السبت ١٥ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم لبنى محمود ياسين

مرآة

كان يهبط من سريره نافضا عنه غبار الكسل مدليا قدميه بتراخ ٍ يفضح بوضوح عدم رغبته في مغادرة الفراش , دس قدميه الممتلئتين داخل مشا يته, و تحرك نحو الحمام بآلية مثالية جدا, و في طريق عودته إلى سريره و الذي خال انه قد طال كثيرا نظرا للكسل الذي يهيمن عليه اليوم و كل يوم مذ بعث إلى هذه الحياة,أحس بحركة ما إلى جواره التفت بدون اكتراث إلى مصدر الحركة فباغته شئ ما يلاصقه كظله صرخ بصوت مذعور
 بسم الله الرحمن الرحيم...قل أعوذ برب الفلق...
فبدا له أن هذا المخلوق بل هذا المسخ على الأصح يقلد حركاته مشاكسا إياه ربما..
و عندما تفرس بملامحه البشعة أحس بان وجهه مألوف مع انه لم يصدف أن رأى يوما كائنا غير بشري,أين يمكن أن يكون قد رأى هذا المخلوق البشع...
خيل إليه انه يعرفه جيدا ... و لكن كيف ...أين...لم يستطع أن يحدد زمانا أو مكانا اجتمع به مع هذا المسخ.
و عندما وجد أن هذا المخلوق على الأغلب مسالم لا ينوي إيذائه إذ أن جل ما يفعله هو تقليده بحركات مضحكة لكثرة بشاعتها بادره و قد دب شئ من الاطمئنان في قلبه:
 هل أنت منهم ....

و أشار بسبابته إلى باطن الأرض.

 لا...أبدا ..لست كذلك.
 إذا من أنت ؟؟
 أنا ذاتك القابعة في أعماق نفسك
 و لكنك مسخ
 إذا بوسعك أن تقول أني المسخ القابع داخلك..فأنت مسخ أيضا و لكن بملامح أودع قليلا
 لا ليس معقولا ...لست بهذه البشاعة
 انظر إلى المرآة...
أشار المسخ إلي المرآة مضيفاً
 هيا لا تخف ..علينا أن نواجه حقيقتنا يوما

اتجه الرجل بخطى مترددة نحو المرآة ...دون أن ينبس ببنت حرف ..و الريبة بادية بإصرار على ملامحه..و ما أن وقعت عيناه على انعكاس صورته فوق ذلك السطح الفضي الأملس , حتى صرخ صرخة اغلب الظن أنها قد أودت بحباله الصوتية , إذ انه رأى نفسه في المرآة مسخاً حقيقيا و اكتشف أن الملامح المألوفة لهذا المسخ , لم تكن إلا ملامحه بعد تعديل بسيط , تعديل يجعله مألوفا بين البشر إن هو وقف بينهم.
 ماذا جرى ...لماذا تحولت إلى هذا الشكل ...هل احلم؟
 لا ..لست تحلم, لقد تشدقت البارحة بين رهط من أصدقائك و أنت تعيب هذا و تذم ذاك , قائلا لماذا لا يبدو الإنسان على حقيقته ...لماذا لا يبدو من الخارج ..كما هي حقيقته في أعماق نفسه المختبئة...أويسوؤك أن تبدو على حقيقتك هذه بين الناس؟؟
 ماذا تقول؟؟؟هذه حقيقتي؟؟أنت تهذي!!بالتأكيد أنت تهذي...
 بلى ..إنها حقيقتك ...هذا المسخ هو أنت بكل تواضع..
يجيب متهكماً كما هي عادته دائماً و أبدا:
 إذا كانت هذه حقيقتي أنا ...كيف تكون إذا حقيقة من حولي ...أبو سمير مثلاًً ...لا بد أنها...
قاطعه المسخ مجيباً :
أتريد فعلاً أن ترى حقيقة أبي سمير
 بالتأكيد...
أجاب المسخ و هو يشير إلى المرآة ثانية :
 حسنا سأجعلك تراه ...انظر..

نظر الرجل فرأى مخلوقاً ملائكي الملامح,ترتسم على وجهه علامات الرضى و الطيبة ..و عرف من ملامحه وجه أبي سمير .

 أولا زلت تريد أن يبدو البشر على حقيقتهم؟؟
 لا...لا يا رجل إنما كنت امزح..

ثم أضاف مكملا و على وجهه جدية من اكتشف للتو حلا لمعضلات البشرية أجمعها:
 اسمع يا هذا...سأقترح عليك اقتراحا يريحني و يسعدك.
 و ما ذاك؟؟
 ستعود من حيث أتيت إلى غياهب أعماقي و لن أر وجهك القبيح بعد الآن , مقابل ذلك سألتزم بإسعادك مهما كلفني ذلك , صدقني لن يروق لك أن يراك غيري ستثير الفزع في نفوس البشر , أنا نفسي فزعت منك .

لم يعترض المسخ على هذا الحل , ففي النهاية لم يكن يروقه هو الآخر أن يراه الآخرون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى