الخميس ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٦
بقلم حفيظة مسلك

نص قصصي

أرق وغرق!

تضايقت مني أرصفة الحنين للماضي، من قهر العناء مرت عليّ سحابة سقطت في فلك الأنين، نادت عليّ بأعلى صوتها، حديث غائر زاد من النفور بخاطري، شتت أوتاري في ممر مزدحم بشجيرات الصفصاف، كل الأشياء أصبحت من حولي ترقص على شجون الرصاصة القاتلة، لعبتْ بأوراقي وضفيرتي التي بقيتُ سنوات من عمري أحافظ على زركشتها، أداعبها بمزمار الرعشات في وجه حيائها، إلتقيت بها دات يوم ماطر، تبادلنا الأحاديث البريئة، ثغر الفصول يمجد تلك الصداقة الآتية من عالم الطفولة البريئة، من أعلى فوهة قناديل الألفة، رسمنا طريقا سلسبيلا يرتوي من شآبيب أخوتنا، ينبض حبا في كؤوس الأماني والأحلام المتوهجة، قمنا بصنع ربطة عنق حيث تعاهدنا على إبقائها حتى إسدال أرواحنا، كسوة تزاوجنا تحت بنود الصدق،نخلة معطاءة حتى تجف الأرض ومن عليها، كانت تلك بداية المقطع الموزون في زمن معاجم الذكرى السرابية، سيرة واحة إنقض عليها الطمع في زمهرير الظلمة الحالكة وخوابي النفس وسط بَرْد العيون الباكية.

العاصفة!

حنان من معشر النساء، تلك الأخت التي جمعني بها القدر، أحببتها..جعلتها نصفي الأخر في تراتيل ذهبية وقصائد فضية، تقاسمنا الأحزان والأفراح، كان الشبه بيننا تشكيلة منسجمة، علاقة إحتارت في أمرها رفوف الطقوس اليومية والذاكرة القوية، إمتدت تلك اليد الخفية من وراء النفس السطحية، لتلطمني وتجعل من نفسي خريطة مطوية، وآلة للأحزان الأبدية، كل المواعيد كانت بالنسبة لي مشلولة من دونها، حتى العصافير كانت تغار منا،ومن أعلى غصن ترمقنا بنظارات أقرب الى معزوفة زادها اللحن جمالا وبهاء، سر صداقتنا كان له طعم بلون إمتزجتْ فيه غرائب المودة،حتى القمر تهامسَ مع البحر في مد وجزر لقيام مملكتنا على شواطئ الوعد بالبقاء والعهد بالوفاء،أساطيل تمر علينا في حذر، تتسائل في أمرنا وقوتنا رغم بساطة قاربنا، فالثقة تولدت في عمق المحيط وآشتد بأسها في بئر عميق، هو رهان ظل متماسكا رغم مرورالسنين، بهاء التين والزيتون، وكل ما في القلب مكنون، وصفاء الحليب المصون، حدائق الليمون جعلتني أعيش في شجون،إبتعدتُ بفكري من كل الظنون أن هذا الشعور الميمون، سيستيقظ على صدمة ستبعثر كياني، نحو طلقة رصاصة في قلبي المحزون.

العزف بالمخالب!

إليكم أحداث النكبة بكل حذافيرها وتفاصيلها والطمع هو بريقها
يوم ليس كالأيام إستيقظت على صفعة مدوية،بصق علي الصمت بنبرة وحشية،إتصلت بصديقتي حنان، أرسل لها عسل الكلام وأحلى سلام مع باقة محبة من شتى الألوان، فتجيبني بلسان ملتوٍِ قابع تحت الأنقاض وصوت متقطع الأنفاس !
أول مرة تدمع عينيّ فيصبح وجهي مصفراً وكأنني أخطأت الإرسال
تمر الأيام وأعيد المحاولة لفك هذا الحصار..!
أختي حنان اشتقت إليكِ وأريد أن أراكِ
فتجيبني في لهيب وصوت صاخب :
معذرة ليس لدي وقت فأنا مشغولة...
ضربتُ أخماسا في أسداس!

هل أخد مني الغباء وأصبت بدوار العظمة، أم أنني أعيش تسونامي الأمواج !
هانتْ عليها الأيام وألقتْ بها الى النهر بجحود ونكران،نسيتْ اليد التي جعلتْ لياليها بدرا، سِنَانْ ذخيرتي كانت لها بدون تردد أو حسبان،وبدون عذر أرمي بجواهري، وأضعها بين يديها دون رقيب أو طلب للبرهان، فهل كنت مجرد معمل ينتج ويلبي رغباتها؟

إختطفتني المنية حينها، وتذكرتُ كم من الوقت ضيعته في محبة آلة جرفتني معها إلى الوادي، فبقي مني سوى الحصايا وقطعان الأطلال التي ضحكت مني ومن غبائي، أصبحت ُ في قبس الجريمة النكراء، بقايا قِصر نظري نحو الحقائق الملغمة،حتى مالي أخدته وأنا أبتسم لها، لم أضع حدوداًَ ترجعني إلى صوابي، جعلتُ من نفسي هدية لها تفتحها متى تشاء، أنا الملامة لأني تركت روحي أمامها بلا رداء، أمور تجاوزت فهم البشر في حيرة...
فإن قالت: آه

أقول لها: يا الله انا وكلي من أجلك يا حنان.
سواد الصورة ولسعة المذنب يضربي، يصعقني حيث الألم يصبح جثة هامدة، كان لها مأوى في ذاخلي، فلم أبخل عليها بشيء! سؤال يقتلني مراراًَ وتكراراًَ، هل كنت منجما ودمية في يديها؟
هل كنت في غيبوبة وإرتباطي بها كان ضرورة ؟ أم أنني أبدعت وعاهدت نفسي على ابتغائها؟!
نالتْ من جنائن اهتمامي بها..تسلقتْ مائدة خيراتي في أرهانها، امتصت سواك مقلتي فجعلتني أبكي على سذاجتي وشواطئها،

قالوا: أن التاريخ بكل أثاره مَعْلَمَة
فقلت: إنما الإنسان بلا عقل مهزلة

حيرة !

هكذا كانت خيبتي ترقص طربا على سطح مدن الفجيعة، لم أعرف أن للطمع أذانا صاغية،له قرين يوقد الشجع في الروح الأبدية،حنان عشقها للمال توسّد تفاصيل هويتها، تعرّتْ أطماعها عند مصاهرتها للطبقة البورجوازية،راهنتْ على زمرة من الرغبات حتى وضعت وشماً زاد من رغبتها في امتلاك الأشياء، حلمها سابق الرياح و في سرعتها جعلت لأمانيها منفى، أرجوحة تلعب من أعلى قوافيها، بغية إرضاء مخليتها،أوقدتْ ناراً لعبتْ بأطرافها وحرقتْ كل الملكات الجميلة، منها صداقتنا صاحبة المشيب والضحية، رسمتْ محطة لسيكولوجية الطمع داخل مملكتها الأزلية.عندما يصبح للطمع موطن فتلك مصيبة، ها هي حنان أصبحت من فصيلة القساة، سجنتْ نفسها داخل زنزانة مظلمة،مسكونة بالطلب المتزايد نحو بوابة الفتنة،طقوس غجرية أبانت عن علو كعبها في اقتناص الفرص وكل من هم سُدّج في حواسهم ومداركهم، يا حبذا القانعون بما قنعوا والطامعون في لؤمهم إبتذال ودنسوا.

سلام على الصمت!

إختفت حنان لسنين ورجعت في يوم بهيم،كان اللقاء في تشرين، و تبادلنا النظرات في إستعجال ونفور معتوه،يكاد أن يصبح بمتحدث رخيم.
سألتني بكل فوضوية:

هل نرجع كما كنا وننسى ما كان وندندن مجددا للكاف والنون بإحياء العلاقة بأجمل الألوان والفنون؟؟؟
فأجبتها في اختصار والرغبة تمزق وثاقي:

كنتُ لكِ بدرا فتجاهلتِه في غروب،صديقة جرحتِها وتركتِها ضائعة في الدروب،إخترتي حياة البذخ والبحث عن المال في طمع دؤوب،صعب أن يرجع الدم الى الشريان لكثرة العيوب، مهما كانت غرائزنا اللعوب والطمع في خصوبة وخصوب، فلن أكون لكِ أختا بعد اليوم ولو بعد شيخوخة ضروب.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى