الخميس ١٦ أيار (مايو) ٢٠١٣
بقلم محمد جمال صقر

نَظَرِيَّةُ النَّصِّيَّةِ الْعَرُوضِيَّةِ: قَانُونُ الْجُمْلَةِ

إن الإنكارَ والإثبات اللَّذَيْنِ تدور عليهما فِقَرُ فصول القصائد، هما وَجْهَا الفائدة التي لا تُسْتَفاد إلا من الجُمْلة النَّحْوية؛ إذ إنها مُرَكَّب لُغَويٌّ مِنْ عُنْصُرَيْنِ مُتَكَامِلَيْنِ: مُسْنَدٍ إِلَيْهِ، وَمُسْنَدٍ. وَمَهْمَا يَنْضَفْ إِلَيْهِمَا أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، مِنْ عَنَاصِرَ أُخْرَى: مُكَمِّلاتٍ (مُتَعَلِّقَاتٍ)، أَوْ مُلَوِّنَاتٍ (أَدَوَاتٍ)- يُمْكِنْ تَمْيِيزُ مِقْدَارٍ مِنَ الْعَنَاصِرِ مُشْتَمِلٍ عَلَى الْمُسْنَدِ وَمَا انْضَافَ إِلَيْهِ، مِنْ مِقْدَارٍ آخَرَ مُشْتَمِلٍ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ وَمَا انْضَافَ إِلَيْهِ، لِيَسْتَمِرَّ انْقِسَامُ الْجُمْلَةِ عَلَى زَوْجَيْنِ مِنْ مَقَادِيرِ الْعَنَاصِرِ مُتَكَامِلَيْنِ: أَحَدُهُمَا هُوَ مَا يُنْكَرُ عَنْهُ أَوْ يُثْبَتُ لَهُ، وَالْآخَرُ هُوَ مَا يُنْكَرُ أَوْ يُثْبَتُ.

ولقد اجتمعت الجملة والبيت العمودي على ذلك الازدواج، وائتلفت بينهما الأزواج؛ فاستقلَّ صَدْر البيت أحيانا بأحد مِقْدارَيْ عناصر الجملة، لِيستقلَّ العَجُز بالآخر، حتى تَدَاعَى طُولا الجملةِ والبيتِ (دَعَا كُلٌّ منهما الآخَر) أولَ إِقْبال طالبِ الشعر على قصيدته، ثم اقْتَرَنَ طولُ الجملة فيما بعدُ بطول البيت.

ولما كان في أطوال بيت الشعر العمودي، الوَافِي والمَجْزُوءُ والمَشْطُورُ والمَنْهُوكُ والمُوَحَّدُ- كانت في أطوال الجملة النحوية، قَرَائِنُها كُلِّها. ثم خَطَرَتْ لطالب الشعر قرينةُ كلِّ بيت من هذه الأطوال المختلفة، في أثناء إقباله على غيره؛ فكان إذا خَطَرَتْ له قرينةُ القصير في أثناء إقباله على الطويل أَضَافَ إليها غيرَها، ووَزَّع الجملَ المتعددة على أرجاء البيت الواحد- وإذا خَطَرَتْ له قرينةُ الطويل في أثناء إقباله على القصير حَذَفَ منها بَقِيَّتَها مستغنيًا بما ذكر عما حذف، أو وَزَّعَ أجزاء الجملة الواحدة على الأبيات المتعددة.

ولقد ساعدَتْ طالبَ الشعر على تنسيق الجمل المتعددة وأجزاء الجملة الواحدة، أساليبُ رَبْطٍ مختلفةٌ، يُجاوِرُ بعضُها الجملةَ أو جُزْءَها بالجملةِ أو جُزْئِها، كأساليب العطف والاستئناف- ويُدَاخِلُ بعضُها الجملةَ أو جُزْءَها بالجملةِ أو جُزْئِها، كأساليب الاعتراض والشرط.

تلك أربع درجات من ترابط الجمل المتعددة وأجزاء الجملة الواحدة، المُوَزَّعة بالأساليب السابقة على الأبيات المتعددة، تَتَصاعَدُ وَثاقةُ عَلاقاتِها النحويةِ، من الدرجة الأولى إلى الدرجة الرابعة، على النحو الآتي:

1 تَجَاوُر الجملِ المتعددة.

2 تَدَاخُل الجملِ المتعددة.

3 تَجَاوُر أجزاءِ الجملة الواحدة.

4 تَدَاخُل أجزاءِ الجملة الواحدة.

أربع درجات من سُلَّم التَّرابُط الطويل، كُلَّما تُجُووِزَتْ درجةٌ إلى ما بعدها اشتدَّ تضمينُ الأبياتِ بعضِها في بعض، حتى التبسَتْ بعضُ الجمل الكبرى بالفِقَر؛ فاتسعت لبعض الجمل الصغرى، ووجب على طالب علم الشعر ألا ينخدع بإطار الجملة الكبرى، عما في داخله مِن جُمَل صغرى!

لقد جرى مُتَلَقُّو الشعر العمودي أحيانًا على انتزاع البيت من قصيدته لإِشْهادِه على ما يتداولونه من أفكار؛ فعاقهم عن ذلك تضمينُ الأبيات ولا سيما إذا كان من الدرجات العليا، حتى حَرَصَ طلابُ الشعر على عدمِ تضمين الأبيات التي يُجَهِّزُونها لانتزاع المتلقين، ليستقل كلُّ بيتٍ بجملته- أو تخفيفِ تضمينها، ليسهل على المتلقين إكمال نقصها!

أما مُتَلَقُّو الشعر الحديث فقد وَطَّنُوا أنفسهم دائمًا على أن تكون القصيدة كالبيت الواحد؛ فعاقهم عن ذلك تخفيفُ التضمين بَلْهَ عدمَ التضمين، حتى حرص طلاب الشعر الحُرِّ من شِدَّة تضمين الأبيات (أشباه مقادير الأبيات العمودية)، على شُمول القصيدةِ كلِّها أحيانًا بجملة واحدة!

على حركة جُمَل الفِقَر مُتَجَاوِرَةً ومُتَدَاخِلَةً، ينبسطُ سلطانُ قانونِ الجُمْلةِ، ويراعيه وُجودًا وعَدَمًا طالبُ علم الشعر، لأن طالب الشعر يخضع له عَفْوًا وقَصْدًا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى