مُدُن الحَرب
يا لهُ من حظٍّ
يا لها من لعنة
الظّلُّ الَّذي يسبقُ الشَّمسَ ليخْلقَ النَّهارَ المُزيَّف.
اللَّافرقَ بينَ الصَّديقِ وبينَ السِّكينِ الَّتي خلفَ الظَّهر.
الغَرقى على اليابسةِ.
الزَّمنُ الَّذي لا يمرّ.
المُستذئِبونَ في مُنتصَفِ النَّهار.
القتلُ من أجلِ القتل.
سُعالُ البرابرةِ في وجهِ الضَّوء.
دَمارُ برلين
مأساةُ ناغازاكي
البراري المحكومةُ بتعاريجِ النَّدم.
لم تَعدْ مُجرَّدَ حكاياتٍ بعيدة.
أيُّها السَّادة:
لا أحدَ في مدينتي
ينامُ وفي كفِّهِ معصمُ الحياة.
الحياةُ خَربشاتُ طفلٍ خائفٍ على الحائط
عجوزٌ
تبصقُ أحلامَنا
تبصقُ أيَّامَنا
كالدَّواءِ المُرّ.
قطيعٌ من الجمرِ
يَعوي
ويُزمجِرُ
فوقَ لحمِنا العاري.
نصرُخُ
صَرخاتُنا مجرَّدُ ومضاتِ برقٍ خاطفةٍ
في عيونِ ومسامعِ هذا العالم
الجليديِّ
العبثيّ
الَّذي تلتقطُ كاميراتهُ كلَّ يومٍ
ألوانَ مأساتنا الطَّازجةِ
بذاكرةٍ سمكيَّة.
يا لهُ من حظٍّ
يا لها من لعنة
الأملُ في مدينتي
طائرٌ كلَّما فتحنا لهُ بابَ القَفصِ
لا يخرج
يعتقدُ بأنَّهُ فخٌّ آخر.
والحقيقةُ
ماتتْ بعضَّةِ مستذئِبٍ
واليقينُ
مثلَ كلبٍ سُلوقيّ
يُطاردُ لبَّاداً
لا يستطيعُ القبضَ عليه.
المدى فخٌّ
والصّدى فخٌّ
والحقائبُ
دعوةٌ مفتوحةٌ للنُّزوح.
زاهدونَ
زاهدون
أيُّها السّادةُ:
مجيءُ التَّيَّارِ الكهربائيِّ في مدينتي
أكثرُ لذَّةً
من قُبلةِ عاشقَينِ تحتَ
ضوءِ القَمر.
وعبوةُ الغازِ
تكادُ تكونُ
كلحظةِ الجلوسِ في ظلِّ سدرةِ المُنتهى.
والتَّرفُ الزَّائد
ربطةُ خُبزٍ
أو كلُّ ليلةٍ لا تتسلَّلُ فيها أصواتُ الانفجارات
إلى أقصى خليَّةٍ في جسدِ النَّوم!
الغوثُ
الغوث
ثمَّةَ مَن فتحَ البابَ واسعاً
لذئابِ الخَوفِ
كي تُهاجمَ كلَّ غزالِ طمأنينةٍ نرسُمهُ
هَكذا
حتّى غَدونا نتخيَّلُ هديلَ الحمامةِ شَبحاً
وحفيفَ الأزهارِ
مارداً برأسين.
وكلَّ نجمٍ في السَّماء
قمراً صناعيَّاً
يتجسَّسُ على عُريِّنا.
يا لهُ من حظٍّ
يا لها من لَعنة
النَّهارُ المتدفِّقُ من وقْعِ خُطواتي الحالماتِ ليسَ لكم
مائي ليسَ لكم
قمحي ليسَ لكم
لا شيءَ فيَّ ملكٌ لكم
يقولُ،
الأمامُ الّذي يمشي أمامنا
مثلَ هَيكلٍ عظميّ.
أيُّها السَّادةُ:
الانتماءُ في مَدينتي
للَّذي ييمِّمُ وجهَهُ نحوَ قِبلةٍ مُشابهة
وإنْ كانتْ شيطاناً.
والوعيُ
جرَّةَ فخَّارٍ تنفجرُ رَملاً ناعماً
لا تَعنيهِ لأيِّ جنونٍ تأخذهُ الرِّيح.
ومشهدُ البحرِ
مرآةٌ لمراكبِ اللُّجوء
والمدى الأبديّ
لصفٍّ طويلٍ من أسئلةٍ مالحة:
إلى أينَ؟
لماذا؟
ماذا بعد؟
أمَّا بعد،
لم يعد العناقُ جَناحَ نحلةٍ مُشاكسة
تدغدغُ زهرةَ الألمِ
فيبتسمُ الرَّحيقُ الشِّفاء
والصَّبرُ
أدركَ بأنَّ اللَّامكافأةَ أمامَ السُّورِ
هي ذاتُها
خلفَ السُّور.
فتوقَّفْ عنْ نزعِ القواقعِ عن كاهلهِ
متخلِّياً
عن أيِّةِ محاولةٍ للقفز.
والآباءُ
يعودونَ إلى بيوتهم
لا يقولونَ شيئاً
تركوا ألسنتَهُم في فمِ الرُّخامِ
ومضَوا
مضَوا
إلى آخرِ الصَّمت.
والضَّرورةُ
تخلَّت النِّساءُ عن ارتداءِ الأَحذيةِ ذاتِ الكعوبِ العالية
فأقدامهنَّ دائماً
على أهبَّةِ الفرارِ من قذيفةٍ ما.
وغريزةُ البقاء
نستحمُّ كلَّ يومٍ بليَفِ يقطينٍ خشنةٍ
لإزالةِ ما علِقَ على أرواحِنا
من صدئِ سقوطِنا في فخاخِ التَّجربةِ.
والحنينُ
نحِنُّ لزمنٍ كانَ الحبُّ فيهِ هو الذي يوحِّدنا
لا الخوف.
نحِنُّ للمقاهي
لدورِ السِّينما
للحدائقِ.
للموسيقى.
للجلوسِ على سقوفِ بيوتِنا،
المعلَّقةِ برذاذِ نَجمةٍ.
دونَ خشيةٍ من رصاصةِ قنَّاص.
للمطر
المطرُ الخَصبُ النَّاعمُ الَّذي لا يتساقطُ
من شلَّالِ دمٍ في الأعلى.
نحِنُّ للحدِّ الفاصلِ الواضحِ
بينَ الخيرِ والشَّر
ولشُرفاتِنا الَّتي لمْ تكنْ فِخاخاً
لاصطيادِ جيراننا الطَّيِّبين.
نحِنُّ لدعاءِ "اللَّهم نجِّنا من الشِّرِّير"
دونَ أنْ نعتقدَ بأنَّ الشِّرِّيرَ إنّما يجلسُ في داخلِنا.
نَحِنُّ لقيامةٍ
كالقيامةِ
أو نصفِ
أو ربعِ قيامة.
آهٍ
أيُّها السَّادة:
ككلِّ العائدينَ من الحربِ
لن نعودَ كما كنَّا أبداً.
يا لهُ من حظٍّ
يا لها من لَعنة.