الثلاثاء ٥ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم سامي العامري

مِن ثَدْيَيَّ أُرْضِعُ الوحوش

صَفصافةٌ تُثْمِرُ إجّاصاً... قصيداتي
زيتونةٌ تسيرُ في الأعراسِ،
والهلاهلُ الثمارْ
طَلْعٌ يُظَلِّلُ الذاهبَ والآتي
ويَختِنُ الصِّغارْ!
***
لكي تُجيزَ فِكرةً كالمَعْبَرِ الدقيقْ
بينَ الحقيقةِ الكُبرى وبين العَدَمْ
لكي تكونَ الساحلَ المُبْحِرَ والبحرَ العميقْ
لا بُدَّ أنْ تُصادِقَ الوَهَمْ
***
تنتصرُ الروحُ، نعم
لكنَّها دون دفاعٍ هكذا دون غطاءْ
إنَّ انتصارَ الروحِ دائماً
لِباسُهُ العراءْ
***
اذا انتَميتُ فانتمائي لضبابِ الغابةِ الشبيهِ بالهديرْ
لِرَجْعِهِ المُستَديرْ!
يُذْكِرُني بالشُّطوطْ
وبالمرايا والخطوطْ
أمّا وقد سعى الليلُ خُطىً أشُمُّها
وفي حَنايايَ أضُمُّها
فلتَذْكُرِ الغابهْ
انا الذي عمَّقَ فيها تلكُمُ الغرابهْ!
غرابةَ الأجنبيْ
يَشُذُّ عن أقرانهِ مُستَأذِناً
ومُستَعيراً في التعابير التي يختارُها
فضلَ نبيْ!
***
بعينيَ الكُبرى أرى وحدتي
ملحمةً مكتملهْ
فتارةً أرتعي كالأفْيِلهْ
وتارةً أقدحُ كالنجماتْ
أمرُقُ من شرايينِ الزمانِ
أسبُقُ الصرخاتْ
أضاجعُ الذاتْ
أخلُقُ أعداءاً وأتباعاً
أُجَيِّشُ الجيوشْ
أزرعُ الغاماً وأنغاماً
ومِن ثَديَيَّ أُرْضِعُ الوحوشْ
وتارةً المَحُ كلَّ مبذولٍ لديَّ ثابتاً مُعَبِّراً فريدا
وحينما أفتحُ عينيَ الصُغرى – وقَلَّما أفتَحُها –
ألمَحُني وحيدا.
***
هذا الذي كان وكان أيُّها الطبيبْ
أمّا لماذا جئتُ ها هنا فانني أجيبْ:
سُرتُ على الدرب دروبا
وحين ظَلَّ يمضي بي
أدركتُ أنَّ اللّعْنَ طُوبى
وعالمَ التشَرُّدِ النقيِّ كالإيمانْ
وفَجأةً وجدْتُني أوزِّعُ الأكوانَ بالدِّلاءْ
لكنني حين التَفَتُّ للوراءْ
إذا بقامتي قد أصبحتْ كرئتي مُحدودِبهْ
وكلِّ ما حولي مُغطّىً بالصدى والدخانْ
وكانت السماءْ
سُجّادةً مُثَقَّبهْ
خطوطُها تَضُجُّ بالوقاحهْ
مثلي انا الآنَ أجيءُ ناشداً منكمُ لا استشارةً
وإنما استراحهْ
تُغْني ولا تُغني.
***
مِهما اختنَقْتَ او تنَفَّستَ بلا رئهْ
مِهما تكنْ محطّاتُ رؤاكَ هادئهْ
مهما كتَبتَ او أضربتَ
مهما تكنِ العِبارةُ البادئهْ
لا بُدَّ أنْ تطُلَّ من بين الأصابعِ امرأهْ!
***
دافعُ تحنيطِ اليقينِ فاجرٌ
يطري لَذاذاتٍ
مَراسيها الضَّغينهْ
شوارعُ التَفَّتْ على الأعناقِ هكذا
كحَبْلِ سُرَّةِ المدينهْ.
***
تَرغبُ أنْ تلحقَ بالأبعادِ
انتَ الجَسَدُ – القِشّةُ في دوّامةِ العيشِ
لكنْ للَحظاتٍ
ترى العالمَ أسماكاً هزيلاتٍ
وأمّا انتَ فالأوحَدُ فيها سَمَكُ القِرْشِ.
***
معضِلةٌ مسدولةٌ يفيضُ عنها البَدَنُ
وثعلبٌ ما عاد ماكِراً وإنما مُدَجَّنُ
والريحُ لونٌ مُحزنُ.
***
كلُّ الطيورِ هاجَرَتْ
وقد رأيتُها تَزعَقُ كالجيوشِ
هل يا تُرى حَطَّتْ ام انحَطَّتْ على رموشي؟
***
يكبرُ فيكَ الفنُّ والإنسانُ والينبوعُ والزَّهْرُ
وبالتوازي تكبرُ الخيبةُ فيكَ واختلاجاتُ الذُّنوبِ والأسى
فالثَّمَنُ القَهْرُ.
***
تبحثُ عن مَدارِها الشفاهُ
أدري،
وموسيقىً من الجروحِ يستقبِلُنا اللهُ.
***
ها قد أطلَّ المَلَكْ
موَزِّعاً أسماكَهُ المُشَهِيهْ
رأيتُهُ في شاشةِ التلفازِ حيث الضوءُ والعطورُ
واللقاءاتُ على أغنيةٍ تتبعها أغنيهْ
جميعُهم بصحبةِ الكؤوسِ يضحكون حتى السَّمَكْ!
لكنهم ما انتبهوا للُّغْزِ
راحوا هُمُ في سُكْرِهِمْ
واللُّغزُ عادْ
أربَعَةٌ كانت وتبقى
حطباً ناراً فَجَمْراً
ثُمَّ يأتي أربعاءُ الرمادْ!
***
زائرتي جاءت مع الشتاءِ
لو تعلمُ بالذي يجري
قميصي في المشجبِ قد علَّقْتُهُ
وأفتحُ الآن لها أزرارَ صدري
وأنني أغلقتُ أزرارَ قميصي
حَذَراً من نَزْلةٍ هناكَ تأتيهِ
فربَّما تَرَكْتُني فيهِ!
***
بعضَ الأحايينِ أرى الشمسَ
وكلَّ ما في النفسِ من حرائقْ
ومن جُسَيماتٍ وأجرامٍ ومن دقائقْ
كوحدةٍ يُمكنُ أنْ تُخْتَصَرْ:
سيجارتي,
إصبعيَ الحادي عَشَرْ!
***
أزقَّةٌ ضيَّقةٌ لكنّها مليئةٌ رأفهْ
أمشي على أطرافِها,
أمشي لأني مؤمنٌ بالسِّحْرِ نوعاً ما او الصُّدْفهْ
مُصَمِّمٌ: لا بُدَّ أنْ يحصلَ شيءٌ ليس في البالِ
كأنْ تنزُلَ نحوي عِبْرَ ساقٍ مثلما اللَّبلابِ شُرْفهْ
او رُبَّما أعثرُ سكرانَ على كنزٍ طفا بالحَسَراتْ
او رُبَّما القى التي قد غادَرَتني دونما ذَنْبٍ بتاتاً
فأُحَيِّيها طويلاً دون أنْ تَجرأَ بالقولِ:
لقد جئتَ عزيزاً إنَّما بعدَ فواتْ...
***
ليس لأحلامي نظيرْ
الى بيوتِ النحلِ في الليلِ أرى
أسألُ: هل لي يا تُرى فيها سريرْ!؟
وشمعةٌ من ضوئِها أُعرَفُ؟
او طَبَقٌ من عَسَلٍ
بهِ يدي تَهتُفُ ؟
لكنني شيئاً فشيئاً وتسَلَّقْتُ قراري
خارجاً من لُجَّةِ الجُبِّ
وداخلاً الى اللُّبِّ
ودونما مُقَدِّماتٍ
مَلِكاً صُرتُ الى جانبِها
وكان حظي الجانبَ الغربي!
***
كُرهُكَ للأعمالِ
والحسِّ المُمِضِّ في تَكَلُّفاتِها أنكَ لا تَعملُ بل تغيبْ
ولَذَّةُ الديونِ,
ما ألَذَّها وهيَ تجيءُ من غريبْ!
وفوقَ كلِّ ذلكم وتحتَهُ تطَفُّلاتٌ خانِقهْ
وقبلَ كلِّ ذلكُم وبَعدَهُ
يأتي الصديقُ – الصَّدَقهْ!
***
يا طائرَ السُّنونو ذا الأجنحةِ الخمسينْ
لا تَبقَ بيْ في بقعةٍ
فأنتَ في أعيُنِهم كما انا بعينِهم
جُزءٌ من ارتِعاشةٍ تافهةٍ باطلةٍ
وسطَ رياحِ السنينْ.
***
أفياءُ ظلٍّ في قرارِ بحري
تدفعني للبحثِ عن سِرِّ
لحنٍ مَريءٍ,
أُغنيهْ
تُضيئني مثلَ يدٍ صغيرةٍ
تضحكُ في مساحةٍ لِدُميةٍ لاهيهْ.
***
تستَقبلُ الحُمّى
تودِّعُ الأرصِفهْ
ترجو لها الراحةَ والأمانْ
تدخلُ مشفىً نفسهُ سكرانْ
لا شيءَ يعنى بكَ إلاّ الصمتُ, صمتُ المكانْ
وعالَمُ الرتابةِ المُتْلِفهْ
وأنجمٌ بعيدةٌ قد لا تراها مَرَّةً ثانيةً
تبدو كذكرى أثَريَّهْ
ونظرةٌ ترنو بها اليكَ في تَشَوِّقٍ
خمرٌ بعينٍ عسَليّهْ!
***
لقد تمرأيتُ هنا في ظِليَ المديدْ
رأيتُني أُقَرِّبُ البعيدْ
أجمعُ أشتاتي
ما كان حَولي أحَدٌ
وقبلَ أنْ ينفتِحَ العالمُ لي ثانيةً
طويتُ مِرآتي.
***
عاينتُها عند الوضوءْ
كانت تُرى لوحدِها
فما عرفتُ هُزْلَها من جِدِّها
وحينما اقتربتُ من ساقيةٍ قريبةٍ منها
أشحْتُ بيْ وحَيرتي عنها
قد كانت المخبوءْ
***
هل كلُّ هذا راجعٌ للداءْ؟
حَرٌّ وبَرْدٌ ثُمَّ شمسٌ ومطرْ
غيمٌ وصحوٌ ورعودٌ ووَفَرْ
يَحْدُثُ هذا كُلُّهُ في ساعةٍ واحدهْ
في طقسِ المانيا فيالَلمائدهْ!
يا أيُّها الطقسُ
على عِلْمي انا ما لكَ مِن أعداءْ
فكيفَ فُقْتَ حيلةَ الحَرْباءْ!؟
***
ها قد دنا الليلُ المُغطّى بالهلالْ
وسُدَّ لونُ الأرضِ بالأقفالْ
وحلَّ في ذاكرتي لونُ القراميدِ التي
ياطالما قد ساحَقَتْها رَبَّةُ الأريافْ
والليلُ يُدنيني من الكنائسِ البعيدةِ الضفافْ.
***
إنْ حُبُّنا عن حُبِّهِ ارتَدَعْ
وهو كذلكَ ارتَدعْ
فسوفَ لا أدَعْ
شرارةً واحدةً مني تُصيبُ حتى لو بلمعةٍ
قدْرَكِ او كيانَكْ
لذا فانني انا الذي قرَّرَ أنْ يقتحمَ الساعةَ نيرانَكْ!
***
دمعٌ غزيرٌ
وخدودٌ لونُها لونُ البوادي
عُذْرُ بلادي!
***
(شيءٌ يُذيبُ الصخرْ)
أمرٌ سمعناهُ
ولكنْ أنْ يَذوبَ الماءْ!
قد تمَّ هذا فوق سطحِ البحرْ
وعندما التقى جبينُ الماءِ
بانتقالةِ الضياءِ عند المغيبْ
ام انني انا الذي كنتُ أغيبْ؟
***

كُتِبَتْ هذه القصائد في مستشفى مدينة كولونيا


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى