السبت ٢٣ آذار (مارس) ٢٠١٣
بقلم حسن توفيق

ماذا يريد الأمازيغ.. وبماذا يحلمون؟

(1) قنابل موقوتة في واحة سيوة

أعتقد أنه لا بد أن يكون لنا هدف أو مجموعة أهداف حين ننطلق – متحمسين ومتشوقين - للتعرف على ما نجهله تماما، أو حتى حين ننطلق إلى ما لا نعرف عنه سوى أقل القليل . هذا هو حال الذين يغوصون في أعماق البحار والمحيطات، وحال الذين يخترقون الغلاف الجوي لأمنا الأرض لكي يهبطوا فوق سطح القمر أو المريخ، وهو كذلك حال الذين ينطلقون إلى أماكن مجهولة فوق سطح الأرض أو تحت هذا السطح، فالهدف الواحد والموحد لدى هؤلاء جميعا يتمثل في اكتشاف ما هو غامض ومجهول، بقصد كشف المخبوء من تفاصيله وأسراره ، سواء أكان هذا الغامض المجهول في الأعماق أو في أبعد الآفاق أو فوق الأرض أو تحتها !
ومن هذا المنطلق، ودون أن نخجل أو نخاف، لابد من الاعتراف، بأن أبناء مصر مقصرون تماما في حق واحة من أجمل الواحات المصرية والعربية على حد سواء، هذه الواحة هي سيوة التي زرتها وعايشت أهلها البسطاء والكرماء على امتداد أيام وليال معدودة، وقد أحسست أن هؤلاء البسطاء الكرماء يتسلحون بالكبرياء، لأنهم مع واقعهم متصالحون، وبحياتهم قانعون، ورغم بؤس هذا الواقع وصعوبة تلك الحياة، فإنهم بالضيوف يحتفون، لكن زيارتي لواحة سيوة لم تكن من أجل السياحة بطبيعة الحال، فقد كان لي هدف واحد ومحدد يتمثل في التعرف على ما يجري هناك من أمور تبدو مقلقة وغير مطمئنة حين نسمع عنها ونحن بعيدون، وكان لا بد لي أن أنطلق إلى تلك الواحة، لكي أزيح عن نفسي ما تكدس فيها من قلق ومن عدم اطمئنان.

تبعد واحة سيوة عن القاهرة بنحو ثمانمائة وخمسين كيلو متر، أما الطريق إليها فإنه ليس سهلا، وهي أقرب الواحات المصرية إلى ليبيا، ويقوم أهلها بزراعة النخيل والزيتون، وكنت أعرف – مقدما- أن لهم لغة خاصة يتكلمون بها دون سواهم من المصريين، وهذا ما تأكدت منه بشكل مباشر حين التقيت مع كثيرين منهم بصحبة الصديق الدكتور شوقي حبيب الذي يعرفه أهل سيوة معرفة وثيقة كأنه واحد منهم، وذلك بحكم زياراته السابقة العديدة لواحتهم، واهتمامه بمشاركتهم في المناسبات والأعياد المحلية، وهي مناسبات وأعياد يشاركهم فيها سياح أجانب كثيرون ممن يتوافدون خصيصا إلى سيوة، تزامنا معها، لكن الكوميديا السوداء هي أن أبناء مصر الآخرين لا يعرفون شيئا عنها!

أهل سيوة بسطاء وكرماء، وقاموا بكل واجبات الضيافة على خير وجه، لكني كنت ألاحظ أنهم يتكلمون لغتهم الخاصة في بعض الأحيان خلال سهراتي معهم، إذا أرادوا أن يتحدثوا فيما بينهم عما لا يريدون لي أن أسمعه وأعرفه، وهم يسمون تلك اللغة الخاصة اللغة السيوية، لكني كنت أعرف مقدما أنها هي نفسها اللغة الأمازيغية التي يتكلمها كثيرون ممن سماهم العلامة ابن خلدون البربر- أي الأمازيغ، وهم سكان منطقة شمال أفريقيا قبل دخول الإسلام الذي أصبحوا جميعا يدينون به بعد انتشاره بينهم، وهكذا ينقسم سكان دول موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا إلى مجموعتين بشريتين كبيرتين، المجموعة الأولى هم العرب أو من ينتمون إلى أصول عربية، والمجموعة الثانية هم البربر أو الأمازيغ الذين كانوا يعيشون في ترابط وانسجام مع أبناء المجموعة الأولى – العربية، لكن بعض هؤلاء أرادوا أن تكون لغتهم الخاصة الأمازيغية لغة رسمية ومعترفا بها إلى جانب اللغة العربية، وقد ساندتهم فرنسا في هذا الاتجاه، وهي التي كانت تحتل معظم تلك الدول العربية، وما تزال هناك مشكلات وحساسيات وحزازات، تبدو كامنة ومخبوءة في الصدور أحيانا، وقد تتفجر في أحيان أخرى، لكنها كلها تشكل ما أسميه بالقنابل الموقوتة التي ينفجر بعضها بين حين وآخر، ويبقى سؤال يتطلب إجابة كافية ووافية: هل هناك قنابل موقوتة مشابهة في واحة سيوة المصرية؟

(2) ليس في الواحة..مجال للراحة

لن يكون أمامي وقت للراحة في هذه الواحة .. هذا ما قلته لنفسي، حتى من قبل أن تبدأ زيارتي لواحة سيوة، لأني لست سائحا أجنبيا، بحب استكشاف ما قرأ عنه دون أن يكون قد رآه مرأى العين، ولست سائحا يود أن يستريح ويستجم لبعض الوقت، فقد كان ما يشغلني أبعد من مجرد الاستكشاف، وأبعد ما يكون عن الرغبة في الاستجمام، وباختصار فإني كنت أريد التوصل للإجابة على السؤال الذي طرحته على ضوء ما كنت قرأته أو سمعته وشاهدته، والسؤال هو: هل هناك قنابل موقوتة في واحة سيوة، أم أن في الأمر مبالغات وشطحات؟!
لو عدنا للتاريخ القديم، لا بد أن نتذكر أن الواحة، أية واحة، تمثل مكانا آمنا، تستريح فيه القوافل المسافرة من مكان إلى سواه عبر الصحراء، ولو عدنا إلى لغة المجاز والاستعارة، فإننا نجد أن العاشق المتيم يلذ له أن يصف حبيبته، قائلا عنها إنها واحة للأمان وللراحة وسط صحراء الحياة التي يحياها، لكننا لو عدنا إلى تاريخ واحة سيوة على وجه التحديد، فلا بد أن نستعيد حكاية جيش الملك الفارسي قمبيز والذي هبت عليه بالقرب من هذه الواحة عواصف رملية عاتية، غاص على إثرها نحو خمسين ألف مقاتل - هم كل أفراد ذلك الجيش- في الرمال الناعمة التي ابتلعتهم جميعا، دون أن يعثر لهم على أثر، وكأنهم ما كانوا، وبعيدا عن أولئك الذين اختفوا من الوجود تماما، لا بد أن نتذكر أن الإسكندر الأكبر قد وصل سنة 331 قبل الميلاد إلى واحة سيوة، لكي يباركه الكهنة الفراعنة، وهذا ما تحقق له وقتها، ويستطيع زوار سيوة أن يزوروا المعبد المعروف باسم معبد الوحي، وهو المعبد الذي تمت فيه طقوس مباركة الإسكندر الأكبر.

ولو ابتعدنا عن التاريخ القديم، وعن لغة المجاز والاستعارة، لكي أتحدث- بشكل مباشر- عن هذه الواحة التي لم يكن لي فيها متسع للراحة، فلا بد من الإشارة أولا إلى القافلة التي كنت فردا من أفرادها، والواقع أنها لم تكن قافلة بمعنى الكلمة، لأنها كانت مؤلفة من ثلاثة أفراد لا أكثر، هم حادي القافلة ودليلها الصادق- الصديق الدكتور شوقي حبيب الذي يتعامل معه أهل سيوة كأنه واحد منهم كما ذكرت من قبل، والصديق صبحي عبد العال الذي يحب التأملات الميتافيزيقية الهادئة، ويتصور أن بإمكانه أن يتوصل لصيغة حياة مثالية، يكون فيها الإنسان أخا- بمعنى الكلمة- لأخيه الإنسان، أما أنا فكنت أحاول التعرف على سر الأوبئة التي تجعل الإنسان عدوا للإنسان، سواء في نطاق المجتمع الصغير، أو في إطار الحساسيات والحزازات بين الأطياف المتنوعة في كل مجتمع، أو على مستوى الصراع الإنساني الشامل، ومن هنا استطاع الدكتور شوقي حبيب أن يستمتع بالسهرات الجميلة مع من يعتبرونه واحدا منهم، واستطاع صبحي عبد العال أن يجد السكينة حينما كان يستلقي أو يتمدد تحت ظلال النخيل والزيتون، بينما ظل القلق يلازمني كأنه ظلي الذي لا أستطيع الفرار منه!

خمسة وعشرون ألف مصري، ممن ينتسبون إلى الأمازيغ، ويتكلمون اللغة الأمازيغبة التي يسمونها اللغة السيوية هم أهل سيوة، ويضاف إليهم – كما عرفت- خمسة آلاف مصري، ممن قدموا للعمل من مختلف محافظات مصر، وإذا كانت سيوة تبعد عن القاهرة بنحو 850 كيلو متر، فإنها لا تبعد عن الحدود المصرية- الليبية إلا بنحو خمسين كيلو متر لا أكثر، ولهذا تظل هذه الواحة محطة أولى لتهريب السلاح من ليبيا إلى مصر، وقد أكد لي من التقيت معهم أن مهربي السلاح يقومون بأعمال انتقامية ضد أهل الواحة حين يتصدون لمحاولاتهم الإجرامية، كما أكد هؤلاء لي أن انتماءهم إلى مصر- الوطن هو انتماء عميق لا يتزعزع، رغم أن السلطات الأمنية تتشكك فبهم أحيانا، نتيجة لعلاقاتهم مع الأمازيغ الآخرين في كل من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، وعلى أي حال فإن عشاق التاريخ من أمثالي يدركون أن أول دراسة دقيقة عن الأمازيغ أو البربر تتمثل في الفصول التي كتبها العلامة عبد الرحمن ابن خلدون في كتابه الشهبر الذي سماه: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، أما الدراسات التالية التي كتبها كثيرون من الباحثين الأجانب والعرب والأمازيغ فإنها بطبيعة الحال لا تتسم بالموضوعية، نظرا لغلبة الأهواء المتباينة التي تصل إلى درجات عالية من التناقض والتعارض بين هؤلاء الباحثين، ومن هذا المنطلق لا بد من التوقف- فيما بعد- عند ابن خلدون ومن جاءوا من بعده.

(3) الأمازيغ..ظالمون أم مظلومون؟

بتشجيع ومساندة من دول أجنبية وبالذات من فرنسا ومعها الحركة الصهيونية العالمية، أثارت الحركات السياسية والثقافية الأمازيغية وما تزال تثير الكثير من القضايا والمشكلات، كما تقوم بالعديد من الاحتجاجات والتظاهرات في دول المغرب العربي الكبير، من ليبيا إلى المغرب، مرورا بتونس والجزائر، ولكنها لم تنجح حتى الآن في إثارة ما أثارته وما تزال تثيره في واحة سيوة المصرية، وهنا لا بد لنا - في البداية- من طرح أسئلة واضحة: هل الأمازيغ أو البربر هم بالفعل السكان الأصليون في تلك الدول المغاربية قبل دخول الإسلام؟ وإذا لم يكونوا كذلك فمن أين جاءوا؟ وهل هم يحلمون بالانفصال أسوة بالأكراد في العراق وسوريا وتركيا وإيران، أم أنهم يريدون رفع ما يرون أنه ظلم واقع عليهم لا أكثر ولا أقل؟

قبل الإجابة على تلك الأسئلة وسواها، أعتقد أنه من المهم أن أشير إلى بعض ملاحظاتي المتعلقة بكل هذه الأمور، حيث لاحظت – على سبيل المثال- أن الدراسات التي يكتبها باحثون من الأمازيغ لا تتحدث عن المغرب (العربي) على الإطلاق، وإنما تتحدث- يكل وضوح- عن المغرب (الإسلامي) وكأنها تحاول نفي كلمة أو مصطلح العروبة تماما وطمس الهوية العربية من خلال الإشارة الدائمة إلى المغرب الإسلامي، ومن بين تلك الدراسات كتاب بعنوان القبائل الأمازيغية- أدوارها ومواطنها وأعيانها والكتاب صادر سنة 1999 وقد اشتريت نسخة منه وقت صدوره عندما كنت أزور الجزائر، وهو من تأليف الباحث الجزائري بوزياني الدراجي، كما لاحظت أن مؤتمرا للأمازيغ قد عقد في مدينة جربة التونسية في أوائل أكتوبر سنة 2011 وكان ممنوعا فيه نطق أية كلمة باللغة العربية التي يعرف منظمو المؤتمر أنها لغة القرآن الكريم، حيث كانت اللغة الأمازيغية هي لغة التخاطب الرئيسية في ذلك المؤتمر، ومعها اللغة الفرنسية، وقد علق الناصر خشيني- وهو باحث تونسي مستنير وعروبي التوجه- على فعاليات ذلك المؤتمر، قائلا بالنص: إن منظمي المؤتمر منعوا الحاضرين من المؤتمرين من التكلم باللغة العربية، باعتبارها لغة احتلال واستبداد، وترمز للقرون أل 14 التي قضاها الأمازيغ تحت (تسلط العرق العربي) والغريب أنه سمح لبعضهم أن بتكلموا بالفرنسية والإنجليزية، مما يدل على عداوة مريبة تجاه كل ما يمت بصلة للحضارة العربية الإسلامية، ويذكر الناصر خشيني كذلك أن منظمي المؤتمر منعوا تعليق الأعلام الوطنية لدول المغرب العربي بما فيها العلم التونسي نفسه، بينما ظل العلم الأمازيغي يرفرف وحده!
ومما لاحظته أيضا في هذا السياق أن الشاعرة المغربية مليكة مزان قد رفضت- في حوار معها- أن توصف بأنها مغربية، مؤكدة أن الدولة المغربية تحتل بلاد الأمازيغ، كما لاحظت أن إحدى الناشطات الأمازيغيات من ليبيا قد رفضت تماما مصطلح الربيع العربي الذي أطلق على ما جرى من فورات وثورات وانتفاضات،في كل من تونس ومصر وليبيا، حيث أكدت هذه الناشطة الليبية أن ما جرى هو ربيع ديمقراطي إسلامي، وليس ربيعا عربيا، طالما أن الأمازيغ قد شاركوا فيه! وينبغي كذلك أن أشير إلى ما لاحظته بنفسي خلال زيارتي للبيت التراثي السيوي في واحة سيوة، حيث رأيت بعيني أن كل التعريفات الخاصة بمقتنيات البيت مكتوبة بلغتين اثنتتين، هما الإنجليزية والأمازيغية التي يسمونها في سيوة- كما ذكرت- اللغة السيوية!

كل هذه الملاحظات التي أشرت إليها، وغيرها كثير، تشي بل تؤكد أن الحركات السياسية والثقافية الأمازيغية لها أهداف انفصالية ومعادية للعروبة وللإسلام، وفي نفس الوقت لابد من التأكيد على أن الأمازيغ العاديين يتعاملون ويتفاعلون مع إخوانهم العرب بصورة إيجابية مشرقة ومشرفة للجميع، وعند هذا الحد ينبغي أن أجيب على ما كنت قد طرحته من أسئلة واضحة : هل الأمازيغ أو البربر هم بالفعل السكان الأصليون في تلك الدول المغاربية قبل دخول الإسلام ؟ وإذا لم يكونوا كذلك فمن أين جاءوا؟ وهل هم يحلمون بالانفصال أسوة بالأكراد في العراق وسوريا وتركيا وإيران، أم أنهم يريدون رفع ما يرون أنه ظلم واقع عليهم لا أكثر ولا أقل؟

(4) الأمازيغ كما رآهم ابن خلدون

أحاول حين أتحدث عن الأمازيغ أن أكون موضوعيا، لكن دون أن أتخلى بالطبع عن كوني إنسانا عربيا، يراقب بقلق كل الأخطار الأخطبوطية التي تريد الالتفاف على جسد العروبة المنهك، وكنت قد طرحت أسئلة واضحة تتعلق بالأمازيغ، وهل هم سكان أصليون موجودون قبل دخول الإسلام إلى دول المغرب العربي، أم أنهم جاءوا من مناطق مختلفة واستوطنوا أراضي تلك الدول، ولمحاولة الإجابة كان لا بد من العودة لقراءة ما كتبه العلامة عبد الرحمن ابن خلدون، والذي مرت على رحيله عن عالمنا 607 سنة بالضبط، حيث أنه قد رحل عن عالمنا يوم الجمعة 28 رمضان سنة 808 هجرية- الموافق يوم 19 مارس سنة 1406 وقد تم دفنه- وقتها- بمقابر الصوفية قرب باب النصر بشمال القاهرة، وكان ابن خلدون قد ولد في تونس سنة 1332 ميلادية.

في مستهل كتابته عن الأمازيغ ضمن كتابه العظيم- كتاب العبر ودبوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، يقول ابن خلدون: هذا الجيل من الآدميين هم سكان المغرب القديم، ملأوا البسائط والجبال من تلوله وأريافه وضواحيه وأمصاره، يتخذون البيوت من الحجارة والطين ومن الخوص والشجر ومن الشعر والوبر. ويظعن أهل العز منهم والغلبة لانتجاع المراعي فيما قرب من الرحلة، لا يجاوزون فيها الريف إلى الصحراء والقفر الأملس. ومكاسبهم الشاء والبقر والخيل في الغالب للركوب والنتاج. وربما كانت الإبل من مكاسب أهل النجعة منهم شأن العرب، ومعاش المستضعفين منهم بالفلح ودواجن السائمة. ومعاش المعتزين أهل الانتجاع والأظعان في نتاج الإبل وظلال الرماح وقطع السابلة. ولباسهم وأكثر أثاثهم من الصوف يشتملون الصماء بالأكسية المعلمة، ويفرغون عليها البرانس الكحل ورؤوسهم في الغالب حاسرة، وربما يتعاهدونها بالحلق. ولغتهم من الرطانة الأعجمية متميزة بنوعها،وهي التي اختصوا من أجلها بهذا الاسم.

ويروي ابن خلدون حكاية طريفة تتعلق بالتسمية التي تبناها في وصفه للأمازيغ بأنهم بربر، فيقول: إن أفريقش بن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة لما غزا المغرب وإفريقية، وقتل الملك جرجيس وبنى المدن والأمصار، وباسمه زعموا سميت إفريقية، لما رأى هذا الجيل من الأعاجم وسمع رطانتهم ووعى اختلافها وتنوعها تعجب من ذلك وقال: ما أكثر بربرتكم .. فسموا بالبربر. والبربرة بلسان العرب هي اختلاط الأصوات غير المفهومة. ومنه يقال بربر الأسد إذا زأر بأصوات غير مفهومة.

وفي نفس السياق المتعلق بالأمازيغ، ومن أين جاءوا إلى دول المغرب العربي، يقول ابن خلدون إن الطبري مع آخرين سواه قد ذكروا أن البربر أخلاط من كنعان والعماليق، فلما قتل جالوت تفرقوا في البلاد وغزا أفريقش المغرب ونقلهم من سواحل الشام وأسكنهم إفريقية وسماهم بربر، وقيل: إن البربر من ولد حام بن نوح بن بربر بن تملا بن مازيغ بن كنعان بن حام. وقال الصولي: هم من ولد بربر بن كسلوجيم بن مصرائيم بن حام. وقال مالك بن المرحل: البربر قبائل شتى من حمير ومضر والقبط والعمالقة وكنعان وقريش تلاقوا بالشام ولغطوا فسماهم أفريش البربر لكثرة كلامهم. وسبب خروجهم عند المسعودي والطبري والسهيلي: أن أفريقش استجاشهم لفتح إفريقية وسماهم البربر وينشدون من شعره:

بربرت كنعان لما سقتها
من أراضي الضنك للعيش الخصيب

ولكي أتعرف أكثر على ما ذكره الطبري بشكل مباشر، كان لا بد أن أعود إلى كتابه الضخم المشهور بعنوان تاريخ الرسل والملوك، والمعروف كذلك بعنوان تاريخ الأمم والملوك، ومن خلال ما ذكره ابن خلدون، وما ذكره آخرون من بينهم الطبري، يتضح لنا أن هناك روايات مختلفة ومتنوعة فيما يتعلق بالأمازبغ، وهل هم السكان الأصليون لدول المغرب العربي، أم أنهم جاءوا من بلاد الشام قبل ظهور الإسلام، كما جاء العرب من بعدهم من الجزيرة العربية، عندما انطلقوا برسالة الإسلام. وبالطبع فإن هذه الروايات تتعارض فيما بينها وتتناقض، على ضوء الانحياز مع أو ضد الأمازيغ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى