الثلاثاء ٢٨ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩
بقلم حسن أحمد عمر

مضطر أحلم لنفسى

هل تسخر منى، هل تستخف بأحلامى، هل تستكثر علىّ بعض الأمنيات، ما العيب فى أحلامى، هل لأنها مستحيلة أو شبه مستحيلة، هل لأنها غريبة على دنيا الناس الممتلئين طمعاً وجشعاً وحقداً دفيناً، أم لأنها كالوردة الجميلة وسط ركام من الدماء والآهات والدموع والشقاء، دماء الأبرياء فى كل بقاع الأرض الذين يقتلون بإسم الدين والإيمان، أم دماء الذين تحصدهم حروب الطمع وملاحم الكراهية والأنانية البغيضة، ودموع الثكالى فى شتى الأماكن، دموع الأمهات الباكيات فلذات أكبادهن ما بين ضياع وخطف واغتصاب وتشرد، أم دموع الآباء المحاصرين بين غلاء المعيشة وذل الحاجة وطلبات الدنيا المجنونة، أم دموع الشباب المتسكع لا يجد عملاً ولا تقديراً ولا تدبيراً ولا إهتماماً فيتفجر من داخله على شكل قنابل متطرفة تتمسح بعباءة الدين،

هل تسخر من أحلامى وتستخف بها لأنها جرعة ماء رطب فى جوف ملتهب جراء ألم الغربة، غربة الوطن وغربة الفكرة وغربة الرأى، أم لأنها يد حانية تمتد تشفى جراح المقهورين فى كل مكان، أم لأنها صدر رحب طيب يقبل الآخر ويقدره ويقدر حريته ورأيه وتوجهه، ولا يصنع من نفسه إلهاً يحاسب الناس فى دنيا عزّ فيها الحب وتبعثرت كرامة المخلصين، أم لأن أحلامى تريد إعادة بناء جسور الحب والسلام بين بنى الإنسان مهما اختلفوا فى دينهم ولونهم وجنسهم ووطنهم، أم لأن أحلامى تلملم جراح المساكين الذين يبيتون فى العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، بلا مأوى يحميهم من ذل الإنكسار وجبروت العوز وبشاعة الإضمحلال، أم لأن أحلامى كبيرة على قلوب الغدارين من شياطين الإنس ، أم لأن أحلامى لا يحدها مكان ولا زمان،

نعم سوف أحلم، حتى آخر لحظة من عمرى، سأرى نفسى فى بلد يحب الناس بعضهم، وتختفى فيه الجريمة، وتعم الإبتسامة كل الوجوه، سأحلم ببلد ينتشر فيه العدل والمساواة والأمن، سأحلم بمجتمع يؤمن بضعفه الإنسانى ويعرف أن لهذا الكون إلهاً قديراً يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، إله قادر على محاسبة مخلوقاته ونصرة ضعيفهم ومحاسبة مجرمهم، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، سأحلم بمجتمع يحاسب فيه الفرد نفسه على تقصيرها ولا يحاسب غيره، يعنف ذاته لأنه لم يصل إلى أعلى المستويات العلمية والإقتصادية والفكرية، ولا يجعل من نفسه قيماً على الآخرين، سأحلم بمجتمع تسود فيه الألفة وعدم التفرقة يحكمه قانون عادل لا يفرق بين قوى وضعيف ولا بين غنى وفقير، ولا بين ذى منصب وخفير، مجتمع له دستور شامل يطبق على الجميع بلا استثناء، مرن يساير كل العصور، كامل يغطى كل مستلزمات الحياة فى شتى فروعها، فمن وجهة نظرى أن الأمم التى يقال عنها أنها راقية – وهى فعلاً كذلك – لم ترتق إلا بدستور قيم وقانون يطبق على الجميع بلا استثناءات أو محسوبيات، ولذلك إرتقت وعلت وصارت فى مقدمة العالم .

سأحلم بمجتمع لايكون الفرد فيه نائباً عن الله فى الأرض يحاسب هذا ويعنف ذاك، ويقيم المحاكم لمن يخالفه ويصدر ضده الأحكام الجزافية وهو ينسى أنه بذلك يضيع بإشراكه نفسه مع الله العلى القدير، أحلم بمجتمع يخلو من التطرف بكل أنواعه سواء كان تطرفاً دينيأ أو سياسياً أو علمياً أو غيره، سأحلم بمجتمع يبنى الحضارات ويعمر الأرض ويسير فيها ليقرأ سيرة السابقين فتكون له عبرة وعظة ومنبع علم ومشكاة نور، سأحلم بمجتمع يكون العلم والتكنولوجيا وسباق الرقى نحو أفضل حياة هى سمة من أهم سماته، سأحلم بمجتمع تأخذ فيه المرأة كافة حقوقها العلمية والسياسية والإنسانية، ويخلو من أطفال الشوارع المشردين، ويخلو من الشباب المعطل ويخلو من الفاسدين من مروجى المخدرات التى تفتك بعقول الناس، مجتمع يخلو من أبناء الأكابر والمحسوبيات ووارثى الوظائف الكبرى من قضاء إلى شرطة إلى اساتذة جامعات إلى رؤساء جمهوريات .

مجتمع يتحول فيه التعليم إلى مكان لتخريج العلماء والمثقفين والشعراء والمهذبين، وليس مكاناً لتفريخ التطرف وتصنيع المتطرفين من خلال مناهج عجيبة تحتاج لوقفة كبيرة من كل علماء الأمة ومثقفيها من أجل تطهيرها وتنقيحها وتنقيتها، تعليم ينبت مفكرين وعلماء ورواد فضاء وذرة وأعظم أنواع تكنولوجيا العلوم المختلفة، مدارس وجامعات تركز على قيمة الإنسان وتعلى من شأنه من أجل بناء وطن عظيم يسمو شامخاً بين الأمم، جامعات يكون فيها الأولوية للمتفوقين النابغين وليس لأبناء فلان وعلان المحاسيب، جامعات تبنى فى قلوب إبنائها الحب والإخاء وإحترام الآخر المختلف، جامعات تركز على الإبتكار والإبداع والإختراع، لا على التلقين والحفظ الإنصياع، مدارس وجامعات توضع لها شروط وقوانين ومناهج يكون هدفها الرئيسى بناء فرد صالح من أجل إقامة مجتمع صالح ترفرف فوق ارضه أعلام الحرية والمساواة والعدل بكل أنواعهم، حرية تغمر كل فئاته ومساواة يشعر بها ويعيشها كل إنسان على أرضها، وعدل يتحقق على أرض الواقع .

مجتمع يأخذ من كل فئات الشعب ضرائب أو زكاة ( سمها ما شئت ) تتلائم مع دخولهم وممتلكاتهم بغير خوف منهم أو تفريق بينهم، تؤخذ منهم لإصلاح أحوال البلاد والعباد، من بناء مستشفيات إلى معاهد ومدارس وجامعات، إلى طرق ممهدة وخدمات اساسية تيسر الحياة وتملؤها رفاهية وسعادة، مجتمع يكون فيه التقدير والإحترام للمجتهدين والمكافحين والساهرين لرفعة الوطن وخدمته وإعلاء شأنه، مجتمع يقدر المواهب والعقول النابهة ويحرص على تنميتها وتكبيرها ليعظم شأنها وشأنه، مجتمع يقضى على الفوارق الطبقية ويحترم عرق الإنسان ويدفع له أجراً يكفيه ويفيض عليه وعلى أبنائه ويكفيه شر الحاجة والعوز، مجمتع يؤمن صحة أفراده فلا يتركهم لهوى تجار المستشفيات الخاصة، ولا لجشع بعض الأطباء والصيادلة الذين لا يهمهم سوى الإثراء بأى شكل أو لون .

هذه هى بعض أحلامى، فلماذا تسخر منها يا صديقى،؟ وأقولها لك صراحة ... لو مش حتحلم معايا ... مضطر أحلم لنفسى .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى