الثلاثاء ٢٠ أيار (مايو) ٢٠٠٨
بقلم علي دهيني

مقاومة أم أحزاب..؟!

يلاحظ أن هناك سياقاً عاماً في الإعلام العربي بعد الأجنبي، وكله يعتمد ذات المصطلحات الصادرة عن مراكز التوجيه والتخطيط الإعلامي في الدوائر الأميركية بالدرجة الأولى والتي تختار بعد دراسة دقيقة لبعض المفردات بما يخدم الأهداف السياسية والترويج لها في كل العالم.

فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول المعروفة، هناك تركيز خاص على العالمين العربي والإسلامي، باختيار بعض المفردات التي تساعد وسائط الإعلام السياسي الأميركي. ومن هذه المفردات بداية كلمة "إرهاب" والتي يرفض الأميركيون إلى اليوم مناقشة تعريفها. وتليها كلمة "تداعيات". هاتان المفردتان لم تكونا تستعملان في المقال السياسي أو اللسانيات بشكل عام قبل أحداث أيلول/سبتمبر، واليوم بتنا نسمعهما في كل المجالات وبذات التعميم الذي يخدم السياسة الأميركية.

إنها التطبيعية الهادفة الى خلق نمطية سلوكية عادية مع اللسان والتفكير الأميركي، وبخاصة كلمة "إرهاب" باتت العبارة الغالبة في الحوارات حتى في الأفلام (الحديث عن لغة الأفلام سيكون له مجال خاص وبخاصة الواردة إلينا بغزارة في موضوعات معينة ليس مجال الحديث عنها هنا وللترجمة دور كبير في هذا).

لا شك أن إطلاق هذه الكلمات والمدروسة بعناية فائقة، يخدم كثيرا ما ترمي إليه المخططات الأميركية في حربها الباردة ـ إلى الآن ـ مع الإسلام منطلقة بداية في قضم القسم العربي منه بعدما حاولت ضربه آسيوياً كانطلاقة لهذه الحرب الطويلة ألأمد.
كي لا نتوسع أكثر في الموضوع فقط سوف أترك الإشارة إليه هنا كي يقيس القارىء انطلاقاً من هذا، كل ما استجد على لغته ومفرداته منذ خمس سنوات الى اليوم.

والخطير أن هذه المفردات جاهزة بشكل كامل لترافق أي ردة فعل واستغلالها من أي جهة معادية لأميركا فوراً بعدما وزعت جنودها الإعلاميين في كل الإتجاهات وبكل المراكز ذات الفاعلية القوية في هذا المجال، والباقون يقتدون بحكم التعميم النفسي والنمطية الطاغية.

وحين لا تجد الدوائر الأميركية مفردة جديدة يمكن إقحامها تعمد إلى إضافات لمفرداتها وتحريف أسماء ومصطلحات معتمدة ومعروفة، تبغي من ورائها تفكيك الصورة الذاكرية وتفتيت المفهوم الجامع.

مثال ذلك ما جرى مؤخراً في بيروت، وقبله في فلسطين، وبخاصة في موضوع المقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي، فعمدت في فلسطين إلى تفكيك المقاومة التي يشترك فيها كل الشعب الفلسطيني، وأدرجت أسماء الفصائل على أنها مقاومات مستقلة، بحيث فرقت بين المقاومة في حماس والمقاومة في فتح أو الجهاد الإسلامي أو الجبهة الشعبية، الى آخر ما هنالك من فصائل، ولم يعد من ذكر لمنظمة التحرير الفلسطينية كإطار يجمع كل الفصائل بعدما تمكنت دوائر الإستخبارات الأميركية، من تفكيك هذه المنظمة وخلق مناخات داخلية أفرزت حالات انقسام واستقلال للقيام بنشاط مقاوم على الساحة الفلسطينية.

هذا لم ينطبق على العراق من حيث الشكل، لأن المقاومة ولدت مباشرة مع الإحتلال الأميركي وكانت تجزئتها مرافقة لولادتها بفعل تأجيج النزاعات المذهبية ووقعت في الشرك المنصوب لها والذي عمل على تأسيسه قبل الهجوم كعامل مساعد للسيطرة على كل مقومات الدولة هناك.

في لبنان كان الوضع يختلف، فلبنان أنتج مقاومة تمكنت من التعامل مع الإحتلال بطريقة أفقدته السيطرة على الأمور وأوقعت به خسائر سياسية تفوق بكثير الخسائر العسكرية بحيث جعلته يعيد القراءة الاستراتيجية للأسس التي بنى عليها دولته، بالرغم من أنه حاول أن يستعيد زمام المبادرة التي فقدها في العام 2000 حين اضطر أن يخرج منهزماً في ليل معتم بفعل ضربات المقاومة الإسلامية في لبنان. فعاود الكرة في العام 2006 ليعيد ترتيب المنطقة بالطريقة التي أسس لها طوال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن من خلال عقد صلح منفرد مع بعض الدول العربية لم ينل منه سوى توقيع قادة إدارات الحكم ولم يتمكن من التواصل بأي شكل من الأشكال مع شعوب هذه الدول.

في حرب تموز التي عمدت إليها إسرائيل على المقاومة الإسلامية في لبنان، كان لا بد أن تهيء لها المناخات الإعلامية المناسبة، فكانت عبارة "حزب الله" هي البديل عن المقاومة الإسلامية، والغرض واضح بأنها تحاول أن تتجنب القول بأنها تحارب مقاومة إسلامية، والهدف الثاني كان التأكيد والإمعان في تغذية الشرخ المذهبي في الموضوع، أي إنها تحارب تنظيما أو حزباً شيعياً، وكأنها تريد بذلك أن تنزع صفة المقاومة والنضال من الشارع الإسلامي السني، مع العلم أن الصراع الذي تقوده ضد حماس في فلسطين ينافي هذا تماماً. وكل قارىء للحرف يعرف أن الصراع القائم اليوم في الشرق الأوسط هو صراع بين مشروعين: مشروع تسلطي هيمني يريد الإستيلاء على مقدرات الشعوب وثروات المنطقة وخاصة النفطية. ومشروع مناهض له هدفه التحرر من الهيمنة الأجنبية والحفاظ على ثروات البلاد واستثمارها لتحسين شعوب هذه الدول.

من هذه الزاوية تعمد الدوائر الأميركية الى تفكيك كل الطاقات الممانعة لمشروعها بمساعدة بعض دوائر الحكم القائمة في بعض البلدان العربية. وأعارت أنتباهها لمفردات اللسان بذات القوة التي أعارتها لقوتها العسكرية لأنها تعمل على المدى الطويل، وهذا يساعدها في خلق حالة ترسخ في الفهم العام وتنفي حالة الاستغراب.

ولأن المقاومة الإسلامية في لبنان تمكنت من تسجيل انتصارات مهمة واستراتيجية في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي، كان لا بد من القيام بكل الوسائل التي تساعد على ضربها من خلال انتزاع مقومات وعناصر قوتها بواسطة هيئات حاكمة أو بواسطة تعميم هويتها العقائدية من خلال نزع صفتها الشمولية كمقاومة إسلامية صرفة.

من هذه الوسائل ما حصل في بيروت مؤخراً من محاولة انتزاع جزء هام من أسلحتها كما جاء ذكره في تقرير لجنة فينوغراد من أن "أهم سلاح استعملته المقاومة الإسلامية في لبنان كان سلاح الإشارة"، أي سلاح الاتصالات الذي يربط غرفة العمليات العسكرية للمقاومة بكل المراكز التابعة لها. بمعنى أن هذا السلاح كما شرحه قائد المقاومة السيد حسن نصرالله، يشكل العصب الأساس في عمل المقاومة.

وجرى ما جرى جراء الإقدام على هذه المحاولة. وفيه تفاصيل سياسية لا أرغب الحديث عنها هنا، مع العلم أنها تحمل خلفيات خطيرة على مستوى الشارع العربي كله.!

اذن من المهم جداً أن نتنبّه لكل شيء ، كل شيء بالمطلق، يأتي إلينا نتيجة حدث أو أمر سياسي يتعلق بمصلحة أوطاننا، لأن الشعار الأول الذي رفع حين دخول الأميركيين إلى المنطقة بقوتهم العسكرية، كان " لا بد من تغيير (ولنؤكد على كلمة "تغيير") ثقافة المنطقة. والأهم مطلوب من الإعلاميين أنفسهم، بأن يدركوا حين أدراجهم لأي مفردة أين مصدرها، خاصة وان لغتنا من أغنى اللغات في العالم بمفرداتها واشتقاقاتها.

فقط أردت أن أسجل هذه الملاحظة لألفت النظر إلى أننا معرضون لمحاولات قتل كبيرة كل يوم وخاصة في ثقافتنا التي تؤسس لسياستنا. وللتأكيد لكل أبناء الأمة أن لا يذهبوا عميقاً في الانجرار وراء ما يدسه الأميركيون من سموم في موائد ذاكرتنا.

فالمقاومة في فلسطين والعراق ولبنان، والنضال الشعبي في مصر وفي الأردن وفي كل دولة عربية، ليس نضالاً يهدف لمكاسب مذهبية أو دينية إطلاقاً، إننا نعيش حالة صراع بين مشرعين استعماري ونضالي. وأولى مهمات الاستعمار الجديد هو القضاء على ثقافتنا، فحين يلهينا بالنزاعات المذهبية والعرقية والطائفية، لن يعود بإمكاننا أن ننتج ثقافة تبني لنا مستقبل أجيالنا وتؤسس لمجتمعاتنا العلمية والتكنولوجية وغير ذلك من انتاج الفكر ومقدرات العقل العربي.

ترى إذا خسرنا ثقافتنا، فماذا يبقى لنا أو عندنا.؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى