الاثنين ١٢ أيار (مايو) ٢٠٠٨
بقلم رانية عقلة حداد

نادي شومان السينمائي

منذ سنين خلت بدأت حياتي تتشكل حول يوم الثلاثاء... الذي احرص أن انسق برامجي فيه على نحو لا يمس الساعة المقدسة؛ السابعة مساءا حيث اقضيها في صحبة من أحب، الثلاثاء يوم لا كغيره من الأيام... يحمل لي في طياته متعة تنبثق من سحر حيوات مفترضة تنساب على شاشة بيضاء، تأخذ عقل وقلب المرء معها إلى ازمنة وأمكنة لا يسعها كتاب، فيختبر من خلالها الحياة وامكاناتها، مكتشفا عوالم جديدة ورحبة... إنها العوالم التي حرص نادي شومان السينمائي على تقديمها إلى جمهوره منذ ما يقارب العشرين عاما إلى الآن.

وإذ يقدم النادي عرضه الأسبوعي يحرص على أن تكون الأفلام المعروضة ذات سوية فنية عالية؛ شكلا، ومضمونا ترتقي بذائقة الجمهور عن السائد والتجاري، بحيث تقدم لجمهور متنوع في أعماره وأذواقه أفلاما - في أغلبها - من غير الممكن أن يشاهدها على شاشة السينما التجارية، أو على شاشة التلفاز، وحتى على أقراص ألـ دي في دي، ولا تقتصر المزايا العروض على السوية العالية، إنما أيضا على اتاحة الفرصة للتعرف على ثقافة وهموم ومشاكل مجتمعات متنوعة غير المجتمع الأمريكي كما تقدمه هوليوود أو المجتمع المصري كما تقدمه شاشات السينما والتلفزيون، إذ تتسع الرقعة الجغرافية للأفلام المعروضة لتشمل أفلاما من مختلف القارات؛ افريقيا، الشرق الاقصى(الصين، اليابان، كوريا الجنوبية...)، من الشرق الأوسط (تركيا وايران ومختلف الدول العربية)، ومن أمريكا اللاتينية، أوروبا بتقسيماتها، أستراليا، وبعض أفلام من الولايات المتحدة ذات الانتاج المستقل.

كما ينظم النادي - الذي يديره الناقد عدنان مدانات - بالتعاون مع عدد من السفارات والهيئات الثقافية مهرجانات خاصة للافلام بين حين وآخر تساعد بالتعرف على سينما تلك البلدان بشكل مكثف، وتتنوع عروض النادي الشهرية في برمجتها، فقد تُخصَص احيانا للافلام الكلاسيكية وروائع السينما، أو لأفلام قادمة من بلد معين (ايران، كوريا اجنوبية، المغرب...)، أو قد تحتفي بمخرج مهم شكل علامة في تاريخ السينما (فلليني، بيرغمان، كيراساوا...)، أو بعضها للانتاج الحديث من بلدان مختلفة توحدها ثيمة ما...

وإذ تكمن أهمية وجود أي نادي سينمائي - كما اسلفنا – في خلق ثقافة سينمائية لدى المشاهد، والتعرف على ثقافات متنوعة، وهموم ومشاكل مجتمعات اخرى، قد نتقاطع معها على هذا القدر أو ذلك، لكن لا تكتمل هذه الفائدة إلا بحلقات النقاش تدور بعد انتهاء عرض الفيلم، ولكن للأسف يبدو أن ثقافة النقاش هذه غير متوفرة في جمهور النوادي في الأردن، والتي حاولت ادارة نادي شومان الى ترسيخها منذ البدايات لكن لم تلقَ تلك المحاولات الاستجابة من الجمهور، وتبقى هذه امنية نتمنى ان تتحقق، تماما كما نتمنى أيضا أن يحترم رواد النوادي العروض السينمائية، باغلاق هواتفهم الجوالة، وعدم فتح أحاديث جانبية أثناء العرض، وإن كان يدل على شيء فعلى غياب الوعي والرغبة الصادقة لدى المشاهد بالمعرفة والاستمتاع، انما هي رغبة في تقطيع الوقت وملء الفراغ، ولا اعلم كم يلزم من الوقت كي تتبلور ثقافة المشاهدة لدى الرواد.

وبعد هناك عدد من المؤسسات الخاصة التي سعت إلى تنظيم عروض أفلام على خطى نادي شومان السينمائي، والتي نتمنى لها الاستمرار أيضا، مع التنسيق في أوقات عروضها لكي لا تضارب على بعضها، وتبقى الخسارة الحقيقية للمشاهد الذي يفوته ان يتابعها جمبعها مع غياب التنسيق أو اختيار البعض ليوم الثلاثاء الذي ارتبط بنادي شومان لما يقارب العشرين عاما موعدا لعروضهم.

أخيرا يبقى نادي شومان السينما ومن خلفه مؤسسة عبد الحميد شومان نموذجا يحتذى به لمختلف المؤسسات الاقتصادية الخاصة في تخصيص جزءا من ارباحها لخدمة الثقافة والمعرفة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى