الثلاثاء ١ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
بعد مراسلة الكونغرس الأمازيغي للملك لمطالبته بدسترة الأمازيغية
بقلم إدريس ولد القابلة

هل ستتجه المطالب الأمازيغية من الدسترة إلى الطائفية؟

من المعلوم أن الخطاب الأمازيغي انطلق مع تأسيس جمعيات أخذت على عاتقها الاهتمام بالثقافة الأمازيغية كحق مشروع، ثم صدر ميثاق أكادير حول اللغة والثقافة الأمازغيتين في آب 1991 وقد توصلت اليوم بعض الفعاليات الأمازيغية إلى المطالبة بالدسترة والدولة الفيدرالية والاستقلالية الجهوية.

بدأ الخطاب ثقافيا فانتهى إلى خطاب بخصوص السلطة. ففي الوقت الذي يؤكد فيه أحمد بوكوس عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي خلف صاحب "البيان الأمازيغي" محمد شفيق، أن الإستراتيجية المعتمدة تتوخى التدرج بغية تحقيق أهداف حسب تناسب المرحلة، إذ يوجه الكونغرس الأمازيغي العالمي رسالة إلى الملك محمد السادس يطالب فيها بدسترة اللغة والثقافة الأمازيغيتين واعتماد الفيدرالية والاستقلال الذاتي للجهات كسبيل لإخراج الأمازيغ من التهميش الذي يعانون منه منذ عقود.

ومن المعلوم أن الكونغرس العالمي الأمازيغي تأسس في منتصف التسعينيات للدفاع عن حقوق الأمازيغ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللسانية والسعي إلى دسترة الهوية الأمازيغية وعقد مؤتمرها الأول في آب 1997 في لاس بالماس " بجزر الكناري ويترأسه الآن بلقاسم لونس، وهو جزائري يعمل باحثا في الشؤون الاقتصادية في جامعة كرونوبل بفرنسا، والذي خلف رشيد راحا. والكونغرس الأمازيغي مرتبط بالدول الرأسمالية المختلفة عبر ارتباط مكوناته بها، والتي تسعى إلى تمكين مكونات هذا الكونغرس من التأثير في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ليصير موصوفا بالأمازيغية في جملة من المناطق. وأمريكا تدرك جيدا أن الطائفية تضعف الشعوب كما تضعف الدول (مثال العراق شاهد بامتياز). هذا هو فحوى الإشكالية رغم أن دعاة دسترة اللغة والثقافة الأمازيغيتين يركبون على الحقوق الثقافية المنصوص عليها في المواثيق الدولية. ويتضح هذا الركوب إذا نظرنا إلى المسار الذي سار عليه المدافعون على الدسترة، إذ بدؤوا بالخطاب الثقافي ثم انتقلوا إلى الخطاب الحقوقي وهم الآن في مرحلة الخطاب السياسي، في انتظار المرور إلى الخطاب الطائفي، وهنا تكمن أم المشاكل.
والسؤال المطروح الآن هو : هل يجب دسترة الأمازيغية قبل تأهيلها واستفادتها من عمليات التعقيد والمَعْيَرة أم أن دسترتها هي شرط هذا التأهيل؟ وهذا باعتبار أن الدسترة بدون إدماج فعلي في التعليم والإعلام والإدارة سيظل بدون أي جدوى كما هو الحال بالنسبة لبعض الدول التي نص دستورها على بعض اللغات دون تقعيدها في المؤسسات التربوية والإدارية والإعلامية، لكن الحقيقة هي أن هناك من يدين الدعوة إلى دسترة الأمازيغية بالمغرب باعتبارها دعوة إلى دسترة الطائفية من شأنها جر البلاد إلى صراعات هامشية، وأصحاب هذا الرأي يعتبرون دسترة الأمازيغية بمثابة الخطوة الحاسمة للسقوط في فخ الطائفية.

ففي البداية كان التركيز على القمع الثقافي للأمازيغية كذريعة لطرح القضية الأمازيغية كقضية حقوقية، مع محاولة تبيان أن الأمازيغ يعانون من القمع لمجرد كونهم أمازيغ فقط، وتنامت " الكذبة" إلى حد التوهيم أن هناك رغبة في استئصال "الجنس الأمازيغي" من المجتمع المغربي. وما دام السير على الدرب الحقوقي وصل إلى باب مسدود اعتبارا لعدم صمود الخطاب الحقوقي الأمازيغي على أرض الواقع الملموس، لم يبق إلا الهروب إلى الأمام عملا بالمثال القائل "كبرها تصغار"، إذ شرع بعض دعاة دسترة الأمازيغية يصورون المغاربة الأمازيغ كأنهم "شعب" محتل يمارس عليه الاحتلال والاستيطان، وبالتالي أضحى لازما عليه أن ينظم نفسه وصفوفه سياسيا سعيا وراء امتلاك السلطة. هذه هي الخلفية الحقيقة، غير المعلن عنها، والكامنة وراء الدعوة للقيام بتأسيس أحزاب أمازيغية من أجل التمكين من أجرأة البرنامج السياسي والإستراتيجية الأمازيغية، لكن ما العلاقة بين هذه الرؤية وإستراتيجية واشنطن الحالية؟

إن الرأسمالية العالمية تسعى حاليا إلى إشاعة التشكيل الطائفي في جملة من البلدان لاستدامة ضعفها، وهذا ما تقوم به بالضبط واشنطن وحلفاؤها بالعراق حاليا، والذي تحول إلى فضاء طوائف على يد عملاء أمريكا؛ وهو ما يٌحَضَّر له في إطار الإستراتيجية الأمريكية الرامية إلى تمزيق الشعوب في الدول لتكريس تبعيتها، ولتبقى الولايات المتحدة الأمريكية قائدة قاطرة الرأسمالية والمتحكمة في العالم. وفي هذا الإطار العام وجب كذلك فهم التودد الأمريكي مع العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان، حاليا، باعتبار أن واشنطن تراهن على قيام أحزاب دينية وأحزاب طائفية وأحزاب جهوية وأحزاب لغوية كسبيل من السبل غير المكلفة بالنسبة لها، لاستدامة تحكمها في العالم، فواشنطن الآن راعية للطائفية في العالم لتسهيل الامتثال لتعليمات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية، وفي هذا الاتجاه سارت وستسير المطالبة بالدولة الفيدرالية والاستقلال الذاتي الجهوي والإقليمي.

بلقاسم لونس، رئيس الكونغرس العالمي الأمازيغي

الملك وحده القادر على تحقيق مطلب أمازيغية المغرب

وجه الكونغرس العالمي الأمازيغي رسالة إلى الملك باعتباره وحده القادر على تحقيق مطلب "أمازيغية" المغرب ودسترتها وتفعيلها في مختلف مجالات الحياة، معتبرا أن اللغة والثقافة الأمازيغية أضحت في خطر في ظل هيمنة الأقلية العربية على الأغلبية الأمازيغية سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وأن الحكومة وإداراتها فقدت مصداقيتها بهذا الخصوص، وأكد في حواره مع جريدة المشعل على:

 ما هي الأسباب التي دفعتكم إلى بعث رسالة إلى الملك محمد السادس؟
 إن الهدف الأساسي الذي نسعى إليه هو أن تعترف الدولة المغربية بوضوح بأمازيغية المغرب (التاريخية والحضارية والثقافية واللغوية) وأن يترجم هذا الاعتراف بإدماجه في الدستور المغربي، وبعد ذلك القيام بمؤسسة الأمازيغية في جميع المجالات، الإدارة، التعليم، الإعلام... ومن المعلوم أن الملك بالمغرب هو أعلى سلطة ويتوفر على صلاحيات دستورية واسعة، والفصل 19 من الدستور يقر بأن الملك حامي حقوق وحريات المواطنين، فرادى وجماعات، والجماعات المحلية، كما أن الفصل 103 كذلك، يبين السلطات الواسعة للملك.
إن الحكومة وإدارتها، التي ظلت تعبر عن عدائها للأمازيغية، ولا يمكنها أن تعتبر جهة ذات مصداقية بهذا الخصوص. لذلك يظل الملك في رأينا السلطة الوحيدة القادرة على تحمل المسؤولية وإصدار تعليمات لوضع حد لمعاناة الأمازيغ، وعلاوة على كل هذا، فإن التجربة بينت لنا أن القضية الأمازيغية ظلت قضية القصر الملكي منذ عهد الملك الحسن الثاني.

 هل فعلا وصلت اللغة والهوية الأمازيغيتين إلى حد الخطر تطلب اللجوء إلى الملك وتدخل الأمم المتحدة؟
 عليكم الإطلاع على تقريرنا المقدم للأمم المتحدة وستلمسون الوضعية المقلقة للأمازيغيين بالمغرب، على صعيد جميع جوانب الحياة اليومية، وتكفي الإشارة إلى بعض الأمثلة لتوضيح أن الأمازيغيين بهذا البلد يعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية غير كاملي المواطنة، كما كان الحال عليه في عهد الحماية الفرنسية: لا حق لهم حتى في اختيار أسماء أجدادهم لأبنائهم، ولا حق لهم للدفاع عن أنفسهم في المحاكم باللغة الأمازيغية ولا حق لهم في إحضار مترجم محلف في حين يتمتع الأجانب بهذا الحق بقوة القانون المغربي، كما أنه لا توجد محطة تلفزية أمازيغية في حين أن هناك 4 بالعربية، وتاريخ الأمازيغ لا زال محرفا ومشوها، ولغتهم وثقافتهم محتقرتين داخل المؤسسات العمومية ومن طرفها، لاسيما بالتلفزة والمدرسة، ولازالت مرجعية الدولة المغربية مرجعية استعمارية (القوانين الفرنسية) والتي اعتمدت لتجريدهم من أراضيهم واستغلال المناجم المتواجدة بها ولم يتركوا لهم إلا التلوث وجفاف الوديان، الاحتقار اليومي لكل ما هو أمازيغي، والمنعوت قدحيا "بالشلحة"، إذن هناك خطر فعلي بالنسبة للشعب الأمازيغي بالمغرب، وهذه الوضعية تستوجب على الأقل دق أجراس الخطر إن على الصعيد الوطني أو على صعيد المنظمات الدولية وفي جميع الساحات العمومية للكرة الأرضية.
 هل اللغة والهوية والثقافة الأمازيغية تعيش أزمة في المغرب فقط أم أنها تعرف نفس الوضعية في البلدان الأخرى بشمال إفريقيا؟ وهل كاتبتم الرئيس بوتفليقة، علما أن هناك أزمة بخصوص القبايل بالجزائر؟
 إن وضعية اللغة والثقافة والهوية الأمازيغية تعيش تقريبا نفس الأوضاع في جميع بلدان إفريقيا الشمالية، باعتبار أن كل حكوماتها عربية أو مستعربة وليست الأوطان التي هي أمازيغية، بخصوص الجزائر لا نفكر اللجوء إلى رئيس الدولة ما دام لم تتم بعد محاكمة ومتابعة الدركيين والآمرين بالقيام بمجزرة الربيع الأسود لسنة 2000 بالقبايل (126 قتيل وأكثر من 5000 جريح)، لكننا نفكر في اللجوء مباشرة للجزائريين بمناسبة الإصلاح المرتقب للدستور بالجزائر لتذكيرهم بضرورة الاعتراف بحقوقنا الأساسية واحترامها عملا بالمبادئ الدولية للديمقراطية والحداثة. وهذا هو مطلبنا وشرطنا كأمازيغ للمشاركة في بناء جزائر نريدها تعددية وراعية لكل حقوق الإنسان.
 هل تتوفرون على إحصائيات بخصوص نسبة الأمازيغ وهل تعتقدون أن نسبتهم تفوق نسبة العرب بالمغرب؟
 إن نتائج إحصاء الساكنة المنجز سنة 2004 تشير إلى أن 27.8 في المائة لا يتكلمون بالأمازيغية، وهذا بالرغم من مرور قرون عديدة للتعريب العنيد. وإذا أضفنا الأمازيغ الذين يتكلمون اللغات الأخرى والأمازيغ الذين فقدوا القدرة على استعمال الأمازيغية رغم أنهم يعتبرون أنفسهم أمازيغيين، فيجب مضاعفة عددهم الرسمي المعلن عنه 3 مرات، وهذا ما اعترفت به الدولة المغربية نفسها عندما كتبت في إحدى مواقع الانترنيت الرسمية (www.maroc.ma) أن "75 في المائة من سكان المغرب أمازيغ و 25 في المائة عرب"، لكن سرعان ما كشفت الصحافة الأمازيغية هذه المعلومات ونشرتها، حذفت تلك الأرقام من ذلك الموقع الرسمي.

فلماذا مثل هذا التعامل ومحاولة حجب الحقيقية؟ لسبب بسيط، قامت الدولة بما قامت به لأن تلك الأرقام تؤكد ما أقرت به، منذ عدة سنوات، الحركة الأمازيغية والمتخصصون في المجال، علما أنها قامت بما قامت به حتى لا يعي الأغلبية الأمازيغية أنها تحت هيمنة أقلية عربية تحتكر السلط السياسية والاقتصادية وتفرض لغتها وثقافتها وإيديولوجيتها...
 هل احترام الهوية الأمازيغية وحقوق الأمازيغ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تفترض بالضرورة اعتماد الدولة الفيدرالية والاستقلال الذاتي للجهات؟
 بعد مرور أكثر من نصف قرن على الاستقلال وبعد صبر دام طويلا، اكتشف الأمازيغ بالمغرب أنهم لا زالوا مستعمرين، سياسيا واقتصاديا ولغويا وثقافيا، وفرصتهم الوحيدة للاستمرار في الوجود هي تقرير مصيرهم بأنفسهم طبقا لما يقره القانون الدولي الذي ينص على حق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار، بكل حرية، نظامها السياسي والاقتصادي وضمان تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، علما أن النظام الفيدرالي والاستقلال الذاتي الجهوي يشكلان تنظيما حديثا للدولة وقد أكد نجاحه في العديد من مناطق العالم، وهذا لا يعني النيل من الوحدة الوطنية كما يحاول بعض أعداء الحركة الأمازيغية الترويج لذلك لتأليب فئات الشعب الواحدة على الأخرى.
 ما هو موقفكم في حالة عدم استجابة الملك لمطالبكم؟
 بكل صراحة لا أتصور أن الملك سوف لن يولي لمطالبنا الاهتمام اللازم، لكن في حالة عدم الاستجابة على كل طرف أن يتحمل مسؤوليته. وفي انتظار ذلك، فإن كل مطالب الأمازيغ بالمغرب مشروعة وواقعية وتتماشى مع المصالح العليا للبلاد، وهذا لا يغيب على جلالة الملك الذي كان له الدور الحاسم في إعادة الاعتبار للهوية الأمازيغية بالمغرب منذ سنة 2001. فما نطلب من جلالته الآن هو الاستمرار على نفس النهج لضمان حماية قانونية للهوية الأمازيغية وأنا شخصيا متفاءل بهذا الخصوص، وأن الملك سيستجيب لمطالبنا، لا سيما وأنها تحظى بدعم ومساندة الأمم المتحدة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى