الثلاثاء ٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بعد فوزه بجائزة "لا بلوم" الفرنسية مؤخراً
بقلم محمود منير

موسى حوامده: أسعى لكشف زيف الأسطورة لذا هيمنت على لغتي الشعرية


لعلَكَ أنتَ مني وأنا من ثرى المريخ/لا أنكرُ صلتي بزيوس/ولا أقرُّ بدمه في عروقي /لا أطعنُ في صحة النهر/ولا أخبئُ البحر في خزانتي/ سلالتي الريح وعنواني المطر.

هذا المقطع ينتسب لقصيدة "سلالتي الريح وعنواني المطر" للشاعر موسى حوامده التي استحق عليها جائزة "La Plume" (الريشة) الجائزة الكبرى التي تمنحها مؤسسة اورياني "Fondation Oriani" الفرنسية.

وحوامده المتخفف، على الدوام، من قيود سلطات عديدة ليس أولها اللغة ولا آخرها الوجود، يكتب منتمياً لفكرة الجمال الخالصة التي رآها ذات يوم وطناً، وفي اليوم الذي يليه حكمة، ثم روحاً تتعذب أملاً في التحرر.

وقد أشار حوامده في حواره لنا إلى نقضه للأسطورة مرة من خلال تكريسها في سيران مختلف ومرة من خلال توظيفها بشكل مغاير، لأنه توصل الى نتيجة قد لا تكون شعرية وهي أنه دفع ثمن هذه الاساطير جغرافياً وتاريخياً!

يشار إلى أن لحوامده خمسة مجموعات شعرية هي: " شغب"، "تزدادين سماء وبساتين"، "شجري أعلى"،" أسفار موسى العهد الاخير " و"أحسن الى الحمامة القتيلة"، ولديه ثلاثة كتب نثرية منها "حكايات السموع"، وهو يعمل كاتباً في صحيفة "الدستور".

 ماذا تعني لك الجائزة وهي تأتي في إطار إعتراف الآخر بقصيدتك، وهل يمكن أن تشكل الجائزة تواصلاً من نوعاً ما؟.

 لم أتوقع الفوز، ولم أحسب حساب الجوائز من قبل، كنت موقنا أن الجوائز وخاصة في العالم العربي تعطى دائما لأسباب كثيرة، ولكنها تعطى للأسماء وللجهات ولحسابات مغايرة، لذلك لم أضع في حسباني ان أفوز بأي جائزة عربية، ولا أتقدم لأي منها، لأنني أعرف دهاليزها، نعم فوجئت باعلان لجنة مهرجان تيرانوفا فوزي بهذه الجائزة، وقد كان الفوز صريحا بسبب القصيدة والشعر نفسه، وقال مدير المهرجان ماريو ساليس أن لجنة التحكيم هي التي قررت بالاجماع وبعد قراءة الشعر المترجم لموسى حوامدة ان يمنح الجائزة، ولا أود إعادة ما قاله في ذلك الاحتفال في جامعة نانسي، على كل إجابة على سؤالك أقول: حين يأتي
الإعتراف من الآخر مع تحفظي على كلمة (الآخر) الذي قد يكون فينا وليس فقط ذلك الناطق بلغة مختلفة، وإن شئت التساؤل هل يشكل هذا اعترافا لي من الثقافة الفرنسية، فربما يكون صحيحا، لكني لا أريد التنكر لثقافتي التي اعتز بها، فلا يكون التقدير فقط بالجوائز فحجم التهاني التي وصلتني من المثقفين العرب بدءا من المغرب وحتى اليمن، كانت تشير إلى تقدير من نوع خاص وهو التقدير الذي اسعى اليه وليس بالضرورة ان ياتي من الجهات الرسمية او من المؤسسات التابعة لهذه الجهات. وعن الشق الثاني من سؤالك أقول؛ نعم جعلني هذا الاحتفاء أكثر ايمانا بضرورة الانفتاح على ثقافات العالم، وعدم التقوقع في الأطر التقليدية
والخوف من عداوات قد تكون وهمية لان الهم الانساني واحد والشعر واحد وان اختلفت الكلمات، لأن الاحساس لا يتغير، وهذا ما لمسته خلال المهرجان فقد كان البعض يحس بالقصيدة ويفرق في مستوى الشعر حتى وان قرئ بلغات غير فرنسية.

 تراهن في مشروعك الشعري على اللغة كأداة لتفجير المعنى والصورة، وتؤكد دوماً على الحداثة من هذا المنظور، ما الذي حققته قصيدتك لتصل إلى المتلقي الغربي؟.
 لم يكن في ذهني الوصول للمتلقي الغربي ربما تكون الترجمة قد فعلت ذلك، لكني في العمق لا أؤمن بتشظي الهم الانساني وأعتقد بلا مجاملة ان الرؤيا الكونية حتى للألم الوطني والشخصي أرحب بكثير من كراهية الآخرين وعدم تقبلهم وتقبل ثقافتهم، لهذا قد يكون التغيير جرى من قبل في روح الكتابة وليس في القصيدة نفسها، لأن نفس الكلمات عربية ولوعتها وحرقتها لم تتبدل. ودائما أسعى لتحرير لغتي حتى من بعض الوهم الذي أصله احيانا، وإن كنت لا أفكر كثيرا بالحداثة لكني دائما أبحث عن فضاء جديد.

 ثمة حضور الرمز التاريخي أو الرمز الشعبي في قصيدتك، كيف تنظر إلى إختلافك في ظل سطوة هذا الرمز على معظم التجارب الشعرية العربية؟.

 هذه قضيتي الأساسية وهي تحطيم الرموز الشعرية العربية، ليس تحطيمها بمعنى تجاوز التجارب العربية الكبرى ولكن من حقي ان اتعامل مع الاسطورة بشكل مختلف، وهي نقض الاسطورة نفسها؛ مرة من خلال تكريسها في سيران مختلف ومرة من خلال توظيفها بشكل مغاير، لأنني توصلت الى نتيجة قد لا تكون شعرية وهي أنني دفعت ثمن هذه الاساطير جغرافيا وتاريخيا وكان ان ضاع وطن بكامله نتيجة تصديق الاساطير لذلك من حقي ان افكر
بتحرير نفسي ولغتي منها واحاول تعريتها وتنقية قمحي من زوانها، وحتى لو كانت اساطير معترفا بها فربما يكون اختلافي معها، تأكيد لحقي في الكتابة قبل حقي الطبيعي في التنفس والحرية، لهذا لا اجفل من استخدام الشعراء للرموز الشعرية لكني أرتعد حينما يكرر كثيرون منهم نفس الاساطير، لتقوية نصوصهم وتحميلها ميزة شعرية بغض النظر حتى لو كانت هذه الأساطير تستعمل في غير صالحنا، لا أدعي أنني حارس الأسطورة ولا مغيرها، لكني أبحث عن تغيير مجراها وكشف زيفها، لذا هيمنت على لغتي الشعرية ذات مرة كلمة (لم) ولم أنج
منها إلا بعد الايغال في استعمالها دون لفظها، لكنها تستبد بي لاجراء هدم كامل للرموز التي تزرع شجرة في حديقتي، ولا تشكل أكثر من برهان جديد على استلابي.

 لديك آراء صريحة في الأدب أو في نقد كثير من الرموز الشعرية، إضافة لمشاكساتك في السياسة ونقد الموروث الإجتماعي والثقافي، أين ترى المثقف العربي بين السلطة والإستعمار الغربي الجديد وتراجعنا الحضاري والإنساني؟.

 هل بالضرورة ان يقف المثقف العربي بين هذا او ذاك، ألا يمكن أن يكون مستقلاً وليس
تابعا، اغلب الذين ينافقون للسلطة قادرون للوصول حتى للمسمعمر أكثر من غيرهم لأن المستعمر لديه صلات حميمة مع اتباع السلطات في كل مكان، أما تراجعنا الحضاري فلا يتحمل المثقف العربي وحده مسؤوليته مع أنه يتحمل جزءا كبيرا منها، خاصة اولئك الذين ينتقدون البعوض مثلا ولا ينتقدون الفساد في بلادهم، أو اولئك الذين يكيلون التهم للصحون الطائرة ولا يجرؤون على نقد وزير او مدير دائرة في بلدهم. النزاهة هي الأساس
اما الحسابات الشخصية والخوف والنفاق فهي تساعد الكثيرين على الوصول لكنه وصول اشبه بالخزي لأنه يحط من قدر المجتمع والثقافة والامة نفسها.

لست في موقف يسمح لي بادعاء العصمة أو البطولة لكني نظفت روحي من درن الانتهازية وحصنت نفسي من الوقوع في براثن السلطات أيا كانت فهي لا تضمر خيرا أبدا ولا تريد من المثقف سوى الرضوخ التام. لكنها لا تشد احدا من قرنيه ومن شاء الاستقلال سيظل منفردا وحرا، أما التبعية للغرب فهي شئ مختلف عن التعامل مع مثقفين غربيين نزيهين، وعن التعاطي مع مؤسسات محترمة، ليست تابعة لجهات مسيسة.

السيرة الذاتية للشاعر حوامدة انقر هنا

عن الدستور


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى