الخميس ٢٥ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم غزالة الزهراء

هذيان

أسئلة شتى، متذبذبة تحدث في دماغها طنينا غير محبب كطنين نحل، لا إجابات شفافة، صريحة تنبثق ينبوعا خالدا لتسقي جفاف الظمأ، تتهاوى على كف القدر صرخة ضائعة، مغمورة بالصقيع، تتقطع أنفاسها المتهدجة، تتبعثر كقطع نقدية قديمة، حصار من الشوك المدبب الرؤوس يوخزها كالإبر، يؤلمها إلى حد الموت الأبدي، تغوص في حالة عويصة شبيهة باللاوعي، تشعر بالدوار، بالقيء، بالغثيان.

تهذي هذيانا غريبا تنفطر له الأفئدة: من أنا؟ من أكون؟ لماذا زجوا بي في هذا المكان المبطن برائحة الأدوية المزعجة؟ أنا لست مصابة بهستيريا الجنون، لا، لا، لست مصابة على الإطلاق، لم أتوصل أبدا إلى معرفة اسمي الحقيقي، ولا إلى تاريخ مولدي الباهر، لا أعرف أحدا، أجهل كل شيء في هذه الآونة.
من الذين حبكوا بمهارة فائقة خدعتهم الخسيسة ضدي ليوقعوا بي في مزالق الهاوية؟ آه لو أتعرف إليهم لنشبت هذه الأظافر الحاقدة في وجوههم الطافحة بالقذارة والنفاق، ولمزقتهم إربا إربا.

تتلقف بين راحتيها رأسها المشتعل ككرة من نار، تئن بغرابة مذهلة لا عهد لها بها، تود من صميمها أن تفر من هذا المكان الذي تختنق له أنفاسها، وتراه بأم عينيها جحيما مدلهما لا يطاق.
ما أحوجها إلى راحة نفسية ماسية، آمنة!
أسرت أمها في أذنها: لا تتوجسي خيفة وقلقا، سيكون الشفاء قريبا بإذن الله.
بدهشة سألتها: من أنت أيتها السيدة المتطفلة، الغريبة الملامح؟ لم تكن لي معرفة سابقة بك، من أنت؟ أخبريني.
ـــ هدئي من روعك يا بنيتي، أنا والدتك، هلا عرفتني؟
ـــ والدتي!؟ ماذا تقولين؟
ربتت على كتفها محاولة تهدئتها، ثم قالت لها ومن صوتها الرخيم تتقاطر زخات المآسي: تذكري والدك العزيز الذي يكن لك حبا لن يقاوم، تذكري أخاك نجيب، وأختك هدى، تذكري يا بنيتي لتعود الأمور إلى نصابها.

تدخل والدها مشفقا على حالها البائس: ستطوى صفحة الأحزان عما قريب، وتتبسم لك الحياة ناثرة حولك ورود التفاؤل، و....
قاطعته بلهفة غير متوقعة: من أنا؟ من أكون؟
استكان الوالد إلى وهاد الصمت محاولا إخفاء ذلك السر الذي طالما عذبها، واختلس منها نعمة الرقاد.
ألحت بشدة: من أنا؟ من أكون؟ أتوسل إليك أن تدلني على حقيقتي.

نزفت عيناه المعذبتان دموعا سخية بللت لحيته الكثة، وتحت وطأة هذا الحزن الصارخ صارحها بالحقيقة الناصعة التي لا غبار عليها: حصانك الأبيض الجامح الذي كنت تمتطينه أسقطك أرضا، ارتطم رأسك حينها بصخرة كبيرة أفقدتك ذاكرتك.
اقتحمت وجهها القمحي اللون سحابات من الصمت الحزين، ورقدت في عمق أعماقها حيرة فتاكة أبدية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى