السبت ٢٨ آذار (مارس) ٢٠٢٠
بقلم علي بدوان

من وقائع اليرموك الحية... عيادة اللوثري

عيادة اللوثري الطبية، عيادة ذاع صيتها في مخيم اليرموك، بسبب من قِدَمِها قِدَمِ اليرموك ذاته، وبسبٍ من خدماتها الطبية والصحية التي كانت تُقدمها لعامة الناس من مواطني المخيم، وبسببٍ من دور طبيبها الدكتور (فؤاد خوري) الذي كان حليماً كريماً بأحوال الناس والعباد من لاجئي فلسطين في مخيم اليرموك.

كما ذاع صيتها بسببٍ هام، يعود لحسن الإستقبال والكياسة التي كانت تتمثل بشخص الإداري المسؤول عنها أبو علي المغربي، الفلسطيني اليافاوي الأصيل رحمه الله، الذي كان يستقبل الناس بهدوء وترحاب وبنفسية بشوشة.

العيادة كانت تتبع للإتحاد اللوثري العالمي (بالإنكليزية: LWF: The Lutheran World Federation) وهي مُنظمة تَضُمُ مجموعة من الكنائس المسيحية ذات التراث اللوثري، أسست في السويد عام 1947 والإتحاد يضم اليوم (140) كنيسة عضو من (79) دولة حول العالم تُمثل أكثر من (70) مليون مسيحي. ويرأس الإتحاد منذ عام 2010 المطران الفلسطيني الأصل منيب يونان. والإتحاد اللوثري ينشط في خدماته في مناطق مختلفة من العالم حيث تكون هناك أوضاعاً إنسانية إستثنائية.

عيادة اللوثري إستمرت في العمل من عام 1956 الى العام 1980 وقد أنهت خدماتها مع تقدم حالة الناس في اليرموك وإنتشار العشرات (إن لن نقل عدة مئات) من العيادات الطبية لشبان المخيم الذين درسوا الطب والتخصصات العالية فيه في مختلف الجامعات السورية وجامعات العالم.

كان مقر عيادة اللوثري يقع وسط مخيم اليرموك، وتحديداً مكان المدرسة الحكومية الحالية (مدرسة عبد القادر الحسيني) قرب تجمع مدارس الوكالة (إعدادية المالكية + مدرسة ترشيحا + مدرسة أسدود + مدرسة الجليل). فعندما أنهت الجهة المعنية بعمل عيادة اللوثري خدماتها باليرموك عادت الأرض المستملكة للهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، واعتبر المكان مقراً لمنظمة الصاعقة وانشطتها لعدة سنوات، ومن ثم تبرعت به الهيئة العامة للاجئين لتربية دمشق لبناء مدرسة حكومية وسط اليرموك وهو ما كان مع بناء وتشييد مدرسة عبد القادر الحسيني بطوابقها الأربع، وبخدماتها للمجتمع المحلي.

عيادة اللوثري، تضافرت في عملها مع مستوصف وكالة الأونروا في اليرموك، وقدمت للأهالي الخدمات الطبية البسيطة، مع توزيع بعض الأدوية بشكل مجاني وخصوصاً منها المسكنات التي كانت على الدوام تعطى لكل من يراجع العيادة وعيادات الأونروا عموماً، مهما كانت شكواه وأوجاعه، ومعها معظم الأحياء ماكان يسمى (دوا أحمر) والمعقمات والشاش الطبي.

عيادة اللوثري، ومعها مستوصف محمد الخامس، والمستوصفات التي نشأت بعدها باتت جزءاً من تراث وذكريات اليرموك، ومعها بعض العيادات الطبية القليلة التي كانت منتشرة في اليرموك كعيادة الدكتور (إيليا سلوم يارد) الذي خدم مع الجيش العثماني الرابع كطبيب فيه، وكان من اقدم الأطباء في اليرموك، واجيالنا تعرفه جيداً في عيادته الواقعة في ساحة شارع فلسطين.

لكن الطفرة الكبرى في اليرموك، إنطلقت بعد العام 1975 حيث بات اليرموك يضم مئات العيادات الطبية ولكافة الإختصاصات، وعشرات المخابر الطبية ومخابر التحليل، والمشافي والمستوصفات الخاصة والعامة، حتى بات اليرموك وعيادات أطبائه ومشافيه مركزاً للخدمات الطبية للجوار وحتى لقاطني وسط مدينة دمشق. فالمئات من شبابه باتوا أطباء بارزين.

عياد اللوثري، علامة بارزة، وقصة من قصص كفاح الشعب العربي الفلسطيني، الذي حفر طريقه الصعب والقاسي بأظافره، في ظروف البساطة، وظروف الفاقه، حتى أوصل ابنائه لسدة التعليم العالي.

ومن المسكنات و (دوا أحمر)، إلى أبناء وأحفاد يتفننون في مهنة الطب النبيلة، كفاءة وقدرة ومهارة. هي سيرة شعب فلسطين الذي تنحني القامات له عند الشعوبِ الحية والنبيلة وليس عند شعوبٍ مُتأكلة كالصدأ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى