الخميس ٢٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم أحمد الخميسي

من أطلق الرصاص على هند علام ..؟

لكي أشكره

السمة العامة للمسلسلات التلفزيونية المصرية في هذا العام هي انفصالها شكلا وموضوعا عن أية هموم حقيقية للناس . وحتى حين يحاول بعض كتابنا الجادين مثل يسري الجندي غزو التلفزيون بنص جيد مثل " من أطلق الرصاص على هند علام ؟ " فإن عقلية السوق ، والحدود المتدنية لثقافة الممثة، وهيمنة " النجم " وسطوته ، كل ذلك يفسد النص من حيث لا يتوقع المؤلف ويحوله إلي شيء آخر تماما غير وعكس ما أراده الكاتب. ووفقا لحديث يسري الجندي للصحف فإن الفكرة الرئيسية من المسلسل هي – أو كانت - طرح قضية البحث العلمي والجهود التي تبذل للحيلولة بيننا وبين استخدام الطاقة النووية والانتفاع بها. هذا الموضوع الجميل والهام يتحول على يدي نادية الجندي إلي شيء آخر تماما، إذ تصبح نجوميتها ، وملابسها، وعطورها، هي الموضوع الأول والأخير الذي يكرس له العمل. ومع أن مصر وصحافتها لم تعرف منذ ربع القرن تحقيقات صحفية " هزت مصر " حسب التعبير الوارد في المسلسل، إلا أن نادية الجندي الصحفية المرموقة في العمل أجرت تلك التحقيقات ! وهي ليست فقط صحفية لامعة، فهي لعلمك أم مثالية أيضا ، وعاشقة للوطن، ومشبعة بالقيم والمبادئ، وكذلك هي الزوجة المخلصة تبحث عن السر وراء مقتل أو اغتيال زوجها عالم الذرة المصري الدكتور عز ! أضف إلي ما سبق قلبها الحنون ودموعها ودلالها ثم صياحها الذي يفاجئ المتفرجين ويزلزل قلوبهم! وخلال بحث نادية عن سر مصرع زوجها يقوم المسلسل برش التوابل السياسية المألوفة فوق الوجبة التلفزيونية كالحديث عن فساد بعض أعضاء مجلس الشعب وعن رجال الأعمال الذين يجهضون أحلام الشباب بسطوتهم، والجهات الأجنبية التي تعرقل بحث هند علام عن الحقيقة. وفي المحصلة النهائية يقدم لنا المسلسل – ليس فكرة الكاتب التي حدثنا عنها – ولكن شخصية امرأة خارقة تواجه وحدها بعون الله الوضع المحلي والعالمي ! وكان من الممكن للمتفرج المسكين أن يبتلع هذه الشخصية السوبر، لأن المكتوب في التلفزيون لازم تشوفه العين ! أقول كان من الممكن حتى لهذه الشخصية أن تمر بقدر بسيط من تعاون المتفرج وتساهله ، لولا أن تركيز المسلسل لم يكن حتى على الشخصية الخارقة ، بل على ملابسها التي تتبدل كل لقطة ، وعلى طريقة سيرها ، ونظراتها، وكميات الأطعمة الخيالية من حيث الكم والنوع والملقاة في كل ركن ، والموائد الفاخرة ، والسيارات العظيمة ، وحمامات السباحة ، والشواطئ ، والفيلات ، بحيث نأى كل ذلك بشخصية هند علام عن أن تكون قريبة من حياة الناس ولو شكلا ، ولم يعد السؤال لدي المتفرج هو : من الذي يغتال علماء الذرة المصريين؟ بل أصبح السؤال: أيعقل أن تعيش زوجة عالم حياة مرفهة كتلك؟ وهل هناك في مصر من يحيا بهذا البذخ وسط الظروف المادية القاسية التي تعاني منها غالبية الناس وتتواصل في ظلها إضرابات الجوع بعمال غزل المحلة وعمال الضرائب وغيرهم؟

وأية حقيقة يمكن للسيدة هند علام أن تبحث عنها؟ وأي فساد تحاول تعريته وحياتها كلها قطعة من الفساد الرخو المشبع باللهو واللامبالاة؟

في روايته الشهيرة " الأمير الصغير " يقول الكاتب الفرنسي العظيم أنطوان دو سانت إكزيبوري : " لا تزهو على الناس الفقراء بثروتك ، ولا بعلمك على البسطاء " . وللأسف فقد تحول المسلسل المذكور من عرض قضية عامة إلي تباهي مستمر بالملابس والطعام والسيارات والفيلات والمطاعم الفاخرة بحيث لا يبقى للمتفرج سوى الشعور العميق بأن هوة شاسعة تفصله بحياته الصعبة عن تلك الصفوة التي لا تكتفي بترف ولهو حياتها الخالية من هم البحث عن الخبز، بل وتدعي علاوة على ذلك أنها المدافعة عن طموح المجتمع إلي التقدم! وتظل شخصية هند علام كما قدمها المسلسل غريبة تماما عن حياة وواقع الناس وظروفهم الاجتماعية. ومهما تناثرت من هند علام كلمات عن البحث العلمي، فإن المتفرج يرى أن الهم الأول لتلك المرأة – ليس القضايا العلمية – بل تبديل الملابس والصحو من النوم كل مرة بكامل زينتها ! ولهذا فإنه حين يطلق البعض الرصاص على شخصية النجمة المدللة، فإن المتفرج لا يشعر بأدنى تعاطف معها بل ويسأل نفسه : ترى من أطلق الرصاص على هند علام لكي أشكره؟

لكي أشكره

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى