الخميس ١٦ حزيران (يونيو) ٢٠٢٢
بقلم حسن عبادي

متنفَّس عبرَ القضبان (60)

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛

عقّبت الكاتبة المقدسيّة نزهة رملاوي: "وانت في السجن فكر.. فكر باهلك وحلمك ومساعدة الآخرين.. الحرية لأسرانا واسيراتنا".

وعقّب الناقد رائد محمد حواري: "موقفه من عدم إجراء المكالمة يعطي أكثر من إشارة. الرد على وحشية السجان. إثبات صلابته وقدرته على اتخاذ القرار في وقته. إنسانيته التي أراد بها تذكير السجان بها وأنه يفتقد إلى هذه الخاصية".

أما الشاعر سامي عوض الله فعقّب:
"ما أصغر السجان! و ما أكبر السجين!
ما أصغر السجن! و ما أكبر الحياة!
الحرية و الحياة لك و لكل الأسرى".

"شريط الوفيّات ع المخدّة.. يوميًا"

غادرت حيفا السادسة صباح يوم الاثنين 09.05.2022 في طريقي إلى سجن ريمون الصحراويّ. حين أنهيت لقائي برائد وأمجد أطلّ الأسير خيري حسن سلامة (اعتقل يوم 15.07.2003) ضاحكًا عبر ممرّ سجن ريمون الصحراويّ الطويل، أخبرني بتناوله قهوة الصباح مع ناصر وفطوره برفقة نادر وكميل.. وحسدته.

حتلنني بمستجدّات حفل إطلاق ديوان "أنا سيّد المعنى" لزميله الأسير ناصر الشاويش في قنّير المهجّرة، وحلمه بالمشاركة، عن وفاة الحاجة صبحيّة يونس/ أم كريم التي أعادته لوفاة والدته عريفة أبو زهرة الحيفاويّة، وعن شريط الوفيّات التي يمرّ بمخيّلة الأسير كلّ ليلة حين يضع رأسه على المخدّة وينام معه.
حدّثني عن مشروعه الكتابيّ لتوثيق التجربة والقصص الصغيرة/ الكبيرة، فالكلّ مطبوع برأسه و"بدّو تفريغ" كلمسة وفاء للثوّار ومن استشهد منهم، وكان شعارهم زمن الانتفاضة "مَن الأوّل للمواجهة ومَن الأوّل للاستشهاد؟".

يحزّ في نفسه ما آلت إليه حالتنا؛ قروض وديون وناس مورّطة ومرهونة، ممّا يجبره ورفاق الأسر الاهتمام برمضانيّات وعيديّة للعائلات المحتاجة وتأمين مبلغ 700 دينار لتسديد قسط تعليم لابنة شهيد.
تناولنا الإهمال القانوني والمسار القضائي وأهميّة المتابعة، ياما مظاليم بالسجون!

"فرحة.. وغصّة"

حين أنهيت لقائي برائد وأمجد وخيري أطلّ الصديق الأسير أحمد تيسير خليل العارضة بابتسامته العريضة عبر ممرّ سجن ريمون الصحراويّ البغيض، ليحدّثني بداية عن اللمّة الصباحيّة مع الأعزّة... وحسدتُه.
تناولنا إطلاق ديوانه "أنانهم" يوم الأسير في الخليل وبعدها في نابلس، مشاركته "وتر النصر" مع الإعلاميّة قمر عبد الرحمن وندوة السبت القادم ضمن مبادرة "أسرى يكتبون" لرابطة الكتّاب الأردنييّن وأوصلته سلامات الأصدقاء صفاء وعبد السلام ومحمد وغيرهم.

أخبرته عن ردود الفعل في العالم العربي لقراءة أشعاره ولقائي مع إبراهيم نصر الله على هامش معرض الكتاب الأخير في عمان.

شعرت بفرحته وسعادته بولادة ديوانه "أنانهم" رغم أنف السجان، ولكن تلك الفرحة باتت منقوصة ولحقتها غصّة حين سمع بأنّ هناك من يحاول "تبنّيه"؟

ناقشنا مشروعه الشعريّ وإمكانيّة غناء بعض أشعاره، والفنّانة الملتزمة سناء موسى كانت محلّقة في فضاء اللقاء، وحدّثني عن زملاء القسم، نادر وكميل وآخرين وعن العصف الذهني والفكري والشعري معهم.
حمّلته سلامات للشباب ورسالة واضحة لكميل: "لا زيارات للأسرى بعد تحرّر كميل!".

"خِتامها مِسك"

أنهيت لقائي برائد وأمجد وخيري وأحمد فأطلّ الصديق الأسير ثائر حنيني مرحًا بابتسامته العريضة عبر سرداب سجن ريمون الصحراويّ، فباغتني سائلًا: "ما لك هلكان؟" فعاتبته قائلًا: "والله جوعان، مش عيب عليك جاي بدون صحن تبّولة وفنجان قهوة؟".

حدّثني مطوّلًا عن لمّة الكتّاب والمفكّرين في القسم والمناكفات الأدبيّة والثقافيّة المثرية، وعن مشروعه لدراسة الماجستير قريبًا وحلمة بشطحة وتوابعها على شاطئ حيفا.

أعرب عن سعادته لصدور كتابه "تحيا حين تفنى" والضجّة الإعلاميّة التي رافقته، حفل الإطلاق في مركز الطفل الفلسطيني في جنين بحضور أهله برفقة أسرى محرّرين وعائلات أسرى وحضور مهتمّ بالشأن الثقافي وأدب الحريّة، وندوة "أسرى يكتبون" في رابطة الكتّاب الأردنيين بحضور العائلة وتكريمه هناك.

تناولنا "خرطشاته" وخواطره وعمله الأدبيّ القادم، وفجأة سرح ليحدّثني عن جنازة الحاجة صبحية/ أم كريم (شاهدها على شاشة التلفزيون وبدأ يحقّق معي عن زملاء الأسر الذين تحرّروا وكانوا برفقتي في الصورة) قائلًا: "كأنّها أمّي". ثائر حُرم من الزيارات، فمنذ اعتقاله في تموز 2004 حظي بزيارات من الأهل لا يصل عددها أصابع اليد الواحدة، أحيانًا هو الممنوع أمنيًا وأحيانًا أهله، ليفقد والدته عام 2011 دون وداع، ولم تتمكن من زيارته في العامين الأخيرين من حياتها، ورفضت السلطات طلبهما بلقاء أو حتّى محادثة هاتفيّة، وفي يوم وفاتها عرضَ عليه السجّان محادثة هاتفية فأجابه ثائر: "اللّي بحبّها ماتت. إعطوا غيري يحكي بدالي". هذا هو ثائر!
حيفا تنتظرك عزيزي ثائر لشطحة غير شكل.

لكم أعزائي خيري وأحمد وثائر كلّ التحيات، والحريّة القريبة لكم ولجميع أسرى الحريّة.
حيفا أيار 2022

الهوامش

[1] الأسير خيري سلامة، من نابلس، أُعتقل يوم 15 تموز 2003، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن المؤبد.
[2] الأسير أحمد العارضة من نابلس، أُعتقل يوم 2 تشرين ثاني 2004، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيلية بالسجن المؤبد.
[3] الأسير ثائر حنيني من قرية بيت دجن ، أعتقل يوم 1 حزيران 2004، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن 20 عامًا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى