الأحد ٢ أيار (مايو) ٢٠١٠
بقلم شاكر فريد حسن

محاكمة كتاب "الف ليلة وليلة"!

هذا الاسبوع عدت لقراءة كتاب "التفكير في زمن التكفير" للمفكر المصري المعروف د.نصر حامد ابو زيد ،الذي يضع فيه النقاط على الحروف فيما يتعلق برؤاه ازاء النص والخطاب الدينيين ، وبقراءته المتميزة لهما، محاولاً طرح القضايا التي أثارتها ابحاثه الجامعية ، والوقوف في وجه الكم الهائل من الكتابات والمطبوعات التي كفرته على تفكيره.

عدت الى هذا الكتاب عقب المطالبة بحظر وسحب كتاب "الأيام" لعميد الادب العربي طه حسين من المنهاج الدراسي في ثانويات مصر ، والدعوى الجديدة التي رفعها عدد من المحامين المصريين أمام القضاء المصري ،طالبوا فيها مصادرة ومنع كتاب "الف ليلة وليلة " بتهمة "خدش الحياء العام" وحبس ناشري النسخة الجديدة منه ، التي اصدرتها وزارة الثقافة المصرية.

وهذه ليست المرة الأولى التي تثار فيها الزوبعة تجاه هذا العمل القصصي والحكائي والروائي ، فبين حين وآخر نسمع عن حملات وتهجمات ومطالبات بحظر الكتاب من قبل جماعات مصرية سلفية وغيبية تكفيرية متطرفة تطالب بحرقه ، على شاكلة جماعة "سيوف الاسلام " التي اعتدت قبل مدة على نادي الحزب الشيوعي في ام الفحم.

وحقيقة ان هذا الإجراء يثبت بشكل قاطع مدى البؤس والتردي الثقافي والوضع المأساوي الذي آل اليه الواقع العربي العام ، والذي تتجاوز فيه الأزمة المضمار السياسي لتشمل الأدب والثقافة والفكر ، وتتهدد القيم الديمقراطية والثوابت الوطنية ، وهو اجراء يمس الحريات الديمقراطية في الصميم ، ويضرب الكيان الثقافي والسياسي للانسان العربي ، ويلغي عقله وتفكيره.

ان محاكمة "الف ليلة وليلة " هو استمرار مباشر لمحاولات المنع ومصادرة الكتب وحظرها وسحبها من معارض الكتب والأسواق الادبية وأكشاك بيع الصحف والكتب ، بتهمة "خدش الحياء العام" و"افساد الأخلاق العامة" ، ناهيك عن اغتيال الفكر التقدمي العلماني وارهاب العقل النقدي التنويري ، كجزء لا يتجزأ من محاولة ضرب امكانيات التقدم والتطور والانعتاق والتفكير الحر للشعوب العربية.

وصدق وزير الثقافة المصري فاروق حسني ، الذي رفض هذه الدعوة ضد الكتاب ، حين قال : "الف ليلة هي جزء من التراث الانساني الذي لا يجب التعامل معه بشكل غرائزي" .وازاء هذه الدعوة فان الخيار أمام المثقفين العرب هو المقاومة أو الموت، وعليه ،فانهم جميعاً ، في مصر والوطن العربي، مطالبون بكل حدة وكثافة واصرار التصدي لمحاكمة "الف ليلة وليلة" ومقاومة كل محاولات ارهاب الفكر والمجتمع.

فمجتمعاتنا العربية ليست بحاجة للعقول المتخلفة والمتعصبة والمتحجرة ، وانما بحاجة للعقول المضيئة وللثقافة الانسانية الحضارية الجديدة والمتنورة ، ولقوى وشخصيات وأناس يقدسون ثقافة الحوار والاجتهاد والاختلاف ، والتآخي والتضامن والتعاون والتسامح ، والإعتراف بالآخر ، وتناهض ثقافة العنف والقسوة وروح الاستبداد وعبودية الشعب ، وقمع حرية التفكير ، ولنعلنها في وجه كل الظلاميين ووعاظ السلاطين "لا للإرهاب الفكري".

الوحدة الوطنية طريق الانتصار

عندما ظهرت الخلافات وحدث الانقسام والانشقاق في الساحة الفلسطينية ، لم يكن احد يتصور ان هذا الجرح سيتعمق ويدوم دون معالجة جدية وعاجلة ، وذلك لما يحمله هذا الانشقاق في الشارع الجماهيري الفلسطيني من مخاطر وتعقيدات وآثار سلبية خطيرة على مجمل القضية الفلسطينية والكفاح التحرري والاستقلالي ومقاومة المحتل والوقوف ضد ممارساته وموبقاته وجرائمه الدموية.

فكل يوم كان يحمل أخبار كثيرة متناقضة ، اندلعت الاشتباكات ، سقط عدد من انصار "حماس" و"فتح" ، اعتقلت مجموعة تنتمي لحركة "فتح" ،توقفت المواجهات، تجددت، وهكذا دواليك.وفي كل مرة نسمع المبررات والاتهامات من قبل أكبر فصيلين بين أبناء الشعب الفلسطيني الرازح تحت نير المحتل الغاصب، فيما يستمر نزيف الدم الفلسطيني الزكي.

الكل يتساءل الى متى سيبقى هذا الوضع والصراع المؤسف بين أبناء الشعب الواحد،الذي لا يخدم سوى الأعداء والمتآمرين المتربصين بشعبنا.

وبالأمس القريب وردتنا انباء أثلجت صدورنا وغمرتنا بالفرح ، فلأول مرة منذ بدء الانقسام الفلسطيني الكارثي يرفرف العلم الفلسطيني في مسيرة شعبية وجماهيرية وحدوية طافت شوارع واحياء غزة المحاصرة ، وبمشاركة جميع الفصائل والقوى الوطنية والاسلامية الفلسطينية ، من فتح وحماس وحزب الشعب والجبهة الشعبية والجهاد الاسلامي ومستقلين ، وهذه المسيرة الوحدوية جاءت استنكاراً وتنديداً بالقرار الاسرائيلي الترانسفيري الخاص بتهجير الغزيين من الضفة الغربية الى قطاع غزة، وهي بلا شك حدث هام وتطور نوعي وخطوة في الطريق الصحيح نحو تذليل العقبات والعراقيل وتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية.

ان شعبنا الفلسطيني يمر في مرحلة حرجة وصعبة تحتاج الى لملمة الصفوف وتجاوز حالة الانقسام الكارثي والاسراع في التوقيع على ورقة المصالحة المصرية . كفى للدم الفلسطيني المراق بايد فلسطينية ، وكفى تناحراً مدمراً ، فالوحدة الوطنية هي صمام الأمان للمشروع الوطني الفلسطيني ، وطريق الانتصار من أجل الاستقلال والتحرير واقامة الدولة الوطنية المستقلة.

على هامش زيارة ليبيا

انشغلت وسائل الاعلام العربية المختلفة طوال الأسبوعيين المنصرمين بالزيارة التاريخية ، التي قام بها وفد الشخصيات العربية من الداخل الفلسطيني ، للجماهيرية الليبية ولقائه بالعقيد معمر القذافي ، قائد الثورة ، وحامي حمى العروبة ، وزعيم الأمة ، ورئيس القمة العربية.وقد أثارت هذه الزيارة ردود فعل متباينة وكتب وقيل عنها الكثير ،فهنالك من أيدها ، وهناك من رفضها جملة وتفصيلاً ، وهناك من تحفظ منها.

وكان الوفد ،الذي لم يتشكل من لجنة المتابعة، ضم مركبات مختلفة ، من أحزاب سياسية ،وقوى وطنية ،ورجالات صحافة واعلام ،وشخصيات مستقلة دعيت بصورة شخصية ،وفي سرت تواترت الخطابات القومية الشعاراتية ، وتحدث ثمانية خطباء بدلاً من خطيب واحد وكلمة واحدة تمثل الجميع ، كان بالامكان الاتفاق عليها من قبل المشاركين في الزيارة، يلقيها عنهم محمد زيدان ، رئيس لجنة المتابعة العربية .

ووفق المصادر الصحفية وتقارير الصحفيين ،وما صرح به عدد من اعضاء الوفد ،برزت المماحكات الشخصية والمنافسات الحزبية ، وامتلأت الخطابات بالرياء والثناء والاطراء والمداهنة والتزلف للزعيم معمر القذافي ، الذي كان صريحاً وواضحاً في تقديم رؤيته لحل الصراع الشرق اوسطي، فبعد ان رحب بالوفد ،اعتبر الزيارة خطوة شجاعة ، وقال انها تأتي في اطار جهوده ومساهماته كرئيس للقمة العربية بهدف فتح ابواب التواصل امام العرب الفلسطينيين بعد عقود طويلة من التجاهل والنسيان . وهو لم يجامل أحدأ ، ولم يخف طرحه ورؤيته لمشروع التسوية السياسية وحل قضية الشعب الفلسطيني ، وذلك بـ "عودة اللاجئين الى فلسطين واقامة دولة واحدة وديمقراطية باسم "اسراطين".

والواقع انه لم يحن الوقت بعد للحكم على هذه الزيارة في ميزان الربح والخسارة ، التي دمغها البعض بـ"زيارة تطبيع " و"حجيج" ووصف الوفد بـ "الوفد السياحي" الذاهب للتجوال والسياحة في ليبيا . ورغم ما شاب هذه الزيارة من انتقادات وتوترات ومنافسات شخصية وحزبية وسياسية غير مرغوبة ، تبقى مبادرة طيبة من قبل الزعيم الليبي في سبيل التواصل وفتح الجسور والحدود والأبواب امام فلسطينيي الداخل المقيمين في ديارهم ، الذين ظلموا من قبل اخوانهم العرب على مدار العقود الماضية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى