الاثنين ٢٨ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم محمد رضا

مدينة لا تشبه الأوطان في شيء

حزينة هي حياة المدن الكبيرة، وقاتمة
الليل فيها كالنهار، كالصباح، كالغسق
الأسود هو الأبيض.. ليس لدينا اعتبارات
النوافذ تحجبها الستائر البلاستيكية
والعيون تخفيها النظارات السوداء، والبراقع
صيفاً وشتاءً تعمل مكيفات الهواء، بصمت المغتربين
فلا ربيع يمر بك، ولا خريف يلذعك برده
الفرح، كالبكاء، كالعويل كالصراخ.. صدقني لا فارق
هو كنظرة عمياء، إلى فتاة لافتة الجمال
مثل القبح .. ولكن أقل حدة بكثير
يضيق صدري بالمراكز التجارية، خصوصا مايسمى بالهايبر ماركت
والتي تعتبر المتنفس الأكبر لهؤلاء الموتى
وبتخفيضات تصل إلى خمس وسبعون في المئة
ولمدة ملعونة
المشترون بكروش تتدلى وتتصارع بمرونة، وبرخواة هذا الزمان الضحل
لكنك لا تستشعر الحجوم حقيقة
كون كل شيء يحيط بك هائل، فاتح اللون، ضخم، كبير
وأشباه الرجال والنساء يتزاحمون كضباع، على بقايا حمار وحشي
بعدما نال منه الليوث مانالوا، ونهشوا ما استطاعوا
وهم امتلاء الذات كاذب
لا ملاذ من الاكتئاب، وانتحار الروح قبل انتحار الجسد
كلنا هنا بأحدث التقنيات
في الهواتف الجوالة، والحواسيب المحمولة،
والآي بود، الآي باد، والبلاك بيري، والجلاكسي
كلنا هنا أشباه .. إخوة في الموت
أمام الموت كلنا سواء، داخل الحفرة وأمام الناس
كلنا هنا بأفخم العطور الفواحة، التي لا تراعي اختلاف الأذواق
ولا تشي ببشر.. أين البشر؟
ككرهي لكرة القدم، وانزعاجي الشديد من الهتافات
التي تفسرها مسامعي إلى ضجيج فقط
لا صوت للسعادة الحقيقية، إنها صرخات احتضار
والرغبة في نسيان المادية، وقبح الحياة بكل نظافتها
النظافة الظاهرية، التي تجعلك تسخر من الميكروبات
بنقاء عال جدا في الجو، و" الرسيليوشن" في التلافز المسطحة
وإن غرق الجسد في عهره، والعقل في التسطيح أيضا
وسائل المواصلات الرسمية، هي السيارات
لو اقتطعت قدميك وطبختهما، لما شعرت بفارق يذكر
وإن كنت سوف تعوضهما ببدال كثيرة
وبضع كبسولات ملونة
وربما وصلتهما بألاقمار الإصطناعية أيضا
بينما الشوارع تلتمع بحزن دفين
لا قدم توضع عليها، أكثر من ثوان
لا أحد يؤنس وحدتها
ولا حتى القمر الشاحب
ما الذي دها القمر، هو الآخر؟
وأنا تغتالني الأرصفة بوحشتها، ووحدتي
وترمقني ناطحات السحاب بضجر، وتثاؤب حال
حتى العمال البسطاء ليسوا بعرب
وإن تحدثوا بضع كلمات مهشمين قواعد العربية إلى أشلاء أمام عيني
كلعبة أطفال سحقتها سيارة جديدة إنتاج العالم القادم
قبل أن تصل حتى إلى أبناء وطنها
أما عن الحريات.. فحدث وبكل الحرج
لك مطلق الحرية في الأكل حتى الموت
في العهر حد الصمت
ولكن عن نقطة الشرطة ضع حزام الأمان، وابتسم
ابتسم لغبائك، وضياعك
ابتسم للحمق الساكن في قلبك
لو شئت ارم أوراق النقد في الهواء الحار و قهقة
وأسفر عن أسنانك الصفراء وقهقه
ولمن عند رجال الحسبة أخف شعر زوجتك، ووجهها،وكفيها، وكعبيها
أخف النقش على أطراف الأكمام
وضع لحيتك المستعارة، واصطنع التقوى
وصل عشر صلوات
ولكن حذاري كل الحذر من الإبتسامة
أيها الآثم، الكافر، اللعين
وبعد ذلك عد إلى قهرك وموتك السريري القائم
وابتعد عن السياسية أرجوك
فآلهة الأوليمب عندما انتقلت، أصبحت سريعة الغضب
ولا تحب إلا القرابين شعراُ، ونثرا،ً وحدثا،ً وحديث
وإلا
فالعصا لمن عصا، ولمن مال عن ذلك، أو اعتدل واعترض
أو شرد
أو ثار بالطبع

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى