الاثنين ٢٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٤
بقلم أنمار رحمة الله

نداء وأمنية

نداء

الرجل المُساير لطوفان الحشد،يلتفت دوماً إلى الخلف ويستمر ماشياً.يهرول ،يتوقف،يلتفت إلى الخلف مفتشاً عن صوت يهتف وراءه ،يتتبعه أنَّى وضع قدميه، منادياً باسمه،مستنجداً بهِ،وفي كلِّ مرة يلتفت اتجاه الصوت فلا يرى من ينادي!.حاول الرجل بخطوة ذكيّة أن يحصر الصوت والشخوص وكثرة السائرين .فاتجه إلى شارع ضيق . فأتاه الصوت منادياً باسمه في هلع؛فأدار رأسه بسرعة ،لكنه لم يجد سوى عدة أشخاص تعجبوا التفاتته المريبة. حاول التضييق ،الحصر،تفويت الفرصة على الصوت في أن يختفي مرة أخرى.فذهب إلى شارع أضيق،ومن ثم عاد الشيء ذاته.حينها نبتت فكرة كالسهم في قلبه ؛حين قرر الذهاب للصحراء،حيث لا يملأ المكان غير الفراغ.في الصحراء انتقل بقدمين حذرتين ،متسائلا عن تأخر الصوت؟!.توقف عن الحركة هذه المرة ،حين أرعبه الصوت الآتي من الخلف.ليس صوتاً منادياً باسمه،بل عواء منتصر، لذئب لطخ فكيه لعاب لزج.

أمنية

الموت لا ينتهي .المهمة مستمرة.الحصاد لا يتوقف.فالرؤوس تتكاثر،والرابحون في تجارة الموت والحياة منهمكون في صنع التوابيت.وصانع التوابيت في القرية الصغيرة ،منهمك هذه المرة في صنع أحلى التوابيت وأفخرها.هو يصنع للناس توابيت رديئة ،لكنه اعتنى هذه المرة بتابوت وحيد،حجزه لنفسه بعد موته.تمرُّ السنوات ،وتنفد التوابيت إلّا التابوت الفاخر ،المصنوع خصيصاً لمعانقة جثة الحانوتي.يمرُّ شتاء قارص.يشرب الوقود ،الدفء،العزيمة.فيتجه أهل القرية إلى الخشب ،لا يبقى في القرية عمود أو منضدة أو سرير إلّا واحرقوه للتنعم بالدفء.الحانوتي احرق كل التوابيت،وظل التابوت الفاخر منزوياً. حيث لم يرض الحانوتي التفكير في التنازل عنه أو الاستغناء والتضحية به.فهو جائزته وتحفته الوحيدة.في ليلة اليوم التالي مات الحانوتي من البرد.فهرع أهل القرية إليه ،وقد غسلوه وجهزوه عند الصباح للدفن، تاركين ورائهم بقايا رماد،لتابوت فاخر ،منحهم الدفء في الليلة الماضية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى