الخميس ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٥
ظاهرة ثقافية
بقلم فيحاء عبد الهادي

مهرجان فلسطين الدولي: "عُدنا لأنَّ حلمنا أقوى"

"ونَحنُ نُحِبُّ الحَياةَ إذا ما استَطَعنا إِلَيها سبيلا وَنَرقُصُ بَينَ شَهيدَينْ" محمود درويش

لم أصدق نفسي حين قرأت خبراً في الصحف، يقضي بمنع إقامة مهرجان فلسطين الدولي للفنون، في محافظة قلقيلية، بقرار من مجلس بلديتها المنتخب، وخبراً آخر، حول هجوم مسلح، على حفل غنائي أحياه عمار حسن، في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، ضمن فعاليات مهرجان فلسطين الدولي للموسيقا والرقص.

أحسست بالدهشة ثم بالحزن ثم بالسخط الشديد، على هذا القرار غير المبرر، خاصة حين قرأت تصريحاً على لسان الأستاذ مصطفى صبري ـ أدلى به لموقع على الإنترنت، ونشرته صحيفة دنيا الوطن ـ يتحدث فيه عن سبب حظر احتفالات الرقص والموسيقا، الذي حدده في ضرورة المحافظة على النسيج الاجتماعي ومنظومة القيم، قائلاً: "لا يمكن أن تقبل بلدية قلقيلية باحتفالات مختلطة بين الجنسين تؤدي إلى السفور، وتزعزع قيم المجتمع". وهالني ما قرأت في رسالة رابطة علماء فلسطين، التي وجهتها إلى مجلس بلدية قلقيلية، والتي تقول: "نشد على أياديكم في رفضكم إقامة الحفلات الماجنة، التي يحفها إبليس بجنده".

لم أستطع فهم منطق مجلس بلدية قلقيلية المنتخب بالذات، ولم أستطع تبريره تحت أي مسمّى، فالديمقراطية هي التي أتاحت للمجلس الوصول إلى موقع صنع القرار، وهي التي تقتضي المشاركة واحترام الرأي الآخر؛ بل ومحاولة فهمه أيضاً لأن حرية التعبير عن الرأي موضوع مكفول للمواطنين: نساء ورجالاً.

لقد شكل مهرجان فلسطين الدولي حلماً، كان وسيظل علامة مضيئة في تاريخ فلسطين. هذا المهرجان الذي طالما جسّد عذابات الشعب الفلسطيني، وطالما بكى وأبكانا، في اللحظة ذاتها التي أفرحنا برؤية شباب يضجون حياة وحيوية، يؤكدون على وجودهم، من خلال رقصهم وغنائهم، ويهبّون لمقاومة الاحتلال، وما يجسده هذا الاحتلال، من ظلم وطغيان.

*****

لن تمحى من ذاكرتي، تلك الأغاني التي كانت تشحذ عزيمة فتيات صغيرات، وتقوّيها، وتمدها بالتحدي. لم يكن ليغيظ سجاناتنا شيء أكثر من أغنياتنا. كانت حبنا السري، وملاذنا النفسي، ووسيلتنا المثلى للتعبير عن مشاعرنا. شكلت وسيلة تخاطب وتفاهم. كنا نعجن الكلمات، وندوّرها، ونختزلها، ونحوّلها إلى موسيقا، وننشدها. كانت إحدى أهم أدوات نضالنا لتحقيق بعض مطالبنا، في الوقت الذي كانت فيه مصدر إمتاع وجداني لنا.

تتراءى أمام ناظري السجانة "رافي"، وهي تخاطبنا، والشرر يتطاير من عينيها، بعد سماعها غناءنا، في سجن نابلس المركزي، العام 1969م، إثر هدم بيت صديقتنا سوسن: "إنتوا بتغنوا، وبيتها بينسفوه"، فيطير صوتنا بالغناء أعلى وأعلى:

"أنا صامد صامد أنا صامد
وبأرض بلادي أنا صامد
وإن قتلوا ولادي أنا صامد
وان هدموا بيتي أنا صامد
في ظل حيطانك أنا صامد
أنا صامد صامد أنا صامد".

*****

أضم صوتي إلى أصوات الكتاب، والمثقفين، والفنانين، والأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، مطالبة المجلس البلدي المنتخب بقلقيلية، بالتراجع عن قراره بشأن استضافة فعاليات مهرجان فلسطين الدولي، والمشاركة الفاعلة في إنجاحه؛ انتصاراً لثقافة وطنية قومية إنسانية، تحترم الشأن الثقافي، وتعتبره عاملاً رئيساً في التصدي لمخططات العدو، الذي يطمح إلى تجريد الشعب من هويته الثقافية، عبر التنكر لتاريخه وإرثه الحضاري.

أما وزارة الثقافة ومجلس الوزراء، فمن الضروري، ألاّ تكتفي بالاحتجاج، فهي الجهة التنفيذية ذات الاختصاص، والتي لا بد أن تسعى لتطبيق قراراتها، عملاً بالمبدأ الديمقراطي، واحتراماً للقانون الأساس المعدّل للسلطة الوطنية الفلسطينية، الذي تنصّ المادة (19) فيه على حق كل إنسان في التعبير عن رأيه، ونشره بالقول أو الكتابة، أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن، مع مراعاة أحكام القانون.

أسرة مهرجان فلسطين الدولي: "أناديكم، أشد على أياديكم، وأهديكم ضيا عيني، ودفء القلب أعطيكم، فمأساتي التي أحيا، نصيبي من مآسيكم".


مشاركة منتدى

  • الى الاخت الدكتورة فيحاء عبد الهادي
    اختنا الفاضلة نحن معك في الذي قلت من ان الابداع عموما
    يعبر عن هوية الشعب ويحرك المشاعر ويدفع بالثورة الى المضي قدما لكن.... يا دكتورتنا العزيزة في كثير من ا لاحيان
    التهريج والميوعة الزائدة قد تهلكنا اكثر مما تنفعنا
    نحن في حاجة الى دعم اخر الى عمل اخر يزيدنا اصرارا
    ويزيدنا ثباتا لتحرير وطننا الغالي فلسطين ليس بالغناء والبكاء انما بالبندقية بالقنبلة بالجهاد يـــــــا.. دكتورتنا العزيزة
    ان المهرجانات المشبوهة لن تنفعنا لان عدونا يخطط ليل نهار
    كي يزيلنا من الوجود ونحن نخطط للمهرجانات . اه ... ما اغبانا ما احمقنا .. سامحيني اختي الكريمة على هذا التطفل
    والشان شان الفلسطينيين ولكن .. الجزائر ستظل مع فلسطين ظالمة أو مظلومة.. ستظل فلسطين في القلب ليس بالرقص
    والمجون ولكن بالكفاح المسلح حتى النصر آمين آميـــــن
    سطيف الجزائر يوم 31/10/2005

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى