الأربعاء ١٣ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم ياسر الششتاوي

نعمة أرق

أكاد أن أنفجر، النوم يعصاني، كأنني عدوه، والليالي كأنها سكاكين تذبح سكينتي المرتجاة، فلا يحط طيـر النعاس على أشجار عينـي، فتظل تناديه وتنـاديه،وهو يمتطي غيابه عن حنجرتها المـؤرّقة من جمرة الهواجس المتقدة في أعماقي، ماذا أفعل كي أفوز بالنوم في تلك الليلة؟! ما بالي في تلك الفترة لم أعد كما كنتُ؟! كنتُ فيما مضى أنام كما ينام طفل بسهولة ويسر، كأنني والنوم صديقان، أو كأنه أمي لا يتخلى عني حتي يسلمني لأحضان الشخير!! هل فقدتُ طفولتي؟! ومتى؟ ومن أجل من؟! يا ويحي...... ألا أملّ من مواجهة طواحين الأسئلة؟! تلك الأسئلة التي تتجمع مع بعضها البعض مكونة وحشاً يقف على باب حجرة نومي، يمنع أقدام النوم من الدخول إليّ!!

أكره الفشل،لذا تجدني دائما متوتراً، وأدقـق في عملي إلي درجـة الوسوسة، ولا يرضيني ما وصلـتُ إليه،كلما أصل إلى قمة أشتهي قمة أخري تحط عليها أجنحة طموحي، حتى في منامي عندما يكرمني النوم ببعض ساعات أسرقه منه!! أحلم أننـي أعمل وأعمل، وأنجح وأنجح، بل والأغـرب من ذلك أنني وقعتُ في العديد من المشاكل في عملي، وعنـدما أنام أجد حلاً لها، فأقوم مسرعاً أسجل الفكرة قبل أن تسرقها دوامة اليقظة منـي!! أنام، وكيف أنام؟؟ كرهت الضغوط المزمنة،بعد أن أبنـي وأجمع المال،وأصبح مشهوراً، ولي مكانة في المجتمع،ماذا سيفيد ذلك كله؟!

سأمـوت، ويذهب كل شيء لغيري، هذه حكمـة الحياة،لا بل هذه خدعة الحياة، الموت أكثـر ما يشغلني، ويحتل المساحة الأوسع من تفكيري،وأكثر ما يؤرقني،فكم من ليلة أشعر أن عزرائيل قادم نحوي ليأخذ روحـي وأظل أنتظر، وأنتظر، لم يبق بينه وبيني إلا القليل، مائة متر، خمسون متر،عشرون متر،ها هو يقتـرب، أكاد أراه، ثم يختفي ليعود بعد قليل، فهل الموت يلاعبني؟ أخاف لو أنني متُ أن أدخل النار، فذنوبي جبال تلد جبالاً فوق كاهلي، وأشعر أنني لن أموت إلا وأنا نائم، لذا أحياناً أخاف من النوم، كأنه عفريت!!.... أكاد أن أنفجر،أين المنوم؟ كم حذرنـي الطبيب من كثـرة تنـاول المنومات والمهدئات التي تغتال سويّتي الجسدية، نفضتُ الغطاء عني،وقمتُ لأحتمي بقرص من منومي حتي تنفض عني أفاعـي الأرق، أمسكـتُ بشريط الحبوب،ولكنـه كان قد وصل إلى آخره ليلة أمس،كيف لم أحضر شريطاً جديـداً؟!الجـو بارد وعلـيّ أن أختار إما محاولة اصطياد النوم، وقد أفشل وقد أنجـح،وإما الخروج إلي أول الشارع حيث الصيدلية، رجعتُ إلى سريري علي أمل، لا أدري ما الذي قـذف بذهني في ذكرياتي العاطفية،وما تخللها من فشل جعلني حتي الآن غير قادر على تكوين أسرة، فقد طلقتُ زوجتي منذ أشهر، ولا أنيس ولا جليس سوى الحيطـان، وليت الأمر كما يقولـون بأن الحيطان لها آذان لتسمعني، لو أنني متُ مثلاً، من سيعرف بموتي؟ من سيدفنني؟ هل سأكون كالذين أسمـع عنهم؟ هل سأظل هكذا في شقتي هذه حتى تتعفن جثـتي؟ ويعرفـوك من رائحتـك يا صاحب البرفانات؟!! يا رب أنقذني من دماغي،يا رب أنقذني من دماغي، نفضتُ الغطاء،وقررت أن أخرج،فلعنة البرودة ولا لعنة الهواجس.

أكاد أن أنفجر،الشارع الغـارق في تاريخه يبصـر البرد يقتات من رعشتي،فجسمي كثـير الأعطال لذا أحرص ألا يصيبه أذىً من حر أو برد، وهذه الأيام كأن البـرد يحتلها، ويمنعها من أن تلتقي بأي درجة الحرارة، معظم الشارع قد نام إلا بعض الشباب الذين لا يفت البـرد في عظامهم، مع أنني لم أذهب عن الشباب بعيـداً،لكننـي مصاب بالروماتيزم في عظامي،لذا أخاف من البرد،وأختفي منه دائما، وصلت إلى الصيدلية، وعند دخـولي من بابها رأيتُ أحد جيراني يضع في جيبه شريط فياجرا،تعجبتُ من ذلك، فهو لم يتـزوج حتى الآن؟ فكيف يستعملها؟ إن بعض الظن إثم،هكذا قلتُ لنفسي قبل أن أطلب شريط المنوم من الفتاة الحسناء التي تقف في الصيدلية، يبـدو أنها جديدة في الصيدلية، فلم أشاهدها من قبل، بعـدما خرجتُ لمتُ نفسي كثيراً أنني لم أطل معها في الكـلام بأي حجة، سأفعل ذلك في المرات القادمة، فربما..... ربما....

بعد أن انثنيتُ لحضـن شارعي، تغير سمته فجأة،رأيت الكثير من الناس يتجمعون حول العمارة التي تسكـن بها شقتي،لم يخطـر في بالي أن كل هـذا الجمع هو من أجلـي ومن أجل شقتي، أسرعـتُ الخطى، فربما حدث مكروه لأحـد في العمارة أو هناك مريض ما يأخذونه إلى المستشفى، ولكننـي كلما اقترب أرى دخاناً عن بعد، أسرعتُ أكثر وأكثر،حتى رأيت الدخان يخرج من شباكي، يا إلهي من الذي فعلها بي؟ وكالبرق وصلتُ إلى الجمع الحـاشد، فإذ بهم يمنعوني من الصعود إلى أعلى فالنار أصبحـت كالغول،وهنا أتتْ المطافي،بعدما أصبحتْ الشقة في عداد الأموات،من الذي فعلها بي؟ أخبرني بعض الناس أنهم سمعوا صوت انفجار شديد، وأكد البعض أن أنبوبة البوتاجاز قد انفجرتْ داخل الشقة،وكـأن ما كان يلاحقني من أرق كـان سفينة النجاة التي أنقذتنـي من طوفـان الحريق الذي أغرق الشقة، فحمدتُ الله على ما أصابني من أرق جعلني أخرج في الوقت المناسب، وأيقنتُ بأن ما نظنه مصيبة أو عناء قد يكون أعظم نعمة، جلستُ في ركن وحدي، فجاءني أحد الشيوخ الذين يقفون في الجمع الحاشد يواسيني، ويدعوني إلى الصـبر، وكان في ملامح هذا الشيخ بعض ملامح مدرس لي في المرحلة الابتـدائية،وكـان معجباً جداً بقصة سيدنا إسماعيل مع أبيـه،وكان يحكيها لنا دائما إلى درجة أنني حفظتها، فأخرجـتُ تلك القصة بصـوته من جبعـة الذاكـرة، ورأيتـها على مرآة اللحـظة التي عبّقها هذا الشيخ بكـلامه الفواح، ودخلني إحساسٌ ما أن الله فداني بانفجار الأنبوبة كما فدى إسماعيل بكبشه!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى