الاثنين ١٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠١١
بقلم خالد كساب محاميد

مرثية منفى وموتى وعودة المعنى

الى صبري صيدم
في عاقرِ اكتَمَلَ النِصَابُ كأنّ أحلامي ستزأَرْ 1
نأتي على أَثَرٍ يُشَذِّبُ قلبَنا، في الروح يصدَحْ
 
أمي هنا لمستْ جدائِلَها فراشاتٌ كَحُلْمِكْ
سارتْ على فرحِ الأديم وعمدتني قرب زهْرِكْ
 
وانتابها مُرحٌ يداعب هندباء التل جنبك
لم تنس أن تصف الحديقة في أغانيها وشِعْرِكْ
 
عطشى لرؤية ظلها سُحُبًا على عشبٍ يحبُكْ
في عينها قمر يوثِّق عهدنا للأرض حولكْ
 
والقلب يحمل صوتها وترًا يغني حلم شعبكْ
في عودة صقلت خرائط دربنا حتما لبيتكْ
 
ستون من شَظَفِ السنين ولا ردىً يصطاد عَزْمَكْ
هَوَسُ الإيابِ لعاقرٍ رسم الخطا دربًا لسيرِكْ
 
هيّا لنأخذ رحلتي وصديقنا ذكرى لجُهْدِكْ
فالهيثمُ الحَسَنُ المخضَّبُ بالأسى حَيفَاهُ نبضُك 2
 
أَرَقِي على وطنٍ قُراهُ تهشَّمَتْ، والنَّكْبُ صابَهْ
ستون في ظُلُمَاتِ خيمتنِا، ولم نُذعِنْ لمَهْجَرْ
 
قلنا لِنَسْرُدَ رحلتَنا ، قمري معي والحربُ أَبْدَأْ
في عاقرِ امْتلأَ الربيعُ ثلاثَ باقات ٍ وهُجِّرْ 3
 
نحو الجنوبِ ونحو بادِيَةٍ تُواسي بؤس نومِكْ
والوقتُ لم يجدِ الجوابَ للاجئٍ تُعفِيهِ حرصَكْ
 
ليمونةٌ رسمت ظلالَ طفولةٍ غابتْ لِغَيْظِكْ
والبئر دلكه الزمان مروِّضا دهرا لعهدك
 
في اسم الفتى شجرٌ يسجل باحة المأوى لمُلْكِك.
فارْسُمْ على حجرٍ هديلَ يمامةٍ للحيِّ ضمّكْ
 
فالحرب رافقت البداية والمنافي حول حزنك
لم تنته الطلقات في صخب الأغاني عند حصنك
 
والبحر في كلمات غزةَ هائجا أبكى عيونك 4
حين انضوى قدرٌ يحاكم لاجئا، والموت حولَكْ
 
يمشي على خطوات والدك الفتيِّ العودِ يُهلِك 5
يلقي عليه رسالة الشهداء مَدْعُوّاً كَنيْزكْ
 
ممدوحُ للوطن الطريدِ يزوِّدُ الراياتِ حُلْمَك
يهوى على أمل بأن فداء شعبٍ أمر ُ أَرضِك
 
استُشْهِدَ القَمَرُ الجليُّ على مهماتٍ لِسَيْفِكْ
في مشهد نقش الفداءَ طريقةً أُولى لشعبك
 
أولى المدارس في الوقوف على جراح الأرض فَتْحُكْ
أُولى الدماء على تراب بلادنا تروي انتصارك
 
فانهض وصيةَ والدٍ لتحارب المنفى وتَفْتِك
نصرا لعودة أمةٍ، ولعاقرٍ نصبو رجوعك.
 
أمي هنا سَلَبت ْرموشَ عيونِها أشجارُ أَرْضِك
أمي هنا حملت حجارة بيتها والدمع مُنهِك
 
كانت على وترٍ تروِّضُ محنةَ القتلى وتصمد
تمشي على ألم وبئر حنينها للبيت تنضح
 
ذكرى عصية ُ مخرج ٍ صعُبَتْ على أمي وأمِكْ
هذا ابن مجزرة ٍ على طرقات لدٍ ذكرياتُه
 
حيفا لهيثمَ خالدٍ شهِدَت زرافاتٍ تهجّرْ
تلك الطريدةُ قلبُها بمخيمٍ سالت دمائُه
 
ماذا إذاً بجراحنا وهجُ المآسي صكَّ دورَهْ
شاهدتُ قلبَكِ نابضا يتداول المأساةَ ذعراً
 
يشتُّ رائحة النسيم على شجيراتٍ تُحيطٍكْ
ها يصعق الفرحُ المدججُ بامآسي لون قلبِك
 
لم تتحملْ متناقضاتِ عروشِنا جدرانُ قلبك
قلنا تماثل علتي قدرَ الفلسطيني مثلِكْ
 
والقلب لم يتعارض القدر الذي نادى حضورِك
قلتُ الشهيدُ أبي فهل وجع الثكالى صاغَ روحَكْ
 
والغيبُ يصحبني على عتبات أهوائي ويُهلِكْ
منذ الصِبَا كتبَ الفراقُ مواطئَ المنفى كنجمِكْ
 
مالي أتوق لبيت والدتي وأحصي نثر قلبك
والموت في طرق الشهادة حدد المنحى لشعبك
 
فيك التجارب تنتقي مَثَلَاً لتسري أنت وحدك.
ماذا إذاً كتب الغراب على قراءاتي ونصكْ؟
 
مستنقعٌ نصب الخيام منازلاً بيتًا لجدكْ.
قلنا أبي صقل المذاهب في "غُلِبَتِ الرُّومُ" وَحْيَكْ
 
واختار والدك الشموع لثورةٍ تشدو قدومك
استشهد القمر المحارب في سبيل الشعب شعبِك
 
ما كنت غير ثلاثةٍ فوقعت في فقدٍ وأمك 6
أمي تفارق كوكبا وتسائل الأقرانَ حولك
 
عند الوداع لثائر لمحت ابا عمارِ جنبَكْ
لولاه ياسر قاد صاعقة أكنت الآن ذاتك
 
لولاه ما رحمت مصاعبُ هجرةٍ أحزان أُمِك
من مثلنا عرفاتُ لم يَصِغِ المعاني مثل دربِك
شد الوثاق وصاغ ثورتنا خَلودٌ فيه شعبك.
 
مَطَرٌ يُوَفِّقُنِي على طرق الشتات لأحمل العلما... 7
ويغادر المدنَ التي نقشت دمي حجراً
في خيمةٍ قد أَرَّخَتْ لمذابحي شاما بكى في مخلب الأسد. 8
 
أمي هنا أمي هنا في مسقط الرأس الالهي
لم تعرفِ الدربَ المؤدي للبدايات البدايات
 
تلك التي روَّضتُّ أحلامي على تلقينها
مِثْقالَ قولي في ضروريات معنى عودتي
 
تسميك الشجيرات الصغيرات " الفتى
ذا المعضلات الملحمية"
 
إذاً من أنت عند الاحتكام السُدرَتِيْ
للفصل بين الحق...
والنبع الذي يهتاج من شاةٍ
تغُبُ الماء عطشى دون مأوى.
 
أو ما تكون الكفة الراجحة
بين ما تروي أساطير الحروف الذابلة
...والورد يُهدي عطره المُغْري
لعصفورٍ يؤدي مهنة الحب البدائي.
 
هَوَسُ القاتلينَ يصكُّ المكان.
ردموا بالنعيقِ قبور الأحبة الخالدين.
وتغنوا بجُرمِ حراب الهراء على حارس الشجرِ.
 
خِرَقُ العابثينَ ومزمور مأدبة العابرين
يحدُّ الصلاة
فعلى جثة خرقوا شارةً وتسلَوْا على ألم المبعدين
 
يدبُّ النمل حول القبر في مسراك
نحو البيت،
والصبارُ يدعونا لنعطيك المناديل القديمة
 
فالبيوت استدركت فيك الحنين
والدمع لا يقوى على أسرِ البكاء .
 
قلتُ كنعان لم يورثْ معاني الرحلة الأولى
سوى للمتقين التابعين
 
فالإسم يعطي للصلاة الفاتحة
والراهباتُ استدركْنَ تبييتها
 
قلتَ كنعان يعني خانعا لله
والايمان في فحواه لله الخنوع.
 
كوني إذاً يا بلدتي كنعانية التقوى
قبل موسى واسمِه الأوريِّ وإبراهيم
في سفر العابرين وآفة المختارين الموعودين.
 
كأنا من الوحي نهذي القراءاتِ
في مطلع الترتيل للموتى
كتاباتِ الزيارات السريعة...
 
لا طقوسٌ جُرِّدَت من جلدها
في معجم الأديان مثل الإبتلاء الفلسطيني.
 
فمن منا بلا حَدْسٍ يجاري لهفة الأنبياء
 
لا بد من جدوىً لموتٍ
بعد ميعاد الفلسطينيِّ والأحلام
في عاقِرِ البيت الطريد.
هذا ولوج الفلسطينيِّ في الذكرى
وأبواب البدايات والمعنى لسر الخلود.
 
وصلنا إلى ما يصيب القوافي
بآهات حُمّى التشظي
على ذكريات البدايات في المنفى.
 
بداياتُ الأساطيرِ تَروِي
عن قرىً أهدت صغيراتِنَا
حظَّ مَن يورِثون الرواياتِ معنى الخلودِ
المشذّى بسيفٍ يقاضي مهام الضحية.
 
إذاً مَنْ يجيبُ السؤالَ المُقَفَّى
بترديد وحي الفتى رهبةَ اللجوءِ.
 
ومن يستعيدُ المعايير للحق في عودة
الضيف للبيت في سطوة الشعر والمجاز.
 
أنا ضيفٌ على بيتي أنا في رحلة المنفيِّ
عن ميلاد كنعانَ الأساطير اليبوسية.
 
أنا ضيف على بيتٍ بلا مأوى لعنوانٍ
ولا اسمٍ،
ولا مثوى لعادات الندى
والدمع ينساني على جرحٍ بلا ظلٍ
وجدي يرقب الأحزان في قبر على تلٍ
فمن يا هجرة التشريد
يُغوِيني على التوطين في المنفى
وجَدِّي ينبض الدقات
في قلبٍ على مبكى نداءاتي؟
من يُغويني على التوطين في المنفي؟؟؟
لا احد ولا احد.
 
فالشعب في مسرى "أبي عمارَ"
لا ينسى وعود القلب للأسرى
ولا الوطنَ
ولا شهداءَ صاعقتي.
 
في عاقر اكتمل النصاب كأن أجداثٌ ستنهض
في عاقر اجتمع الغياب ليسمع الموتى بُكائَكْ.
ما للخلود سوى مهمةِ كاتبٍ للنجم يُذْعِنْ
ممدوحُ علَّمَ شعْبَنا سُبُلَ التفاني ثمَّ خُلِّدْ
أمي جميلةُ عاقرٍ قمرٌ منَ الثوارِ يَسْطَعْ
أيقونة لمسار ثورتنا لها الأيام تَشْهَدْ
فينا الغيابُ يحيكُ تجربةً وذكراهمْ سَتَخْلُدْ.
 
سلامٌ علينا ورفق اليمام
سلامٌ عليهم
سلامٌ على الراحلين الأوائل
سلامٌ على عاقرِ الوادعة والبنينِ
المحلاة أحلامهم بالإياب
سلامٌ لبيت على تلةٍ يرقب العودة للبنين اللاجئين.
سلامٌ لوعد بحرية الشعب والانتصار
 
سلامٌ جميلةْ
وداعُ جميلةُ صيدم
سلامٌ لك الأم في عاقرٍ
سلامٌ لك الأم في ثورةٍ
سلامٌ لك الأم في عودةٍ
سلامٌ علينا سلامٌ لنا
سلامٌ سلامْ

1 – 6 أسبوع قبل رحيل الأم جميلة صيدم زرنا برفقة الأخ هيثم خالد الحسن قرية عاقر الفلسطينية التي هجر منها آل صيدم سنة 1948 حينها كانت جميلة صيدم ابنة ثلاث سنوات حيث شردوا إلى غزة وهناك اقترنت بالزواج مع قائد قوات الصاعقة في الأردن الشهيد ممدوح صيدم الذي استشهد في معاركه لقيادة قوات الصاعقة في الأردن والأراضي الفلسطينية عندما كان عمر صبري 3 أشهر. جلست على مقعد على شاطئ يافا والصديق صبري صيدم فيما جلست أمه جميلة صيدم مع زوجتي ازدهار على مقعد يجاورنا وتحدثنا فيما تحدثنا عن مرثية لوالدتي قرأت مطلعها عليه فقال لا أهوى شعر النثر فما يهزنى أكثر هو الشعر الموزون وفقا للبحور والمقفى فحاولنا مراجعة ابيات مرثية والدتي التي كتبتها على تفعيلة متفاعلن ولكن الحدس لم يصبني لأتنبأ بأنني سأقوم بكتابة مرثية لوالدته بعد اسبوع من اللقاء. فكانت هذه القصيدة

7 – الأخ موفق مطر عضو المجلس الثوري لحركة فتح

8 – ذكرت الأخت جميلة صيدم بأن ياسر عرفات طلب منها أن لا تبقي بنيها "في فم الأسد" مشيرا الى الرئيس السوري حافظ الأسد وطلب منها نقلهم لتونس

الى صبري صيدم

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى