الثلاثاء ٢٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم سعيد جناتي

مرثية بائع القزبر

في ساحة البئر العتيقة،
وقفت تائها أنتظر.
أترقب غيوم السماء،
وعودة بائع القزبر.
لينظر بعينيه التائهتين،
في دنيا البلاء،
ويحمل عني هذا السفر.
وبين إنتظار وإنهيار،
تركته فداء،
ثم إستسلمت للقدر،
مستيقظ الإحساس،
أسحب الهواء وأترك الأنفاس.
يا عاشق غصن الزيتون،
يا راعي القطيع:
لا تفجعنا بغيابك،
قبل نهاية التوزيع.
يا صاحب النخلة الوحيدة،
يا قاطن منزل الطين المتهدم،
في ساحة البئر العتيقة:
لم تكتم كل هذا الألم.
يا زعيم الكادحين،
بين أشواك السدرة المنتشرة،
في حقول الإقطاعيين:
عد لأحواض القزبر العطرة.
لا تتركنا تائهين،
نتسول حبوبنا من حقولنا المستعمرة.
يا جامع العشب الجاف،
من الحقول المحصودة،
يا منحني الأطراف:
متى تنوي العودة؟
لقد إنتطرتك طويلا،
غير أنني إستسلمت،
أو غفوت قليلا،
أو ربما إنهزمت،
فتركتك فداء،
في ساحة البئر العتيقة،
تروي أشجار الزيتون بالدماء،
و العرق المخثر على الجبين،
في عز الظهيرة،
وتضبب الأشياء من حولك،
وإختفاء إبتسامتك العابرة،
كما تختفي طيور السماء،
من حرارة الجو القاهرة.
أمهلني قليلا،
يا طالع النخل،
أستعيد أنفاسي الأخيرة،
كي أحميك من الظل بالظل،
وأغطي سمائك الصغيرة.
لا تتركني في ساحة البئر،
حائرا بين السبل المنتشرة،
يا بائع القزبر:
لن تبقى بعد اليوم نكرة.
قابلت ظلك يوم أمس في البيدر،
بمذراة عبد الله يرمي السنابل،
تحت حوافر الدواب،
فتسحقها في دوران مماثل.
آه يا زارع القزبر،
وجهك الشاحب في الظهيرة،
باحثا عن حبل أقصر،
تكمل به ربط الدابة الأخيرة.
يا راكب العربة في الفجر،
نحو حقول الإقطاعيين،
تقطع أوراق الشمندر،
في خفة كالرياضيين.
تشرب مياه قنوات الرى،
بعد ترشيحه بطرف ثوبك،
وتنحني تحت ظلها لتنام،
واضعا قبعة القش على وجهك.
أنا لم أنسى تقوس الظهر،
ولا أطرافك المنحدرة،
وأنت ترمينا بالبلح،
من فوق نخلتك المثمرة.
لا تتركني في ساحة البئر،
تائها بين التفاصيل المبعثرة.
يا كتاب الشعر:
دونوا رحلته المتكررة،
بين دواوير الصمت،
كي لا يبقى بعد اليوم نكرة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى