و (( مالم توجد بنية موحدة فلن ينعم الجميع بالسلام ، لا الذي انكفأ على هويته القديمة ، ولا الذي راح يتشبث بميراث تاريخه ، )) و لا الذي راح يبحث عن هوية جديدة يشكلها من أفكار عصرية و مبادئ حديثة.

فعلينا جميعا إن عدنا في لحظة تاريخية ما الى تحديد إنتمائنا ، و تفنيد هويتنا و تأصيلها ( إعادتها الى اصول اثنية او تاريخية معينة ) أن لا نجعل من هذه الهوية سبيلا الى الفرقة و الخصام و الإقتتال و إنشاء الدويلات ولا الى التعالي و التكبر ، هذا عرق آري و هذا عرق سامي و هذا حامي وهذا زنجي أو اصفر ، بل أن يكون هدفنا جميعا هو السير بخطى ثابتة في سبيل إيجاد أرضية مشتركة للعيش معا على هذه الارض في دولة واحدة أو دول مركزية كبرى ، و لا بد لنا من الإيمان أن العروبة( الارامية – الارابية – العربية ) التي ننتمي اليها جميعا ( كبني آدم ) في النهاية هي إنتماء الى ثقافة و حضارة و لغة واحدة – منذ خلق الإنسان ، و ليست إنتماء الى جغرافيا أو عرق لذلك تبقى العروبة ( الثقافية ) هي الجامع بيننا في كل الظروف مضافا اليها أننا جميعا أبناء رجل واحد.
من هنا فإن الدعوة الى الوحدة الانسانية في اللغة التي خلقها الله للإنسان – الارامية – الأرابية- العربية هو المخرج من كل ما يعترض مسيرة الانسان من مشاكل اثنية ، لتكون المركز الثقافي الحضاري الذي يتمحور حولة إنتماء كل البشر بغض النظر عن المدينة أو التجمع الاقتصادي او الدولة التي ينتمون اليها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى