الخميس ٢٢ أيار (مايو) ٢٠٠٨
بقلم إبراهيم مشارة

مسابقة أمير الشعراء أوسوبر ستار الشعر العربي انطباعات مشارك

لا يهدف هذا المقال إلى النيل من أحد ولا التعريض ببلد، فليس له من غرض سوى كشف الحقائق للقارئ والمشاهد العربي كليهما وإنارة الطريق الذي شاءته القنوات الدعائية والصحف الإشهارية مدلهما فيخبط فيه المتتبع لبرنامج أمير الشعراء خبط عشواء ويستسلم لذلك البريق الإعلامي والبهرج الدعائي فيحسب كل ما يلمع ذهبا،ويخال السراب حدائق بابل المعلقة، وليس لنا من كلام نفتتح به مقالنا سوى قوله تعالى"فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض".
وبداية فقد كان من حسن حظنا أومن سوئه - وللقارئ الكريم تقدير ذلك بعد قراءة المقال- أن نستدعى إلى أبو ظبي لمقابلة اللجنة بعد أن وقع علينا الإختيار من بين سبعة آلاف شاعر- كما قيل- إذ تلقينا مكالمة هاتفية يوم الإثنين05مايو تفيد أن موعد السفر غدا الثلاثاء 06 مايو مساء إلى الدوحة ثم إلى أبو ظبي لنصلها فجرا ولم نعلم لا بضرورة إحضار نص شعري أو انتقائه وفي أبو ظبي التي وصلناهها عند الثالثة فجرا بعد أكثر من ثماني ساعات طيران هتفنا إلى مندوب هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث الذي حضر ونقلنا - وكنا ثلاثة من الجزائر فتى وفتاة إضافة إلى كاتب المقال- إلى فندق ساندز الفخم في قلب مدينة أبو ظبي و كان التعب قد نال منا ويكاد الضحي أن يرتفع في المدينة بدون نوم ونفاجئ بمندوب الهيئة يخبرنا بضرورة التوجه إلى بهو الفندق استعدادا للذهاب إلى أحد الأستوديوهات لمقابلة اللجنة وأعلمنا بضرورة إحضار النص فقلت له أن لا نص بحوزتي لأنني لم أحط علما بذلك حين اتصلتم بي من أبوظبي،لولا أني استعنت بجهاز كمبيوتر موصول بشبكة الأنترنت وطبعت قصيدة "نهج الرسالة" التي شاركت بها أول الأمر من ديواني الإلكتروني، وحين وصلنا أحد الأستديوهات حيث تقبع اللجنة التي سنقابلها نصبت خيمة غصت بالشعراء أحدهم يراجع نصه والآخر يسأل عن كيفية كتابة الهمزة في كلمة والآخر حكم العدد والمعدود وأحددهم يتمتم بالدعوات لتجيزه اللجنة وآخر يقرأ كلاما على مسامع البعض بلا وزن ولا قافية ويسألهم في إلحاح رأيهم في شعره، ومال علي رفيقي الجزائري يقرأعلي نصه فسألته من أي بحر هذه القصيدة؟،فأخبرني أنه شعر بلا وزن ولا قافية وموسيقاه الداخلية وحدها تكفي فأخبرته أن الشعر لا يسمى شعرا إلا إذا خضع للوزن وأدركت أنه لايعرفه ! وتساءلت في نفسي كيف اختير من بين السبعة آلاف شاعر ؟
وتطلب منك الفتاة أن تقدم القصيدة وتملأ الاستمارة ، تذكر فيها اسمك وسنك وبلدك ووظيفتك ووثيقة أخري تلتزم فيها بعدم إفشاء أي سر أوالإدلاء بأي حديث بعد مقابلة اللجنة وتوقع على ذلك التعهد ،ومن حين لآخر يدخل شاب ينادي على ثلاثة ويذهب بهم إلى الأستديو وحين تدخله لابد أن تدخل غرفة تقابل فيها الكاميرا تعرف فيها بنفسك وتجيب عن سؤال هل تتوقع أن تكون أمير الشعراء؟
وتجلس في قاعة أخرى لتتلقى من يرشدك إلى كيفية الاستعداد لمقابلة اللجنة حتى إذا أتممت تدريب المشي تم تصويرك ثم إذا أشرفت على اللجنة وجدت شابا يرشدك إلى طرقة الدخول عليها وينبهك إلى عدم المصافحة والاكتفاء بالسلام والجلوس بعد الإذن لك وينبهك في إلحاح شديد إلى عدم الاعتراض أو المناقشة أو المكابرة بل الاستماع فقط !
وتقرأعلى مسامع أعضائها الدكتور المرتاض والدكتور الفضل والنايف الرشدان وآخر لا يحضرني اسمه ،أما الدكتوربن التميم فهو في سفر إلى لندن .
قرأت قصيدة " نهج الرسالة "وهي من الكامل ومطلعها:

ذكرى النبي سنا أضاء بطاحا

فأحال ليل الكائنات صباحـــــا

وكنت نشرتها في كثير من المجلات والمواقع الشعرية واستحسنها الكثيرون
فقد استحسن الناقد الكتور مصطفى عطية جمعة قولي عن سنوات العمر:

ويلاه ماخبري وتلك سفائني

غيلت صواريها نوا ورياحا ؟

وأشاد بها الشاعر الدكتور جمال مرسي في ملتقى الأدباء والمبدعين العرب والدكتور عمر هزاع في تجمع شعراء بلا حدود وغيرهم كثيرون وآراؤهم في القصيدة مبثوثة في عشرات المواقع التي نشرت فيها والقارئ الكريم يمكنه أن يطلع عليها في مواطنها وفوجئت بأول رد عنيف من أحدهم أن في القصيدة فقرا فنيا ومن الأخر عدم الرضا عن قولي :

ضمخت أنفاس الليالي بالهوى

وملأت أبيات القصيد ملاحـــا

وشدوت في أذن الزمان مسرة

وسكبت في جيب النديم الراحا

حتى إذا راجعت أمسا سالفـــا

أبصرت آثار السنين قباحـــــا

فالمقام –وهو مدح المصطفى عليه الصلاة والسلام- لايجوزفيه ذكر الخمر والملاح ولأنه ليس لي حق الرد سكت مع أن صاحب البردة يقول في نفس السياق وشتان بيننا !

وما سعاد غداة البين إذ رحــــــــلوا

إلا أغن غضيض الطرف مكحول

وشوقي يقول أيضا:

ريم على القاع بين البان والعلم

أحل سفك دمي في الأشهرالحرم

لما رنا حدثتني النفس قائلــــــة

ياويح جنبك بالسهم المصيب رمي

جحدتها وكتمت السهم في كبدي

جرح الأحبة عندي غير ذي ألــــم

وكنت أحفظ القصيدتين ولكن اللجنة تمنع المناقشة !
كان شعوري أني أمام محكمة تفتيش وأن ذلك الجو المشبع بالقهر والوقار المصطنع والحركات البروتوكولية الجوفاء من قبل أعضاء اللحنة الموقرة ماهو إلا ديكور لتزكية الرداءة ومباركة ثقافة الكليبات وإجازة الكلام الملئ بالعثرات اللغوية أوالمفتقد إلى الوزن مادام يرضي أذواق الجمهور حين التصويت تماما شأن التصويت على المغنين وملكات الجمال واللجنة لا يهمها شئ مادامت تزكيتها اشتريت بالملايين!
وتخرج من محكمة التفتيش لتدخل غرفة تقابلك كاميرا وتجيب عن سؤال سبب عدم إجازة قصيدتك وإذا انتقدت اللجنة الموقرة فمقص الرقابة سيعمل عمله !
وحين العودة إلى الفندق وكنت في زهو شديد لأني أقصيت وحمدت الله أن تم ذلك حتى لاتستمر المهزلة المتلفزة لأجد نفسي في مواجهة مع من لايفرق بين خبل أو خبن. تذييل أوتسبيغ علة أوزحاف وربما لا يحسن كتابة عروضية، وهو نفس الشعور وجدته عند لفيف من المبدعين الذين تم إقصاؤهم، هذا شاعر سوري يدعى منير خلف له ديوان وأكثر من جائزة حكموا بعدم شاعريته ،وتلك شاعرة سورية تدعى قمر لها أربعة دواوين لم ترق للجنة الموقرة، وهذا الجراح المصري في مستشفي الملك عبد العزيز بجدة الدكتور محمد أيوب نشأ على حب القريض وصوغه ندم على المشاركة ورأى أنه أهان نفسه حين قبل المثول بين يدي هذه اللجنة ينافسه- عيال- دونه شاعرية ومركزا، ومال علي ليخبرني أن الناس وربما أعضاء هذه اللجنة ينتظرون منه موعدا للفحص بعد ستة أشهر ،كيف قبل أن يهين نفسي إلى هذا الحد؟
وذاك شاعر مغربي من الحائزين على جائزة ناجي نعمان الأدبية -عبد اللطيف الوراري -صاحب ديوان مطبوع لم تجزه اللجنة هو الآخر وذلك شاعر من السودان الشقيق هو محمد حسن السيد وقد أهداني ديوانه لم يرق للجنة هو الآخر وأما المأساة فتمثلت في شاعر كفيف من ليبيا يحضر لأطروحة الماجستير عن البلاغة القرآنية فقد بقي مرميا ينتظر الدخول على اللجنة دون أن يقدر المنظمون عاهته ويأخذوا بيده فيقدمونه على غيره ليقابل اللجنة ولكنه شاعر جيد لذا كان ينبغي إقصاؤه فهو لا يصلح لسوبر ستار الشعر العربي !
إن هذه الحصة المتلفزة تسعى إلى جلب أنظار الملايين من المشاهدين ومن ثمة النزول إلى مستواههم وأذواقهم المتآكلة وتقديم برنامج فج تماما كأكاديمي ستار أوغيرها من الحصص الترفيهية الهزيلة المستوى والذوق ودغدغة مشاعرهم بكلام بعيد عن الشعر قريب من الغريزة يناسب القطاع العريض من تلك الجماهير،
وشركات الاتصالات لها دور في هذا البرنامج فرسائل التصويت أس .أم . أس تدر عليها أرباحا خيالية والمتسابقون الخمسة والثلاثون لبعض الدول لهم التمثيل الأكبر بسبب تصويت مشاهدي تلك الدول الكثيف.
إن هذا البرنامج في صيغته الشعبوية يحقق لقناة أبو ظبي الفضائية سمعة ورواجا وغني عن البيان أن الشعر الجاد والمنظوم حسب الأصول وفي لغته الفصيحة الشعرية تنصرف عنه تلك الجماهير بسب ضحالة تشكيلها الثقافي والجمالي.
إن كثيرا من الشعراء الموهوبين من الذين انطلت عليهم الحيلة العام المنصرم رفضوا المشاركة هذه السنة وإن كثيرا من النوابغ لم يشاركوا أصلا لأنهم يعرفون مسبقا بفضل ذكائهم الفطري أن مثل هذه البرامج ربما تسبب لهم صدمة أو تطيح من أقدارهم حين تجمع الغث إلى جانب السمين واللاشعر إلى جنب الشعر ويفضلون المشاركة في مسابقات جادة كجائزة البابطين وسعاد الصباح وجوائز مجامع اللغة العربية والشارقة وجائزة البردة وغيرها حيث المنافسة الحقيقية والأحكام الجادة النزيهة.
كيف تدرس اللجنة الموقرة سبعة آلاف قصيدة في أيام معدودة وتختار ثلاثمئة شاعرا، هل هي تقيم شعرا، لغة وجماليات وصورا شعرية أم تقرأ رسائل أس. أم . أس
وسؤالي إلى اللجنة الموقرة كيف اجازتني بقصيدة نهج الرسالة أول مرة ثم أقصتني بنفس القصيدة؟
وقد شاهد المتفرجون الأكارم يوم الخميس المنصرم كيف أهانت اللجنة شاعرا سودانيا دخل بالعصا فتهكمت منه اللجنة واستشهد أحدهم بالآية الكريمة عن عصا موسى واللجنة لا تعرف ماذا تمثل العصا لشاعر من سند نفسي ولو كان هناك ناقد غربي لما اعترض على الشاعر دخوله بالعصا ،وأم كلثوم كانت تغني ةهي تمسك بالمنديل لأنها تعودت على ذلك.
وأخيرا نوجه الشكر إلى هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث على الكرم الحاتمي فقد استضافتنا في فندق فخم
وتحملت مصاريف التنقل الباهضة وأتاحت لنا أن نتعرف على بعض الموهوبين من أصحاب المواهب الشعرية الحقيقية والمنتجة والتي تم إقصاؤها فتبادل الأصدقاء الدواوين والعناوين ورب ضارة نافعة!
ونقول للجنة الموقرة ماقال بصير المعرة لعميانها ذات يوم :

تشابه النجر فالرومي منطقه

كمنطق العرب والطائي مرطان

وننصح هيئة الثقافة في أبو ظبي بضرورة تغيير اللجنة لأن الاحتكار حرام في الشرع الحنيف وهناك نقاد وشعراء أكفاء وأصحاب مؤلفات كثيرة يحسن إعطاؤهم الفرصة لمقابلة الشعراء المتنافسين وهذه اللجنة أخذت حقها وزيادة فالديموقراطية تنشد التغيير لأنه سنة الله في كونه وأن لا تنزل بالشعر المصون عن الإسفاف إلى مستويات دنيا والتردي به في دركات النقص بتلبية أذواق معطوبة شوهاء قاصرة عن الارتقاء إلى رفعته وأن الشعر ليس ككليبالت الغناء أو مسابقات الطبخ أوتصميم الأزيا ءأو مسابقات ملكات الجمال،وأن إجازة العي والفهاهة تكريس للراهن الردئ والحمد لله أن إماة الشعر في أبو ظبي ليست شهادة يعتد بها فهي كموجة الغناء الشبابي يبزغ في الفجر ويأفل في الضحى وستبقى الإمارات رغم هذاالبرنامج الضحل قبلة المثقفين ففيها من الجوائز الجادة الشارقة للإبداع الأدبي والبردة وغيرهما ولكل جواد كبوة !
وهنيئا بإمارة الشعر ل.............وأكاد اكتب اسمه فليعذرني القراء الأكارم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى