الخميس ١٥ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم تركي بني خالد

نحو برلمان جامعي..؟

إذا كانت الجامعات هي منارات العلم والمعرفة في المجتمع، ومنابر الثقافة والتنوير في الأمم، فانه من واجبها أن تقود المجتمع لا أن تنقاد له. وإذا كنا معنيين بالتقدم والانفتاح على العالم، فانه لا سبيل إلى ذلك غير اعتناق الديمقراطية وتطبيق العدالة. وإذا كانت الانتخابات إحدى وسائل الديمقراطية وأدواتها المهمة في الأمم المتحضرة، فانه من المنطقي أن تسعى الجامعات إلى تأصيل مبادئ الحكم الرشيد كأسلوب حضاري في صناعة القرارات التي تمس حياة ومصالح جميع منتسبيها من طلبة وهيئات تدريسية وإدارية.

ولعله من البديهي أن نقول أن الديمقراطية هي أسلوب حياة وممارسة يومية تتجسد في طريقة اتخاذ القرارات بواسطة المشاركة من جميع من له حق إبداء الرأي والتصويت والانتخاب والترشح في جميع هيئات ومجالس ولجان الحكم الجامعي المتحضر. فإذا كان مطلوبا من جميع ذوي العلاقة احترام القوانين والأنظمة والتعليمات باعتبارها تمثل سيادة القانون، فانه من باب أولى أن يتم احترام رغبات كل من قد يتأثر بهذه التشريعات بشكل أو بآخر.

فعندما يشكو احدهم متذمرا لإجراء معين يبادر المسئولون القول له بان هذه هي التعليمات، وان هذا هو القانون، وسلطان القانون فوق كل سلطان. وهذا كلام جميل وصحيح، لكن السؤال هو : من أين جاء هذا القانون، وكيف تم وضعه، ومن صاغه، وكم عدد أولئك الذين شاركوا بفعالية في إعداده وإنضاجه بما يخدم غايات الجامعة وينسجم مع رسالتها التعليمية وفلسفتها التربوية.

وإذا كانت الجامعات حقا مؤسسات تربوية رائدة، فمن المفروض أن تزرع في جميع مرافقها قيم العدالة والشفافية والمحاسبة والتعامل الديمقراطي الحضاري. ويجب أن لا يخلو مجلس أو اجتماع أو محاضرة من ممارسة عملية للمبادئ التي تبشر بها قيم الجامعة وأدبياتها. لكن هذا لا يحدث في الواقع المعاش.

وحالة الانتخاب الوحيدة التي تحدث هي انتخابات الطلبة لمجالس الطلبة أو اتحاداتهم، وليست كلها انتخابات كاملة لان عددا من أعضاء المجالس قد يتم تعيينهم. وهناك حالة أخرى وهي انتخاب ممثل لكل قسم أكاديمي في مجلس الكلية، لكن عدد أعضاء مجلس الكلية المعينين يفوق كثيرا أولئك المنتخبين، لان مجالس الكليات تضم أفرادا إداريين مثل نواب العميد ومساعديه وهم كثر. وللإنصاف فان هناك انتخاب ثالث لممثل الكلية في ما يسمى بمجلس الجامعة الذي لا يحكم على ارض الواقع ولا يجتمع إلا نادرا لإجراءات بروتوكولية.

لا يمكن إنكار أن الجامعات حاليا محكومة بطريقة مركزية جدا. والجهة التي تتخذ القرارات هي مجالس العمداء ومجالس الأمناء والرؤساء ونوابهم وجميع أعضاؤها يأتون بالتعيين وليس بالانتخاب. كما أن جميع التشريعات يتم طبخها في رئاسة الجامعة وبمساعدة مستشار قانوني. فأعضاء هيئة التدريس لا حول لهم ولا دور فاعل ومؤسسي في إنتاج التشريعات, وكذلك الطلبة والإداريين.

ويحدث أن التشريعات تتغير من حين إلى آخر دون أن يتاح لها أن تستقر وذلك كلما جاء حكام جدد للجامعة. ولا تستطيع مجالس الأقسام أو مجالس الكليات أكثر من التنسيب بالتوصيات وكأنها لجان استشارية لا أكثر.

إذا كنا جادين حقا في نشر قيم العدالة في المجتمع الجامعي، فانه من الضروري الآن وليس غدا أن نرى تغييرات جوهرية في آليات الحكم الجامعي كي يشارك الجميع في تحمل المسؤولية. والمشاركة لا تحدث إلا بالتخلي عن قبضة المركزية وإتاحة الفرصة للجميع بانتخاب ممثليهم في مجالس الجامعة.

ولعله من المفيد أن نجرب فكرة البرلمان الجامعي المنتخب بحرية ونزاهة. برلمان تمثل هيئته العامة كافة قطاعات وهياكل الجامعة من كليات وأقسام وبرامج ودوائر إدارية وطلبة. ويقوم هذا البرلمان بواجباته التشريعية والرقابية أسوة بالبرلمان السياسي الذي نعرفه جميعا. وسيكون لهذا البرلمان أدواته لكبح الفساد الجامعي والأكاديمي بجميع أشكاله.

ولتكون الصورة أجمل، يتعاون برلمان أي جامعة مع برلمانات جامعية مشابهة داخليا وعالميا تسعى جميعها للارتقاء بالعمل الأكاديمي الذي يستنير به المجتمع بكامله.

الجامعات ليست مطابع للشهادات، وليست متنزهات ومدن ملاهي أو ساحات لتصوير أفلام العنف. انها مفاتيح الحضارة، وعقل الدولة، وطموح المستقبل، وبدونها نكون قد تخلفنا عن ركب الحضارة الإنسانية. أنا اقترح أن نبحث عن المعنى الحقيقي للجامعات، لأننا كما يبدو ضللنا الطريق!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى