الأحد ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
الأجندة العنقودية
بقلم يونس أحمد عفنان

هذيان الدموع

أيها الأوباش في كل مكان... يا أهلي وأخوتي وأصدقائي، بيد بادرة كلسان قطبي، أكتب، وذهن مشوش كطفل مخطوف، أفكر، وأعصاب مذعورة كخيل بريّة ..أعيش، ولكنكم لا تبالون بتآكلي وتصحري بل تنمون بعناد كالصنوبر الجبلي في ذاكرتي وهواجسي، وبينما أنا منهمك كالجزار في عراك المستحيل، حيث دمه يختلط بدمي وأنيابه بشراييني تعبرون أنتم بأقدامكم المشققة فوق بلاغتي وقلبي المهجور مسرعين بلا اهتمام نحوحقول الهزيمة اليومية والذل وتدابير الإعدام.

ورغم أنني الأكثر جبنا وانكسارا بينكم، غير أني أكثركم ولعا بتلك الابتسامة الدفينة بين دموع الأفق، التي هي لنا، ولنا وحدنا بوكالة حصرية من العدالة، ولكن صبري قصير وصبركم طويل كالأبد، أحلامكم ينقصها الغضب وأحلامي تنقصها حنكة التجار، .. لذا فأنني يا أحبتي سأخونكم عما قريب، راميا وراء ظهري ما بيننا من خبز وملح، وشتائم وأيام موثقة إلى كراسي الإعدام أوكراسي المقعدين...

وها أنا قبيل لحظة الصفر، التي لا تعني أكثر من وصول العقرب الغبي للرقم 12، حيث الطغاة غارقون في الويسكي، والعبيد في الدعوات والأمنيات، وقبيل أطلاق الألعاب النارية في سماء أمريكا والعواصم الأوروبية المدللة، وأطلاق المجاعات في سماء أفريقيا وبقية سلة المهملات، احتفالا برأس السنة، سأضع جدول أعمالي بحيث أباشرفي هذا العام الجديد بتنفيذ مهماتي العتيقة المؤجلة، لأسباب منطقية وواضحة كأسباب الخلاف اللبناني – اللبناني واللبناني – الوجودي.

لذا فأنني بأقلام من نصال سكاكين المطبخ الملثمة، ليكون الذبح مؤلما،
وحروف من حجارة الانتفاضة، ليكون الشرف طازجا،
وأسطر من سياط الغضب المقموع، ليكون الصراخ مسموعا من سطح القمر،
وعلامات ترقيم من معدات القتال، بحيث تكون النقطة رصاصة، والفاصلة مشنقة، والأقواس معتقلات، لتكون الأمور واضحة وغير قابلة للنقاش كإيماءات العاصفة،

وعلى ورق من خيام اللاجئين، والمنفيين والمنسيين على أية حدود دولية، ليكون التنفيذ سريعا وبلا تفكير كرمي الجمرة من اليد، سأرتب اولوياتي لهذا (العام الكاذب) كالحمل الكاذب والثورات الكاذبة وذلك وفق ما لدي من أجهزة كشف مبكر( كحدس الحيوانات والتنظير من فتحة الشرج) لهذه الأرض الحبلى منذ "مئة عام من السفلس" والتي لم تفلح لغاية الآن بالحبل والولادة رغم كل نطف الأنابيب المطورة وأبر الطلق الاصطناعي في عيادة جامعة الدول العربية، والعمليات الجراحية المعقدة في هيئة الأمم.

وهكذا وبالمقام الأول، سأقطع علاقتي بالأحلام والشرود في الحافلات وواجهات المقاهي، وبناء على حقيقة (أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) و(أن هذه الأمة المفتتة لن تغير في نفسها شيئا) سأبدأ باللعب بعقول الطرقات والأزقة، والأرصفة والجسور والأنفاق ومداخل البيوت بحيث:

لا يهتدي موظف إلى عمله،
ولا طفل إلى مدرسته،
ولا جندي إلى معسكره،
ولا مسؤول إلى مكتبه،
ولا عبد إلى محراثه وذله،
ولا فنان إلى مرسمه أوفلمه أومسلسله،
ولا مغني إلى مسرحه أوجمهوره،
ولا لاعب إلى كرته أووزارته،
ولا مخبر إلى دائرته،
ولا أب إلى أبنه أوأبن إلى أبيه،
ولا أم إلى رضيعها وأبنائها،
ولا مسافر إلى قطاره أوسيارته أوحافلته أوطائرته،
ولا عاهرة إلى زبائنها،
أوسكير إلى حانته أوزجاجته،

وليعم الضياع كل شيء، حتى يملأ الجنون والانهيار العصبي هذا الشرق من محيطة إلى خليجه، وتصبح المشانق أكثر تداولا من الفياجرا والرسائل القصيرة في الهواتف النقالة.

كما سأغري الشروق والغروب بتعاطي المخدرات وحبوب الصرع، بحيث يغني الاثنان معا وفي ذات الوقت (يا ليل..يا ليل) حتى يفقد الليل صوابه والظلام حدسه ويذهب كل في اتجاه كنواتج الطرد المركزي، حتى يبكي الطغاة على أعتاب حوارينا راجين أن نجلدهم بأسلاك الهاتف ومطاط السراويل.

ثم وبما أنني كثير الصمت قليل الكلام، فسأبذل قصارى جهدي في هذا العام لألتحم بالهذيان وأجن حتى يتعوذ الجنون من جنوني وأهتدي إلى خلطة عشبية لعينة أرمي بها في مصادر المياه والينابيع والسدود بحيث تجعل القتل يحل محل التملق والمديح الفارغ بين الناس وتصبح مواويل الخناجر وهي تخترق البطون أشهر من أغنيات كوكب الشرق وهيفاء وهبي، مما يضطر المنافقين و(ماسحي الجوخ) وخصوصا المقربين من ذوي النفوذ والسلطة إلى ممارسة هوايتهم في النفاق والتملق باستعمال البصاق والأحذية.
ثم وبنفس اللؤم ستدفع خلطتي اللعينة العصافير للنباح والكلاب للتغريد والحمائم للنهيق والحمير للهديل، هكذا حتى يستبدل جورج بوش كلبه بعصفور مربوط بسلسة ويبدوأكثر غباء للأجيال القادمة، ثم يربط الباعة المتجولون طنابيرهم بالحمام وخاصة حمامات السلام العاطلة عن العمل، ويصبح على موظفي البنتاغون الانضمام لتنظيم القاعدة والأنتحاريون إلى منظمة السلام الأخضر وتصبح مهمة مجلس الأمن تنظيم الطوابير أمام الأفران والمطاعم الشعبية ومحلات تصليح الأحذية في الشرق الوسط.

كما سأعمد إلى الوقوف كالمسمار أمام أي مبنى حكومي أصادفه، عاريا ومغمض العينين كرجال النينجا كل يوم ثلاث ساعات طوال العام، حتى يتصاعد الدخان من رأسي في النهاية أوتتحول كل طوبة من طوب المبنى إلى عثة أوقملة.

أما على الصعيد العاطفي، فقد هيئات خطة محكمة تفضي بأن أقنع كل النساء الشرقيات بضرورة أن يتزوج بعلها من أربع نساء مهما (كانت الانتماءات الدينية لكل منهما) بحيث يتزوج كل رجل عربي من أربع زوجات يختارون بعضهم البعض عن حب وتراضي وبعد ذلك سأطلق النار على كل من يحدثني عن الجنس والآهات والشوق والحرمان في عرض الطريق كزعيم فرقة إعدام من العهد الشيوعي، أما عن خطتي في جعل المرأة العربية تحب ضرتها بل وتسعى لأن تكون عندها ثلاث، فتعتمد على مدى سيطرتي على أطباء التجميل في العالم.

كما أنني في هذا العام ومن أجل الشهرة ولفت الأنظار فسأكف عن حب الأماكن والتعلق بها كما يتعلق الطفل بركب أمه، وسأعمد إلى تظليل الذكريات كي تكف عن مطاردتي كالكلب السلوقي بكل الوسائل الممكنة كالنوم في الفنادق والاستماع إلى الأغاني الساقطة ثم سأتخلى عن هيبتي ووقاري وحصافتي من أجل قضيتي، وعليه فأنني:

  سأحلق شعري بطريقة تظهر شكل مفتاح فوق دماغي كناية عن (الانفتاح على الأخر).

  سأحلق ذقني بحيث يكون على خدي الأيمن سهم للأعلى وعلى خدي الأيسر سهم للأسفل كناية عن ولعي الشديد بالحوار الموضوعي وعن فهمي وتفهمي للعلاقة الحميمة بين ملمعات الأحذية والدراما التلفزيونية، والمواخير ومستقبل الأحزاب، والوقوف في المنتصف بين اليورووالدولار و(الفيديوكليب) وطربوش عبد الوهاب.

  أما ثيابي فستكون على الموضة: بنطال ممزق كأمي فلسطين وقميص تظهر من تحته صرتي وقفاي كالمناورات العربية.

  ثم وبإجراءات من هذا القبيل عليّ أن أسيطر على عالم الشباب بأسرع وقت ممكن وأن أكون قدوة المراهقين وطلاب الجامعات من المحيط إلى الخليج، وعندما أحقق ذلك سيكون بوسعي الوصول على أكتافهم إلى سدة (السيطرة) في مكان ما ليحتفل العالم العربي وقتها بميلاد المئات من المقابر الجماعية الجديدة للشعوب التي لم تعد تستطيع أن تنام الأ ببسطار فوق وجهها وآخر بانتظار دوره ... وسأضحك من أعماق قهري وأنا أشارك فرق القتل في طمر الجثث حيث صورة (أولمرت) و(شمعون بيريز) و(أسنان كونديليزا رايس) التي تسبقها إلى المؤتمرات الصحفية، كلها تعجن في حقدي الدفين لتتحول بفعل الكبت المزمن إلى سماد خاص بنموالأنياب، ليكون تمزيق الخرائط والأوطان الغبية لاحقا سهلا ككذب المسؤولين في اللقاءات الصحفية.

أما الطبيعة فهي حليفتي في ثورتي القادمة، إذ سأساعد بوصول ظواهر الدمار إلى قممها حيث سأساعد في تعقيد ظاهرة الاحتباس الحراري بأن أدخن علبة سجائر أضافية كل يوم، وسأضع فوق منزلي عدد من مدا فئ الحطب والبترول وذلك للمساعدة في ذوبان القطب المتجمد وقذف المزيد من ثاني أكسيد الكربون إلى الفضاء، لكي تتوالى العواصف المدمرة وتصبح أكثر شراسة ونهشا للبيوت والحضارة وبالمقابل يستشري الجفاف ويبتلع ما يطال من أخضر ويابس فوق الأرض وخصوصا التي (بتتكلم عربي)!! وفي الأولوية أرضي وبيتي.

وأسال الله أن أعيش لكي أرى خريطة جديدة للعالم يكون فيها البيت الأبيض باذنجانة ذابلة، أويضطر القائمين عليه إلى نقله إلى طورا بورا تحت ضغوط المناخ الخرف.

أن أرى نيويورك وبكل سكانها البيض والسود، تهذي كالعاهرة التي سرقوا ثيابها وجواهرها وتطوف بين البيد الأفريقية بحثا عن خريطتها.

أن أرى الحكومات العربية بكل خطط الطوارئ الورقية التي تنام عليها باطمئنان تجدف فوق أواني المطابخ بحثا عن شعب ينقذها أوعميل إمبريالي تبيعه ما تبقى لديها من شرف، أووهي تطوف عارية تحت لهيب الشمس المسرطنة بحثا عن أعضاء لمجالس النواب أوشاعر زجلي يغني لها.

أن أرى العالم العربي في العام القادم يطبع صحفه على جلود الحمير، ويحرك سيارات (الهمر) عن طريق سحبها بالبغال المستوردة، وأن تتحول المعونات إلى ثياب داخلية للوزراء و(شحاحيط) بلاستيكية للمدراء وبناطيل من الخيش للحكام الإقليميين، ثم لا يجدون من يحكمونه الأ جثث الشعوب من البقية المهاجرة على غير هدى، والصخور والسحالي وبقايا الصفيح من حاويات القمامة.

.......... وبينما أن أقتل وأدمر وأرشد العواصف والزلازل إلى أكثر الأحياء فقرا، دخلت غرفتي طفلتي الصغيرة ذات العام ونيف وهي تنادي (با...بابا)، فأغلقت أجندتي وخلعت قفازتي، ثم وبعد أن، حضنتها وقبلتها وضعتها جانبا وغادرت بيتي على عجل إلى الحواري الدامسة علّي أنا الآخر ألتقي بأبي بطريقة ما.... .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى