الثلاثاء ١١ نيسان (أبريل) ٢٠١٧
بقلم فاروق مواسي

محقّق جاد

فوجئت وأنا أتصفح ديوان المهلهِل بتحقيق أنطوان محسن القوال- إصدار دار الجيل، بيروت بمدى الجهد الذي بذله هذا المحقّق.

ذلك لأن القوال وهو يشرع في مُهمّته- لم يجد للمهلهِل شعرًا مجموعًا، اللهم إلا ما نشره الأب لويس شيخو في كتابه (شعراء النصرانية قبل الإسلام، ص 170)، إذ إن قصائده ومقتطفات شعره ما زالت متفرقة في بطون الكتب، في مصنّفات الأدب كالأغاني، وجمهرة أنساب العرب، وخِزانة الأدب، وكتاب الحيوان، والشعر والشعراء وغيرها.

غير أن حاجي خليفة ذكر في مصنَّفه المشهور "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" أن للمهلهل ديوانًا.

يقول القوال إن هذا الديوان المذكور في كشف الظنون مفقود، ولم يقع له على أثر.

من هنا فقد قام المحقق بجمع الشعر المتناثر، وحققه بيتًا بيتًا، مظهرًا ما في النصوص من تباين، وعمد إلى شرح الأبيات في معانيها ومفرداتها، وألقى ضوءًا على المناسبة التي رافقت الشعر.
ثم أنهى كتابه بفهرست المصادر والمراجع.

راق لي في هذا التحقيق أمران:

الأول- تواضع المحقق الجمّ، فهو يقول إنه لا يدّعي الكمال فيما قام، فالديوان هو الأول، ولكنه ليس الأكمل، ويمضي قائلاً: "فالمبادرة ما زالت مطروحة أمام الراغبين والباحثين"-
(انظر: المقدمة.)

الثاني- هذا الجهد في الاستقصاء، ولأقف عند بيت نموذجًا:

فلولا الريحُ أُسمِع من بحَجرٍ
صليلَ البَيضِ تُقرعُ بالذُّكور

التخريج:

أمالي القالي 2/133، وفيه "أهل حَجر" مكان "من بَحجر"؛ العقد الفريد 1/78، وفيه "ولولا" مكان "فلولا"، و"أهل حَجر"، وكذلك العقد الفريد 5/220؛ الأغاني 5/54، 60، 6/418؛ الكامل في اللغة والأدب 1/360؛ البيان والتبيين 1/124 وفيه "ولولا" و "أهل حَجر" و "نِقاف" مكان "صليل"؛ المنصف، ص 81؛ شعراء النصرانية ص 170؛ الشعر والشعراء 1/303....إلخ

أخذت على المحقق الجاد أنه شكل كلمة (البِيض) في بيت الشعر بكسر الباء، وتعني السيوف، ولكنه في الشرح شرح البَيض جمع بَيضة وهي الخوذة. فللمحقق هنا موقفان في فهم البيت.
وسواء كانت السيوف تقارع بعضها بعضًا أو كانت تقارع الخوذات، فإن صليلها -لولا صوت الريح- يسمعه من بحَجْر على مسافة بعيدة جدًا، إذ بين حَجْر (وهي في اليمامة) وموضع الوقعة التي كانت في الجزيرة مسيرة عشرة أيام- (الذكور- أجود السيوف).

لم يذكر المحقق أن النص الذي ورد في الأصمعية رقم 53، ذكرت فيه كلمة (يُقدع) ومعناها تُضرب بدل (تُقرع)- الأصمعيات، ص 155.

كما لم يذكر عن اختلاف الكتب في شكل كلمة (البيض)، وقد لاحظت كلا الشكلين هنا وهناك.

أحيي الباحث المحقق على هذا الديوان الذي بذل فيه جهدًا جهيدًا وحميدًا ومباركًا!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى