الأربعاء ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٤
بقلم سعيد هدراوس

مقابلة مع الشاعر الفلسطيني سليمان نزال

يمضي إلى أقصى حدود التمرد..يفاجئك بخجله و تواضعه..و قبل أن يلتصق الوصف بذاكرتك تراه يشاغب..و ينقل جمر الحالات الصارخة من حالة الإشتعال إلى حالة البوح الهادىء..يستفز اللغة الدانمركية فيخرج منها بثلاث مجموعات شعرية, يكتب عنه وزير الداخلية..يكتب عنه المحافظ و كبار النقاد..يحصل على الجوائز,تستخدم قصائده كمادة دراسية..لكنه من الجذور الأليفة يبدأ..من المخيم يبدأ..و يشتد ساعد الإنتماء كلما أوغلَ في شتات صرخته..أنه الشاعر و الكاتب سليمان نزال الذي جاء السويد مشاركاً في أمسية شعرية في الذكرى الرابعة للإنتفاضة المباركة و تضامناً مع الشعب الفلسطيني, و قد التقاه الصحفي سعيد هدراوس و أجرى معه هذا الحوار..

 الشاعر و الكاتب الفلسطيني سليمان نزال متى بدأتَ تشعر بأنك تقف على شاطىء الموهبة؟

- كنت أنظر إلى البحر البعيد من تلال المخيم..كأني كنت أحدق في جهات الفقدان التي سلكتها الحكاية الحزينة من البلاد إلى الشتات..و حين تمشي في أزقة اللجوء بقلب البدايات و التساؤلات المريرة.. كانت تتشكل المشاعر الأولى في سرد مدرسي..في مادة الإنشاء.. في مدرسة تتسع لخمسين طالب و عشرين موجة خانقة..يأتي المدرس يربت على كتفيك....ثم يعطيك علامة جيدة في اللغة..و يرسل إليك التشجيع في إبتسامة.. و حين تتقدم قليلا في السير عكس تضاريس التوقعات..يأتي مدرسٌ آخر..و يثني على موهبة مفترضة تتخفى.. في محاولة النمو و الإكتمال..و كثيراً ما كانت تصبح الموهبة رملاً مقابل صيحة الإختيارات الخاطئة و غياب الإعتراف في واقع قاس يفتش عن وجه إعترافه بيديه, فلا تجده!

 ومتى شعرت بأنك تلمس أغصان الخفقات و اللحظات الشاعرية؟

  هي ألقت قطرات حضورها..لعلها كانت ترافق قطرات المطر التي كانت تنهمر على سطح بيت "الزينكو" في مخيم برج الشمالي, حيث ولدت بالقرب من خيمة إنتظاري..و لعل شجرة اللوز في حاكورة جدتي..تلك التي تعرضت للإنتهاك و الإعتداء في غارة جوية صهيونية تعرضت لها حارة الجامع, عام 1974, شجعتني كي أجدَ درباً يفضي إلى وقت الكتابة الشعرية و لحظات التعبير عن الجرح في لغة تتمرن على الإندفاع..

كما لا أنسى تشجيع أهل المخيم..في كلمات طيبة, من قارىء محاولاتك الطفولية..فتشابكت أغصان الأماني مع أغصان الواقع و البرتقال.. و أنت تكبر قليلا..تلمس دفء حكاية في طقوس الصرخات و إنطلاقها..و أنت تريد إرتداء بزة مرقطة مثل التي يرتديها الوعد الجديد الفدائي, تلك التي نتسابق مع أقراني على لمسها بيد الفخر و التوثب و الحماس..و جاءت أيضا الأنشطة الطلابية.. ورفقة المتاريس..ثم بدأت تلمس صداها بأغنية عن المقاتلين..أكتبها على دفتر قديم..ممزق الغلاف..لصديقي الراحل الفنان الشعبي محمد سعود عوض, الذي ينشدها و يتنقل بها.. و يعزفها على أوتار قلبه قبل عوده..

 على ذكر الراحل محمد سعود, إلى أي مدى ساهمَ في إنتشار أعمال سليمان نزال, خاصة في مرحلة البدايات؟
- صديقي الراحل الفنان محمد, شجرة مظلومة, تنكر البعض لثمارها الطيبة..هو رائع بإمتياز و بسيط و فقير بإمتياز..نقلَ أغنياتي لقواعد المقاتلين..و قام بنشرها عبر صوت إنتمائه المكين في المخيمات و من خلال مشاركتنا في المهرجانات و الفعاليات المختلفة و الأعياد الوطنية.. كما أنه كان ينزل إلى الناس داخل الملاجىء, أثناء الغارات الصهيونية خصوصاً على مخيمات جنوب لبنان, البرج الشمالي, الرشيدية, البص, عين الحلوة و مخيمات الشريط الساحلي..و قد أطلقَ علي البعض في ذلك الوقت لقب: شاعر المخيمات..كما أطلقوه على شعراء آخرين..

 في الفترة الأخيرة, بدأ الشاعر و الكاتب سليمان نزال يطل علينا من نوافذ إبداعية جديدة..فنراه يكتب المقال فيبدع.. و يكتب القصيدة فيدهش ..وأخيرا شرعت في كتابة القصص,..أين يرى سليمان ذاته؟

 الإبداع لا يتوقف على جنس أدبي"مدلل" , من حقي أن أفتح كل أبواب و آفاق الإنتماء, إذا إستطعت.. أحاول أن أكون فلسطينيا فأستطيع.. و لعلك تعلم يا صديقي و أنت ترافق ذاكرتي في طفولتها و صباها بأنني كتبت مسرحية إنتقادية بعنوان"انا الزعيم" نُشرت في كتيب, و أنا لم أبلغ بعد الثامنة عشرة ! كم أحن إلى إعادة كتابة الماضي بكل الألوان الطبيعية.

 هل تحس بالرهبة و أنت تكتب بلغات أخرى, خاصة في الدانمركية؟

تعلمتُ أن أكسرَ قيودَ الرهبةِ و الخوف بحد المسؤولية.. بقبضة غير حيادية حين يتعلق الأمر بالدفاع عن قضايا شعبي و هموم أمتي ..لذا لم أتردد حين قررت بعد عثرات و أخطاء, أن أدخلَ اللغة الدانمركية غازياً..أسحبها بيدٍ مشاغبةٍ.. و لا أتوقف حتى تعترف بلغتي و أصل ينابيعي و فضل أشجاري التاريخية عليها ممثلاً لهوية تتعرض للشطب و التشويه و الغزو الهمجي..كتبت أحزاني دون خشية و وجل..المفاجأة ظهرت متبوعة بالدهشة..حين نشرتُ كتابي الثالث باللغة الدانمركية-بدون فيزا-..فتبين لي بعد نجاح لم أتوقعه..بأني عثرت على المداخل و الطرقات السرية في مفرداتها و طاقتها التعبيرية في كمونها غير المطروق..و حين قدمتُ صوراً جديدة و إستعارات من نار فوق ثلج الجمود.. و جئتُ بتراكيب إستفزازية غير مقصودة و رميتُ بثقل خيالي و عدة ضلوعي و ما أحمله في عقلي و قلبي من فضائل و صفات ربيعية لموروثي العربي الإسلامي الحضاري الثري الشاسع ..حصلَ النجاح و كتب عني وزير الداخلية.. و المحافظ و أجريت معي مقابلات عديدة و كتب عني النقاد ممتدحين أعمالي حتى شعرت بالحرج والخجل.. و حصلت على جوائز و شاركت في تأسيس نادي الشعر و الأدب الدانمركي...و الحقيقة أنني أشعرُ بالرهبة أمام اللغة العربية , لأنها ببساطة لغة مقدسة و رائعة., يسهل عليها إكتشاف من يحاول خداعها..

 سليمان نزال, نصل إلى السؤال الكبير..لقد رأيناك في جولاتك و صولاتك و إنتقالاتك لمجالات متناقضة و متنوعة..من طالب يدرس الأدب الإنكليزي و العلوم السياسة في الجامعة اللبنانية..إلى كادر في صفوف المقاومة..إلى دراسة العلوم الإجتماعية في كوبا, إلى" زمن الإشتباك"..إلى طالب في كلية الطب في تشيكوسوفاكيا..إلى المقاومة..إلى الرحيل..ثم دراسات متعددة في فن الكتابة و الشعر و القصة و السيناريو و الحوار و اللغة في مدارس و معاهد دانمركية عُليا..و إذا كنا نصف أوسلو بالمغامرة السياسية, فإن جامعتها لم "تسلم" من مغامراتك فحصلت منها, في دراسة لاهثة.. على دبلوم في المسرح و الفلكلور ..إلى أين أنت ذاهب؟

 إلى المختصر الكياني..أرجو ذلك..في رحلة الرجوع إلى ثراها.."فأتخصص" في دراسة فن الصمت و التأمل..في المطر السيادي و ساعات الندى.. و لعلي في نهاية المطاف..أنتسبُ إلى "معهد" دراسة آثار الإنسحاب الصهيوني من كل أرضنا المحتلة.


مشاركة منتدى

  • صديقي الرائع سليمان /
    تحية متجددة ....

    وددت لو ما انتهت مقابلتك هنا ولا توقف صديقنا سعيد عند هذا الحد وليته استفاض ، تدهشني دوما أيها الجميل ومن حسن حظي أني وصلت إليها اليوم ، أقول لك سليمان تبقى (حنونة فلسطين ) يا جميل ، الدنماركية أو غيرها هي ليست أكثر من أوعية تنطق بذهب الجوهر يا صديقي وتثبت له صدقه وجماله ، رائع يا سليمان ..رائع .
    محبتي لك ...
    أ.ل

  • assalaam alaykom my teacher

    solaymaan alnazzaal
    wa eid mobarak

    يا شاعر واديب العرب

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى