الجمعة ٢٢ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم إنتصار عبد المنعم

نصف جنيه وقطعة حشيش

الواحدة ليلاً ، يدخل بجلبته المعتادة، يلقي بمفاتيحه وجراب نظارته على طاولة الطعام ، وبشوق يكاد يقفز من عينيه يخرج محفظة نقوده المتضخمة ، و يبدأ في عد النقود وتصنيفها إلى فئات ، عشرات ، مئات ....، ينهض ، يدخل حجرة النوم ، لا يرى من تحكم الغطاء على جسدها كأنها جسد مسجى ، يخرج حقيبة سوداء من خزانة ملابسه ، و يضع فيها النقود ، يريحها حتى الصباح ليهرع بها إلى البنك ، لتنضم إلى سابقيها . تتحرك يده تتحسس جيب بنطاله الأيمن ، يظهر الارتياح على وجهه ، يخرج منديلا كالحاً يأخذ شكل الصرة ، يفك الصرة ، ينظر إلى ما تحتويه بفرح طفولي ، يحنى رأسه ، و يتشمم ما فيها ويقبله كحجر مقدس ، يربط المنديل كما كان ، ويريحه تحت الوسادة التي ينام عليها ويغمض عينيه ، ويده اليمنى تقبض على خبيئته المندسة تحت الوسادة .

في يوم الأحد يستيقظ مبكراً جداً ، يخرج المنديل الكالح ، يقبل مافيه ويضمه الى صدره ثم يربطه مرة أخرى و يضعه كالعادة في جيب بنطاله الأيمن ويخرج ، لا ليحضر قداس الصباح في كنيسة مار جرجس الملاصقة لبيته ، ولا ليدخل حجرة الإعتراف ليجلس وراء بابها وهو يعلم أن الأب متى يسمعه ، بل يطرق باب جاره أحمد ويصطحبه للبورصة .
يتابع أخبار الأسهم ، عيناه معلقتان على الشاشة الالكترونية ويده تقبض على خبيئته ، ترتفع قيمة الأسهم ويزداد فرحاً وقبضته تشتد على المنديل وما فيه ، وتتضخم النقود ويزداد تشبثه بالمنديل .

كل ذلك والحال كما هو ، سيارة عادية ، وملابس عادية ، وأحلام عادية، وخبيئته كما هي في المنديل كالح ، فالسيارة الحديثة تبعث الحقد والحسد في قلوب البشر ، والملابس الجديدة كماليات ، والصغير لابد أن يلبس ملابس الكبير ، والكبير لابد أن يصبر فهو ليس بأفضل ممن ترهبن ونبذ الحياة الدنيوية من أجل الحياة الأبدية ، والمنديل الكالح وما فيه هو إرثه من أبيه الراحل وهو سر نجاحاته وتميمته التي لا تفارقه أبداً ، ؛ حتى البسمة لا تزور وجهه إلا وهو يفك المنديل ويرى ما فيه ، فقد أعجبته يوما مقولة لا يدري من قالها أهو جاره بطرس أم جاره أحمد من أن أحدهم قال ( لا أبتسم و.... أسير ) و نسى الكلمة المقصودة أهي الأقصى ، أم كنيسة القيامة ، فالأمور لديه عادية ولا يخضع لأي سلطة روحية ، يكفيه الحظ والسعادة اللذان يشعر بهما عند رؤيته لخبيئته .

وتمر الأيام ، ومنديله في رحلته اليومية المعتادة ، مابين جيبه وأشواقه ووسادته ..والنقود تتضخم ، وعلاقاته بالآخرين تتقلص ، ولكنه لا يشعر بأي مشكلة ، فهو على الأقل لن يكون كأبيه الذي مات ولم يترك خلفه غير منديل كالح به نصف جنيه وقطعة حشيش !


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى