السبت ١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٥
بقلم محمد نديم علي

من هنا مروا جميعا

من هنا مرت جموع السالكين على الدروب:

العاشقون.. وزمرة المغامرين،

والقوافل واللصوص.. والعسس.

والتائهون الباحثون عن السراب بلا أمل.

والمضحكون وجوقة الحواة والغجر.

من هنا مروا جميعا.. من هنا

وأنا يمزقني الضجر

من هنا مروا جميعا

غير أن القلب ما انطوى على نبض له معنى لمن رأى.

حتى أحاديث من مروا جميعا من هنا

لا شئ منها في الضمير قد استقر

من هنا مروا جميعا.. من هنا

وأنا المضيع فوق أرصفة الحنين

أفتش عنك تحت أحجار الصباح

وبين أشواك الليالي الكالحات

وفي البحار وفي المحار وبين أمواج البشر.

من هنا مروا جميعا.. من هنا

وأنا المعنى بالرؤى.. أحلام قلبي في الهوى

( أحلام قلب مشرق بالنور.. مشرع الأبواب.. للعشق المقدس للجوي)

أبدا تشع.. ولا تذوب

أبدا تفتق الأزهار.. لكن لا تذوب

أبدا تطهر الآفاق.. لكن لا تذوب.. سيل من الأشواق منهمر.

من هنا مروا جميعا.. من هنا

ما خلفوا غير الأسى.. وبعض من حكايات معادة.. وألحان رتيبة.. وشهوة عابرة.

ما خلفوا شيئا له معنى.. ما خلفوا سوى الفراغ والعدم.

لكنها لما أتت.. أشعلت في القلب موسيقى.. وبهجة في النفس تسري كالرحيق

ونشوة كنشوة الأرض اليباب إذا يعانقها المطر.

من هنا مروا جميعا.. من هنا

الضاحكون إذا بكيت.. والذابحون إذا وقعت..

والذين إذا شكوت الدهر.. عنك تغافلوا

وإذا غفوت.. تقاتلوا على ما قد تبقى في يديك.

الراقصون على حطامك إذ حصانك ينكسر.

من هنا مروا جميعا.. من هنا

ما خلفوا لي زهرة بها أريج

لكنها مرت.. ولا زالت هنا..

صوتها: (يا رنة الألماس والأمل البهي.)

وكفها: (يا رعشة الحناء في الكف الرقيق)

وعطرها: يا نفحة الريحان والبخور في سكينة السحر.

من هنا مروا جميعا.. من هنا

ما خلفوا غير الحطام.. وبعثروا منظومة الأشياء من حولي..

لكنها لما أتت.. في البيت عيدا أنبتت...

هنا (تشيل)، هنا (تضع)..

هنا تنسق الزهور.. هناك تهمس للقلائد والخرز..

وهنا تصفف المقاعد والقدور.

وتعيد ترتيب الأباريق الجميلة ها هنا.

لتزين الأركان والزوايا..وهناك تنثر العطور

وإذا، بحب يستبين بمقلتي، رمقتها،كانت تضئ.. وتبتسم

وتسبل الجفون من حياء وخفر.

من هنا مروا جميعا.. من هنا

لكنهم ما خلفوا غير الأسى

والقحط.. وانطفاء الأمنيات

غير أنها أتت.. في الروح روحا أينعت..

صارت أريجا في كياني..

إذ همت كالطيف في زمن الضجيج..

تألقت في التيه أجمل واحة.. تزينت فأثمرت ماء وتمر.

من هنا مروا جميعا.. من هنا..

من زين الأنحاء في حزني..

ومن لطخ الجدران في عرسي..

ومن أشعل النيران في كوخي وفي غرسي..

وداس أعناق الزهر

وأنا أهيم على دروب العاشقين

أجوب.. أبحث عن (أنا)

في الليل أشرق وجهها

أمسكت عن دمع حزين هدني

عانقتها في القلب قلبا غامرا

فإذا دموعي تنهمر

من هنا مروا جميعا.. من هنا

ما خلفوا غير الجحود يعضني

ما خلفوا سوى الظلام والكدر.

لكنها لما أتت كانت صباحا باسما.. أينما حل الصباح.. أشرقت.

حتى إذا جاء المساء تربعت كالوردة البيضاء

تأخدنا الحكايات السعيدة.. نحتسي الشاى..

ونزدهي فرحا ونضحك.. إذ يحلو السمر.

من هنا مروا جميعا.. من هنا

لما أتوا.. ما سلموا.

لما غدوا نحو الرحيل وأقلعوا.. ما ودعوا.

لكنها عند الرحيل تنهدت:

قالت وداعا ربما يوما نعود ونلتقي

فهتفت: لا.. لا ترحلي

وبكل أوجاع الحنين ضممتها..

وبكل أهات السنين وغربتي قبلتها..

فادا بألسنة اللهيب بأضلعي قد أحرقت بالشوق زهرة خدها.

لا ترحلي.

لكنها كالجدول الخجول من ضفاف عالمي تسربت.

وفجرت همساتها جوانحي: لا لا لست لك.

أحسست أن الشمس غص بها الفضاء

وصار حزني كالجراد المنتشر

من هنا مروا جميعا.. من هنا

أقدام من مروا جميعا من هنا

وطأت على الدرب الطويل قصائدي

وتبعثرت أنغامها إذ انزوى القيثار مقطوع الوتر.

من هنا مروا جميعا.. من هنا

ما خلفوا شيئا يسر.

وأنا.. أنا ما زلت فوق أرصفة الحنين أعاقر الأشعار أحتضن الرؤى

لا زلت ابحث لاهثا بعيون من مروا جميعا عن سنا عينيك

أرتشف الهوى في القلب أحلاما تثور وتشتعل.

فإذا الفؤاد ينصهر.

من هنا مروا.. وزالوا من هنا..

لكنها مرت.. ولا زالت هنا..

في القلب عمرا يزدهر.

القاهرة 11- 8 - 2005


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى