الثلاثاء ١١ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم محيي الدين الجابري

منفاك البحر . . منفاك الغواية . . .

هل كنت فوق النخل ؟
يا قمرا تفتح في مواسمنا وغاب
هل كنت فوق النخل مهجورا ومنسيا وممتحنا بعشقك
ترقب الشرفات
غفوتها وضحكتها وظل حكاية فيها وأغنية
هل كنت فوق النخل ساعة غازلتني في زوايا الصيف
نافذة ندية
هل كنت أنت
عطفت زاوية علينا
ونظرت في قلق إلينا
خبأتنا في الظل مرات ومرات ولما أن كبرنا
كنت فوق النخل مهجورا ومنسيا وكنا
ظلين منسيين في غابات وحشتنا القصية
 
هل كنت فوق النخل ساعة فاجأتني في مدى عينيك
قافية عصية
وجلست في ركن القصيدة متعبا ابكي
وحولي همهمات النوق
أفزعها هدير البحر فارتدت إلى الصحراء مثقلة بماء الورد
والعطر الذي هيأته للساكنين وراء موج البحر
وارتد النشيد :
برية الكلمات موحشة بعيدة
والروح تنهشها القصيدة . . .
وأنا أحدق في الفراغ
وافت ذاكرتي على وتدٍ
واصعد في ضباب البحر من سبب إلى سبب لأكتب َ
ثم اصعد في الدخان المر اصعد
جاحدا عينين نرجستين تحتفلان في الضوء المهشم عند زاوية الكلام
أعلى وأعلى ثم أعلى
جاحدا وجعي
وقلبي وهو يقفز في حقول الشمس والنوروز
من الق إلى الق
واصعد
ليس في شفتي إلا
شيء من الكلمات أحلى
الخارجون من النهار كما الذين توهموا بدء النهار
أعلى وأعلى ثم أعلى
حين تنهشك القصيدة لن ترى وطنا سواها
والمعابر تنتهي عند المعابر . . .
هكذا قال الغبار
ومضى يفتش في الممرات الكئيبة عن نوافذ ظل
يفتحها بقبضته الكبيرة وهو يسعل في الهواء
(( رطب هواء البحر))
قال . . . وعاد فافترش الحقائب مرة أخرى ونام
أعلى وأعلى كنت اصعد في الدخان المر
شاهدت النهايات القريبة والبعيدة للصباحات التي اشتعلت
على أكتافها الأبراج
وانكفأ الغريب وراء غربته يحدق في الفراغ
ويفت في طياته صور القبور
وشواهد الأسماء وهي تعلق الزمن المخاتل في الظلال
شاهدت آثار الرعاة على التلال
ورأيتهم يتعكزون على العصي بلا اكتراث
وحدي أنا
شاهدت قطعان الرعاة تلوك أطراف الغيوم
والأرض ترفع عند خط الأفق جبهتها وتنظر بارتياب
للصاعدين الهابطين على التلال
يعلقون على الهواء
أحلامهم حينا . . . فتنبحها كلابهم الهزيلة
وحدي أنا شاهدتهم يتطلعون إلى البعيد
لا شيء في الأفق المشوه غير آنية السكون
زرقاء من خزف تشممه كلابهم الهزيلةُ
والنهار هو النهار
أبدا يعد على أصابعه الشواهد والظلال
والمتعبين الخارجين من الخرافة والذين توهموا بدء الخرافة
والنخل والشرفات والغرف الكبيرة والصغيرة والملامح والوجوه
وقامة الرجل المسافر
والسكرتيرات , والجندي , والحراس منصرفين
تحت ثيابهم حشد من الأقمار والرغبات والتعب المكابر والنعاس
ما ينتهي لا ينتهي أبدا
ووجهك حين تكتمه المدينة مثل وجهك حين يعلنه الفراغ
وأنت بين نهايتين
صقيع ذاكرة البنفسج
واحتكاك القشر بالقشر
المرايا بالمرارات التي تطفو وترسب في ملامحك الكئيبة
ماذا عليك إذا رأيت النار أن تدنو وفحمتك الأخيرة في يديك
وما عليك
إذا مضى كل المحبين الذين عرفتهم وبقيت وحدك
تدنو وفحمتك الأخيرة في يديك
ومقلتيك
جد الخرافة
واستبق للنار المقدسة احتراقك
فالدكاك تساقطت عنها القرابين التي انطفأت
وفحمتك الأخيرة لم تكن عند اكتمال الحشد زهرته
ولم يكن الغناء ولا البخور ولا لهاث الراقصين
جد الخرافة
واصعد مع الحشد الكبير إلى الضراوة في الشفاه وفي العيون
إلى يواقيت الغواية
مخبوءة تحت النوافر من عروق التين والزهر المؤجل مثل موت
هل أنت إلا رغوة الكلمات والصلصال مغسولا
بأنفاس الشواهين
التي مرت بأفقك
فاحتفلت بكل ما صادفن فيك من الرنين
يا آخر المتنبئين
وآخر الرحالة المستكشفين
ويا نقيا كالحنين
يا موحشا مثل القبور
وعاريا مثل القبور
وباردا مثل انتماء القبر للقبر انتماؤك للمسافات التي
عضت خطاك ولونت بالخاثر العسلي من دمك الشفيف نهايتيها
ما عليك إذا تعبت من الحداء
أن تنحر النوق المسنة في الطريق إلى برسبوليس
خذ ناياتك السمراء
وانزل عن جذوع النخل والرايات عند الضفة الأخرى
من النهر الكبير إلى رماد آدمي في يديك
هي الغواية
والغوايات احتراق الظاعنين من الرمال إلى رماد في أكف الظاعنين
فما عليك
إذا قرأت النجم معكوسا
ولم تعرف خطاك المتعبات الشيح والقيصوم
قل :
آنست نارا فاقتربت
ولم أكن ادري الشمال من الجنوب
ووجه ليلى أو لقاح النخل مسفوحا على أردانها في الصبح
من هذا الهلام الراكض المرتج في حديه
زئبقه أضاء الروح فاشتعلت
ولم ادر الحنين من الحنين
آنست نارا فاقتربت
وكنت من بدو جنوبيين
تنشرهم وتطويهم على الصحراء من وجد أغانيهم
لياليهم حكايا عاشق يمضي
وآخر ساكن فيهم
سلاما يا أغاني البدو
لا قمر هنا تبكيه نخلته
ولا قلب ولا حجر
هلام راكض يرتج في حديه
زئبقه يرنُّ
فتوحش الطرقات والأشياء من حولي وانكسر
ويصعد بي الدخان المر
من سبب إلى سبب لأكتب جاحدا وجعي
وأقرأ جاحدا وجعي
وأعشق جاحدا وجعي
وقلبي وهو ينزف في حقول الشمس والنوروز
شاهدت النهايات القريبة والبعيدة لامتداد قوافل البدو المحبين
التفت فلم أجد إلا بعيرا شاردا في سبخة الكلمات
في قحط المسافة بين أن امشي إليكِ
وان أعيد الياسمين إلى قصاصاتي
وأبدو كلما لونتني بالحب إيقاعا رماديا يمرره البياض إلى البياض
أنا القصيدة
فادخليها
تسقط الكلمات عنقودا فعنقودا بكفيك اعصريها
واشربي نخبا على وجعي وآخر حين تصطف النياق أمام دهشتها
وينحسر المحيط عن النثار الآدمي عن
امتداد آخر للبدو في الأعماق
يفترشون رمل القاع من تعبٍ
وقد رفعوا الخيام وهيأوا للخيل
قبل الليل
مربطها ومعلفها
وناموا حالمين
هناك ناموا حالمين
وكان ليل البحر مثل مواسم المنفى البعيد بلا حكايا
أو أبوذيات
أو إيقاع امرأة تدور في العجين أنينها فجرا
وتنساه فيختمر الأنين
هناك ناموا حالمين
قلائد المرجان في أعناق صبيتهم
ولؤلؤة الحقيقة في الشفاه
أنا القصيدة
صوتهم في قاعها يرتد
في جدرانها تنمو ملامحهم مع الفسفور
ضحكهم يضيء . . .
ولونهم ينحل في الملح
ادخليها . . .
واتركي أبوابها للريح مشرعة . . . وللأشباح
والنوق المسنة . . . .
وانتظارك

إشارات :

1- القصيدة تتمثل غربة المنفيين العراقيين في الخارج ومعاناتهم التي تجسدت

كاملة في غرق سفينة اللاجئين العراقيين الهاربين من إيران على سواحل

استراليا أمام أنظار خفر السواحل الاستراليين دون أن يحركوا أو يحرك العالم كله ساكنا يومها .

2- برسبوليس عاصمة الحضارة الفارسية القديمة وفيها قصور الآبادانا الشهيرة آثارها اليوم في شيراز .

3- تمثل النار في القصيدة ما تختزنه الذاكرة الفارسية من بقايا التقديس بحسب

الديانة المجوسية .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى