الاثنين ٢١ شباط (فبراير) ٢٠٠٥
بقلم أشرف إدريس

من الذي سيفهم الورقة ؟

ثبتت عينيها القلقتين على باب المدرسة الذي بدأ في الإنفراج رويدا رويدا عن رؤوس سوداء صغيرة والتي بدأت في الركض مهللة لفرحها لإنتهاء يوم دراسي طويل ..

ها هو.. لمحته اخيرا وقد خرج كعادته كل يوم متاخراعن زملائه.. لم يكن محبوبا بينهم لذكائه المفرط في كل المواد..تقدم اليها بخطواته البطيئة واضعا كفيه في جيبيه وحقيبته وراء ظهره كما أكدت عليه صباح اليوم وكل صباح :

 "إياك وأن تخلعها.. مفهوم "
بينما كان يرد دوما : "وأنا لا أريدك أن تأتي لتأخذيني .. إلى متى سيستمر هذا الهراء ؟ "
سارا سويا دون كلام..
ثوان و سألته السؤال اليومي المعتاد:
" أكل شىء على ما يرام؟"
نظر إليها مبتسما في سماجة ولم يرد ليواصلا سيرهما دون أن يمسك يدها كما يفعل الأطفال من حولهم ..
عادت لتسأله في محاولة لأغاظته :

" هل أعطوك شهادة هذا الشهر ..حبيبي ؟" وأطلقت ضحكة ساخرة لم تستطع كتمانها..

نظر إليها شظرا وأولاها ظهره دون كلام لتفتح حقيبته ذات الرسومات الطفولية ..لقد اختارتها له رغم اعتراضه الشديد .لقد ظلا في نقاش ثلاث ليال متصلة. "سترتديها ".. "لن أفعل".. "بل ستفعل".. "لا" .. "بلى"
حتى وافق عليها بصعوبة..

صاحت باستنكاروعيناها تقفز الى خانة الترتيب مباشرة دون رؤية الدرجات : "المركز الثالث على الفصل !!!"
نطق اخيرا بنفاذ صبر:" هفف.. لابد ان أعطي غيري الفرصة كي لا يشكوا بالأمر.. لقد كرهني الجميع "

ردت بعدم اقتناع :" لقد فعلت هذا الشهر الماضي "
وأعادت وضعها في الحقيبة لامحة علبة سجائره محشورة بين الكتب..
تبرمت لذلك وهي تخطفها الى جيبها بجوار الورقة التي لا تفارقها وسألته:

وماذا عن مباراة الكرة في دوري الفصول ؟""
رد بفرح حقيقي كالأطفال : " سحقناهم 5-2 لقد احرزت أربعة أهداف "
ولوح بكفه المحمرة من أثر المواد الكيميائية الملونة التي يزخر بها معمله ..

قالت وهما يدلفان الى متجر البقالة الواسع :
" جيد.. لاتنس أن تدريب السباحة قد تم إلغاؤه اليوم "
رد : " هفف .. إنها المرة العاشرة التي .."
قطعت كلامه لتهمس: " إنها جاراتنا، إياك وأن تقبلها أو حتى تكلمها تظاهر بــ .. "
لم يمهلها لتكمل ما تقول بل هرع إلى المرأة الفاتنة واحتضنها ملقيا على وجهها قبلات كثيرة باماكن عدة .. وهي تضحك بصوت عال قائلة:
" كفى .. كفى "

قبلت المرأة وهي تقول : "ابن أخيك هذا شقي .. عفريت..متى سيعود أبواه من السفر؟"
ردت بجفاء : "لا أدري ربماعدت شهور "
وشرعت في دفع سيارة المشتريات بما يوحي بأنها لاتود الاستمرار في الحوارلأكثر من ذلك..
قال وهو يملأ السيارة بعلب الشيكولاتة والحلويات :
" مع السلامة يا (طنط) ..دعينا نراك من آن لأخر "
تلقى دفعة قوية في ظهره.. كاد أن يسقط .. أمسك بكفيه الصغيرتين في العربة بقوة .. تماسك و هتف :
"ماذا ..؟"

ردت :"سأريك"

وأخذت تملأ باقي السيارة بعبوات الحليب ..نظرت إلى علب الشيكولاتة وقالت: "تذكر ، أنت الذي سيدفع ثمنها"

نظر إلى عينيها بثبات وأخرج ورقة مالية كبيرة وألقاها في العربة قائلا:
"وأنت التي ستدفعين لسائق الأجرة اليوم .. إنه دورك ؟"
.. وأخرج لها لسانه الصغير لأغاظتها..
وصلا إلي البيت ألقى كل منهم حقيبته بأهمال .. أنطلق إلى معمله ، بينما اتجهت الى المطبخ، صاح بصوت جهوري :
" احضري لي فنجانا من ( الزفت) بدون شطائر ولا كوب ماء"
اقتربت منها قطتها وهي تموء في نعومة..
"حبيبتي .. لقد تركت جائعة طوال اليوم.. لقد أحضرت لك حليبك الذي تحبيه"

كانت تشعر مؤخرا أن تجاربه التي يجريها أثرت عليها وعلى القطة..
دقائق وتوجهت إليه مسرعة حاملة صينية عليها فنجانا من القهوة وكوب ماء وبعض الشطائر ، وضعتها أمامه على الطاولة المزدحمة لتخرج كعادتها دون كلام..
صاح وهو ينظر الى الصينية قبل ان تغلق الباب :
" لا ازعاااااج ،ابعثي لشراء ماكينة حلاقة ةةة ةةة ااا "
ردت بعصبية :" حاضر .. حاضر "
اعترفت من داخلها وصدى صوته يتردد بقوة داخلها بأنها لازالت تخشاه رغم كونه صغيرا لا يقدر على شيء ، ودت لو ارتمت في احضانه معتذرة له عما فعلته وما زالت تفعله .. تخريب تجاربه.. إخفاء الورقة التي يتمنى العثور عليها.. عدم السماح له بالنوم معها في فراش واحد .. والكثير الكثير..

من بعيد سمعته وهو يردد :"زفت .. زفت"..

هكذا يردد طوال الليل..

مواء القطة ثانية ..

قالت وهي تحملها وقد بدت ثقيلة كالبطيخة لازدياد وزنها كل يوم :
"دعينا منه .. هيا سأعد لك وجبة رائعة ..من الحليب والخبز "
قرب حلول الليل خرج من معمله وهو يصيح بهياج :
"أخيرا .. لقد ركبت العقار.. ركبته .. ركبته"
انتفضت من الأريكة ملقية القط على الأرض وصاحت : "حقا"
اقترب منها ممسكا كتفيها وقال "نعم ، لقد حقنت نفسي به منذ دقائق"
ارتاعت قائلة بتحشرج : " دون أن تريني المعادلات"
كانت مضطربة تشعر بالحزن والفرح في آن واحد..

رد بثقة : "نعم .. أخيرا ..أشعر برغبة في تنفس شيء من الهواء المنعش بدلا من هذه الروائح الكريهة.. سأخرج وحدي للسير قليلا "
ومد يده إلى كيسه الملقى وأخذ بضعة ألواح من الشيكولاتة ..
شعرت باللطمة من أثر كلامه أنه لا مجال ليخرجا سويا..
قالت متجهة إلى معمله للأطمئنان على ما فعله : "وأنا كذلك سأخرج لشراء بعض الحاجيات ، ألن تقوم بعمل فروضك المدرسية ؟"
لم يرد عليها مغلقا الباب في قوة ..ليفتحه ويغلقه بقوة أكبر..
فكر في الذهاب إلى الحديقة المجاورة ليستريح بها بعض الوقت ليلاحظ أية تأثيرات تحدث عليه ..

هبط حيث مدخل العمارة ، وجد جارته الشابة الفاتنة .. ما أن رأته حتى أشرق وجهها بابتسامة فاتنة وهي تقول : "اهلاااا ... إلى أين انت ذاهب؟"

وقبلته يمنة ويسرى.. إلا أنه قبلها أربع أو خمس قبلات حتى قالت له ككل مرة:

" كفى .. كفى "

رد بخبث :" لا شيء"

أمسكته من يده وهي تتجه به إلى المصعد قائلة :
" إذن تعال معي ، لتلعب مع كلبي الجديد "
كان يحب الجلوس معها.. والحديث إليها .. وتمنى في يوم من الأيام لو تزوجها

دلفا حيث شقتها الأنيقة.. بدأ يشعر بتفاعلات تحدث بداخله.. ما أن رأه الكلب حتى بدأ في النباح بصوت عال .. هجم عليه.. عبثا حاول اغرائه بالشيكولاتة التي معه.. عضه بقوة في يده.. نهرته وهي تصيح في خوف :
"ابتعد عنه .. أتركه"
وقذفته بحذائها .. هرعت إليه ناظرة إلى معصمه وقد أصيب وثمة نزيف مستمر بلا انقطاع.. صاحت وقفزت إلى أعلى وهي لاتدري ما تفعل.. هتف بها:
"أحضري مطهر"..

أسرعت ملبية طلبه وقد أنزوى الكلب في الركن بادءا في النحيب..
عادت حاملة حقيبة إسعاف صغيرة فتحتها بعنف لتتبعثر محتواياتها على الأرض

قال لها:
 "لا بأس .. لاتنزعجي .. إنه جرح سطحي .." ..
وأخذ يتابع رقتها في تعاملها مع الجرح .. ضمضته كأحسن ما يكون..
بدأ يشعر بالأعياء من أثر العقار وبرغبة ملحة في الراحة.. قال لها وهويقوم من مكانه متجها صوب الباب:
" سأنصرف الآن ، لا داعي لأخبارها.. مفهوم "
ولوى عنقه إلى أعلى بشكل واضح ..

هتفت برقة ذكرته بملكات الإغراء : " معقول .. هل ستنصرف بهذا الشكل ؟"

رد بتوتر : "سأ.. سأخبر.. سأخبرها أني سقطنا .. سقطت.. من على النافذة .. أعني ..الدراجة "..
وأغلق الباب قبل أن يتهورعازما قضاء الليل بالحديقة ..
قرب الفجردخل المنزل وأغلق الباب بقوة ملقيا سلسلة مفاتيحه الضخمة على المائدة الزجاجية قرب المدخل لتصدر صوت مزعج .. اتجه إلى غرفة نومه رامقا الجسد الممدد أسفل الغطاء .. كانت متأكد من استيقاظها ..مواء القط الخائف من اسفل الغطاء أكد له ذلك فثمة يد ترتب عليه على ما هو واضح من الإنبعاج المتحرك في رتابة..
اتجه إلى معمله شاعرا بالألام وقد أنتشرت في أنحاء جسده.. شمر عن ساعديه
ليبدأ العمل من جديد .. فعلى ما يبدو أن العقار به خطأ ما ..
توقف عن التفكير.. وتشمم الهواء بقوة .. رائحة عطرها تملأ المعمل بشكل كثيف لم يعهده من قبل زمجر بغضب متجها إلى الغرفة.. أقتحمها بدوي بصياح : " هل زورت مفتاح المعمل ؟ "

ردت بخوف وهي تزيح الغطاء :
" لقد كنت أطمئن على ما تفعل فقط .. كيف حالك الأن ؟"
القط يموء في توتر ويهرب إلى خارج الغرفة مع اقترابه من السرير..أضاء الأباجورة المجاورة للسرير ..

مع اقترابه شعرت أنها لا تطيقه وتكرهه .. بل وتخا ف منه على نحو لم تعهده من قبل ..

قال لها وهو يتشمم الهواء المعبأ برائحة القطط : "أنا أكرهك ولا أريدك في حياتي .. لقد عبثت بالمعمل بعد انصرافي .. أليس كذلك ؟ "
ردت لأغاظته : " نعم ، لقد جربت العقار.. حقنت نفسي بالقليل منه "
"عليك اللعنة .. أنت فضولية كالقط "
"وعليك ألف أخرى .. وأنت كريه كالكلب .. ما هذا الشعر الذي يغطي ساعديك"
نظر إلى ساعديه حيث شعر كثيف بدأ في الأنتشار..لم يهتم بل نظر إليها قائلا :
" وأنت ما هذا الشارب الذي نبت أسفل أنفك.. هيا أخرجي من المنزل ..جررر"
قامت من السرير برشاقة واتجهت إلى الثلاجة لتفتحها مخرجة علب الحليب المتراصة لتأخذها معها..
صاح : "خذي معك هذا القط الممل وإلا أكلت عنقه"
ردت وهي تحتضن القط الخائف وقد بات بحجم النعجة وقد اكتسب وجهه ملامح أنثوية جميلة للغاية :
" بالطبع سأخذه وهل سأتركه معك أيها .. أيها الحيوان"
جرى وراءها ليضربها ويعضها إلا أنها راوغته بمهارة لتفلت منه هاربة من المنزل في سرعة..

بدأ يشعر بالخدرالذي ينتشرفي سرعة بانحاء جسده المختلفة..توجه إلى سريره الذي حرمته منه لليال كثيرة ، نام لمدة يومين كاملين دون أن يشعر .

استيقظ بغتة فاتحا عينيه .. الموجودات من حوله تبدو بألوان جديدة لم يرى مثلها من قبل .. حاول الكلام إلا أن الصوت صدر منه كنباح الكلب بصوت عال .. تعجب لذلك ..قفز من السرير ليقفز أمام المرأة في جنون وهو يفكر : " ما هذا الكلب ؟ أين أنا؟ ماذا جرى ؟.. ماذا حدث ؟لا يمكن أن يحدث هذا لابد أنه حلم سخيف "

أخذ يروح ويجيء في الشقة باحثا عن حل .. توجه إلى معمله عساه أن يصل لحل أخذ يدور حول نفسه كالمجنون ليعض ذيله عساه أن يستيقظ .. عض ذيله لينبح في ألم .. توقف ليلهث في عمق ثم قفز على المقعد وراء النافذة .. دقائق ثم شرع في النباح والقفز إلى أعلى في جنون فقد رأى شاب يافع يشبهه في صباه ومعه كلبة جميلة ركباالسيارة وهو يداعبها في شعرها تشمم الهواء في عمق وقد أيقن أنه هو نفس الكلب الذي عضه ، وأنها الكلبة هي جارته الحسناء .. أخذ ينبح وينبح وتوجه إلى باب الشقة محاولا فتحه بالقفز على مقبضه ثم تذكر وجود فتحة مخصصة للقط .. كاد أن ينحشر بها أثناء خروجه.. هبط على السلم في جنون محاولا اللحاق بهما ..عند المدخل فوجىء بأمراة جميلة تحمل قطة جميلة بين ذراعيها ما أن رأته القطة حتى قفزت من بين ذ راعيها هاربة .. فسر الأمر على الفور ، إنها هي بلا شك .. أما المرأة فهي قطتها التي تحولت إلى امرأة جميلة , أخذ يجري وراءها في الشارع والناس تنظر إليهم باسمة .. توقفت أخيرا لتواجهه في تحد .. تحفز للأنقضاض عليها قائلا :

" جرر .. انظري ماذا حدث لنا ؟"
هي :" إنه عقارك الذي فعل بنا هذا "
هو : " لقد كنت دائمة العبث بتجاربي..أنت السبب.. لقد خبئت عني الورقة "

شعر برغبة ملحة في عضها والفتك بها .. دارا حول بعضهما وهما يصدران أصوات الوعيد راوغته وأنقضت عليه في سرعة لتلطمه بكفها في وجهه لتهرب في سرعة ،أخذ يجري وراءها لكنها سرعان ما أختفت أسفل إحدى السيارات الواقفة ، يئس من محاولاته وقفل عائدا إلى بيته ليحاول الوصول إلى حل .. بدأ يشعر بتبلد بدأ يلف عقله وأحاسيسه.. شاهد كلبة جميلة تعبث بمحتويات صندوق القمامة على الناصية الأخرى فكر في العبور إليها ومغازلتها واللهو معها ..أرتضمت أنفه برائحة عظم قريبة.. تتبعها حتى وجدها أسفل احدى السيارات .. نظر حوله ليتأكد من عدم رؤية أحد الجيران له ثم جلس يأكلها في استمتاع تام ..

على مسافة كانت تتابعه القطة وقد بدأت في الشعور بميل لصيد الفئران ..واللهو بكرات الصوف .. ابتعدت وهي تفكر بآخر ما جاد به عقلها البشري
" إذا تحول الرجال إلى كلاب.. وتحولت النساء إلى قطط .. فمن الذي سيفهم الورقة؟ .. من الذي سيركب العقار؟"

لمحت فأرا صغيرا يجري مختبئا منها تبعته في سرعة وهي تتمتم لنفسها في حسرة على ما صارت إليه :
" بهذه الطريقة ..أشك في قدرتك على تركيب العقار.. يا زوجي العزيز !! "


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى