الثلاثاء ١١ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦
بقلم محمد رشيد ناصر ذوق

من زمن هدم الاصنام الى زمن هدم الخرافة الاسطورية :

عفوا سيداتي و سادتي قارئي الاساطير و الخرافات ، مبتدعي الالهات و القاصين علينا بطولات مردوخ ، و اشور ، و جلجامش . يا من كتبتم الشعر و الملاحم ناسجين على منوالها ، عفوا عفوا .... ان ما اقدمه لكم اليوم هو زمن هدم الخرافة.

آلاف السنين مرت على رسالة ابراهيم الخليل الى قومه ((وَ لَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَ كُنَّا بِهِ عَالِمِينَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَ آبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَ أَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ )) – قرآن كريم
و الفرق بين هذا الزمان و ذلك الزمان ، انه لم يعد الناس يعبدون الاصنام وإنما تتملك عقولهم و نفوسهم روح الاسطورة الخرافية، فينكبون عليها يسلون بها انفسهم و يجعلون منها قصصا يأخذون من مضمونها الحكمة !!!! و القانون!!!! ، وهذا ينطبق على الكثيرين من جميع الطبقات ، من المثقفبن الى حاملي الدرجات العلمية الى الذين لا يعرفون القراءة و الكتابة .

ألاف السنين مرت على كتابة الملحمات الاسطورية في مصر و بلاد الرافدين دجلة ( جدلة - جدولة ) و الفرات ، و في بلاد الشام و الاغريق ، تلك السنين لم تستطع ان تنزع من عقول الانسان ما علق فيها من خيال و خرافة ووثنية، و بالاخص بعد أن اتحفنا المستشرقون إبتداء من القرن التاسع عشر بتحليلهم للتاريخ ، فنراها في القرن الواحد و العشرين رجعت لتمتلك الباب و عقول الكثيرين ممن يدعون الثقافة و يتشدقون بالعلم، بل و تنشغل الجامعات العلمية بإخراج هذه القصص الخرافية مخرج الابحاث العلمية حتى ملأت الكتب و المواقع على شبكة المعلومات.

في القرن التاسع عشر ، جاء الى بلاد الشرق ، عدد من المستشرقين وقاموا بدراسة تاريخ المنطقة ، نبشوا القبور و اكتشفوا الالواح الحجرية و اعادوا رسم معالم الحضارات القديمة ، و لكن و للاسف الشديد جاء رسمهم لهذه الحضارات بشكل مبتور و مشوه ، فشوهوا عقول الباحثين و ادخلوا الى الجامعات العلمية قصص الخيال و خرافة تعدد الالهة و نسجوا في نفوس المؤرخين في العصور الحديثة شغفا الى تحليل هذه الحضارات فجاءت هذه التحاليل قصصا و خيالا و مادة خصبة لكل من اراد ان يكتب الفانتازيا في العصر الحديث.
وعندما نسج الكتاب و الشعراء على منوالهم ، اتونا يحملون شعرهم المرسل وجملهم المتينة ، بما فيها من العبارات التي تأخذ الالباب ، (( الشمس تشربني !!!)) و (( تسمع شفتاي و ترى اذني الصوت!!!!))، فلم تعد الصورة المشرقة تظهر في عقل القارئ و لم يعد للمنطق السليم مكان،بل اصبحت صورا تتسم بالغرابة و الدهشة وهذا الذي جعل الكثيرين يستحسنون مثل هذا النسيج ، فبات خير الكلام في عصرهم ما قل و تاه وأضاع ، بعد أن كان في العصور الماضية خير الكلام ما قل و دل .

ها أنا استعرض لكم بعض ما علق في اذهان الناس من الاساطير و الخرافات دون تعليق ، إذ يكفي تعليقا عليها النص الكامل للوح الاول من ( ملحمة الخليقة البابلية – سطور بدء التكوين باللغة العربية) – الذي نشرته في اول نيسان في مجلة ديوان العرب ليكون ردي على ما سيتقدم ، و لم يكن ما نشرته في الاول من نيسان الا اشارة الى المعنى الحقيقي من عيد ( اكيتو ) الاشوري .
وقبل ان نستعرض ما يقوله الباحثون عن هذه الاساطير و الالواح لا بد من توضيح لبعض الاسماء التي ترد في ابحاثهم لكي يستقيم معناها و يظهر الهدف من تسميتها .

ما هو اكيتو :

اكيتو ، هي كلمة عربية من مصدر الوقت ، فيقال اقت و وقت ، لذلك كان هذا الاسم هو عيد بداية السنة الاشورية ( التوقيت ) .

أما مارجرجيوس ، أو ما نسميه في التراث ايضا الخضر ، فهو اسم يتألف من مقاطع مرج – جرجير- ذي ، و الجرجير هو النبات الاخضر اللون .

و عشتار ـ هي عيشة الارض ، وتمثل في الاساطير النبات و دورة الطبيعة.

ذيوسوترا – البابلي – الذي هو النسخة المطابقة لنوح ، فمعناه ذو-سطرا – صاحب السطور و كتاب الوحي ، و يسمونه في في سومر – أوتمبشتم – و تصحيحها – اوتا نابا شت يم ، فهو عطاء نبي ماء الشتاء ...... الخ.
انوما- ايليش ، او عندما في العلى ، نرى ان كلمة انوما –عندما ، وان كلمة إيليش هي علو وعلا .

ان ملحمة الخليقة ( عندما في العلى ) لا تتحدث عن آلهة تتصارع فيما بينها ، أو تنزل الى الارض لتقتل التنين ، انما تتحدث عن بداية تشكل الكون ، بمادته الكونية من نواة و بروتون و الكترون و اقمار و شموس ، وصولا الى مردوك – البطل – الذي يتمثل في الحقل الكهرومغنايسي المنبثق عن تفاعل المادة الاولى للكون و الذي تسميه ملحمة الخليقة البابلية مردوك – المرج ، و تسميه الاسطورة الاشورية – اشور – الشرارة .
لكن الخرافة التي تمتلك عقول الباحثين و المثقفين في العصر الحديث ما تزال تمدهم بالقصص و التخيلات و اختراع البطولات ، و التفاخر بأن هؤلاء الذين كتبوا عن الابطال الاسطوريون ( اجدادنا ) هم الذين انتجوا الادب الديني!! في بلاد الشرق.

هذا بعض ما يقوله المثقفون و المؤرخون عن هذه الاساطير!!!!!! :
(( آكيتو، رأس السنة الآشورية ))
نحتفل بعد أيام قليلة بعيد رأس السنة الآشورية البابلية السريانية في الأول من نيسان و التي تمثل أول تقسيم زمني منذ القديم حتى اليوم في بلاد آشور المعروفة باسم "ما بين النهرين" ( أي ما بين دجلة والفرات)، انطلقت الحضارة الأولى في البشرية، وولّدت فكراً ثقافيّاً متكاملاً ساعد على بناء الأسس العلمية والدينية لكافة الحضارات. وبابل التي ستأخذ حصّة كبيرة من الأسطر التالية، ما هي إلاّ مدينة آشورية كما يؤكّد المؤرّخ الإغريقي هيرودوت حين يقول : "بعدَ أن سيطر كورش الفارسي على بقاع واسعة، قرّر احتلال آشور حيث المدن العظيمة وكانت "بابل" أقواها وأكثرها شهرةً، وقد انتقل إليها كرسي الحكم بعد سقوط نينوى...". !!!!!!!

ولو تعمّقنا في حضارة بلاد آشور، لوجدناها أوّل من وحّدت الإله الخالق، الغير منظور وعظيم كلّ الآلهة، لكن تحت اسم مختلف كلّ مرّة، حيث نجد الإله إنليل السومري الذي قتل تنين البحار ليحلّ السلام في الكون، ثم مردوخ أو آشور في بابل ونينوى، وانتقلت الفكرة إلى الشعوب المجاورة حيث الإلهة "عناة" حبيبة "بعل" عند الفينيقيين قتلت التنين في ملحمة الخلق الكنعانية وحتى يهوا عند العبرانيين هو البطل الذي قتل التنين في أسطورة التوراة ( إشعيا 27: 1- إشعيا 9:51 - المزامير: 11:74/ 13 و11:89) كلّ تلك الآلهة التي قتلت تنين الشر في الأساطير، كانت لتعبّر عن الإله "الأعظم"، الذي سيأخذ اسما في كلّ مرحلة لينتهي بعبارة "الله" في ما بعد الميلاد (من إيل)، الذي بقوّته أيضاً سيموت التنين على يد القدّيس مار جرجس الشهيد، وحتى على يد القديس مار زيا (زيعا) شفيع الآشوريين المسيحيين اليوم.

ونلاحظ دائماً في دراسة ديانة بلاد آشور أنّ هنالك تعدّداً للآلهة كون الإنسان قدّس في البدء كل ما هو مخيف، واعتبر كلّ حركة في الطبيعة والحياة، كأداة بيد إله من الآلهة، فعند جفاف المواسم كان الشعب يصلي إلى إله الخصب وإله الرعد، وعندما كان الملك يحتار في أمره كان يلجأ إلى إله الحكمة، وذلك نتيجة تفاعل الإنسان مع محيطه، ولكن كلّ هذه الآلهة كانت في المرتبة الثانية من الإلوهية بحيث احتل الأولويّة سيد الآلهة، ملك الكون ومثالاً على ذلك صلاة الملك " آتور ناطر ابري الثاني" (آشور نصربال- 900 ق.م) إلى الإله آشور بحيث لو بدَلنا في نص الصلاة عبارة "آشور" بعبارة "الله"، لما وجدنا فرقاً بينها وبين صلوات اليوم في الكنائس((

. ((ملحمة "إينوما إيليش" – الألواح السبع والقليل من الشعوب المجاورة لوطن الآشوريين، يعرف عن الأوّل من نيسان وقيمته التراثية- القومية لدى الشعب الآشوري، وخلفياته الفلسفية للإنسانية جمعاء، ولكن بشكل عام يعتبر شهر نيسان بالنسبة للآشوريين اليوم، الشهر المبارك من الرب تماماً كما كان يعتبر منذ آلاف السنين، حيث كان الاعتقاد السائد أن سبب انبعاث الطبيعة في نيسان هو نزول سيّد الآلهة إلى الأرض وتعاركه مع الآلهة الشرّيرة ثم انتصاره عليها، وزواجه من الإلهة عشتار(آلهة الخصب)، فانبعاث الحياة المتمثلة ببداية الربيع، وقد سُمّيَ هذا العيد بالسومرية " آكيتي زيغوركو" أماّ بالآشورية فكان يسمّى "ريش- شاتين" أي رأس السنة... وعلمياً يعتبر اليوم شهر نيسان البداية الحقيقيّة لدورة الحياة الطبيعية على الأرض كونه في نيسان تبدأ الطبيعة بالتجدد والانبعاث، وليس في كانون الثاني.

وفي المدن الآشورية (بابل، نينوى وباقي المدن...)، اعتبرت ملحمة "إينوما إيليش"(عندما في العُلى)، التلاوة الطقسية المُجَسِّدة لخلود سيّد الآلهة، وبداية الحياة والهدف منها، وهي من أقدم الأساطير الملحمية في التاريخ، وكانت تُتلى في معبد الإله مردوخ (إيساغيلا = البيت الشامخ) في اليوم الرابع من "آكيتو" (احتفالات رأس السنة الآشورية في بابل) التي كانت تدوم طوال إثني عشر يوما بعد ليلة استواء الليل بالنهار (تصادف بين 19 و 21 آذار)

باختصار، تتحدّث مقدّمة "إينوما إيليش" في اللوحة الأولى، عن البدء في الجيل الأوّل حينما كانت الأرض معدومة لا اسم لها، حيث كان الكون يتألف من العنصر الذكر؛ إله المياه العذبة "آبسو" والعنصر الأنثى؛ إلهة المياه المالحة "تيامات"، و"ممّو" إله السحاب الذي يرفرف بينهما (لاحظ التطابق مع سفر التكوين في اليوم الأوّل 1: 1-2) ثم في الجيل السادس، الإله مردوخ ( "آشور" عند آشوريي نينوى ) الذي يخلق "لالو" (الإنسان) ليخدم الآلهة فتستريح في الجيل السابع (تماماً كما خلق الله الإنسان في اليوم السادس، واستراح في اليوم السابع - سفر التكوين2:2-3). وتتلخّص قصّة الخلق في أنّ الإلهة تيامات التي على شكل التنين "هابور" السابح في البحار، كانت تنوي التخلّص من أحفادها المزعجين لتنعم بالراحة مع زوجها آبسو، فأتت بالوحوش المخيفة استعداداً للمعركة، عندها يأتي مردوخ (آشور) ويتعارك معها و ينتهي ذلك بانتصار الإله مردوخ ليشطر المياه تيامات إلى قسمين، فيصنع من القسم الأوّل السماء حيث يخلق النجوم والكواكب، ومن القسم الثاني الأرض حيث يخلق الحيوانات والنباتات، ( كما سيحصل في التوراة، تكوين:1: 6 حيث يفصل الله بين مياه ومياه ويصنع السماء والأرض) وبعد أن ينتهي مردوخ من خلق كلّ ذلك، سيخلق زوجاً من الإنسان بواسطة الدّم والطين(!).. وسيبني بيتاً له في بابل ليستريح فيه كلّما نزل إلى الأرض في نيسان (تماماً كما سيبني ربّ الجنود فيما بعد، بيتاً له في اسرائيل، صموئيل الثاني: 1:7-17- وعبارة "خيمة الآلهة" نجدها في ملحمة جلجامش البابلية التي اقتبست منها نفس قصّة طوفان التوراة بشخصية " نوح" بعد " زيوسودرا" البابلي و "أوتمبشتم" السومري).

إن السومريين ( الشمريين) و البابليين و الاشوريين و المصريين لم يسطروا ملحمات الخرافة حيث الالهة تتصارع و الجان تقاتل ، بل كتبوا تحليلا علميا للكون و الطبيعة فكانت ملحماتهم سجلا علميا لما إعتقدوه ( راجع المقال الذي يحمل اسم ملحمة الخليقة البابلية- في مجلة ديوان العرب) .

بمقارنة موضوعية و عقلانية و منطقية لهذه النصوص، و بعد دراستها دراسة معمقة على انها كتبت بلغة عربية قديمة، وان شخصياتها تحمل اسماء عربية ، نستطيع ان نتلمس الطريق الى هدم الخرافة من تراثنا و بناء الحقيقة العلمية التي كان اجدادنا القدماء يمتلكونها و يشيدون منها بنيتهم الذهنية و يقيمون عليها حضارتهم التي فقدناها منذ زمن انتشار الخرافة، أما السبيل الى ذلك فهو بناء العقل الانساني على الاساس الصلب الذي خلقه الله تعالى لأداة العقل و الفهم فقال (( إنا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )) ، فكانت هذه اللغة العربية هي البوصلة التي تؤشر الى قطب الحقيقة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى