الجمعة ٣ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩
بقلم حسن أحمد عمر

هل هذه الأشياء من مكونات الشخصية العربية؟؟

ثقافة (لوى البوز) و(تقطيب الجبهة) و(عقد الحاجبين) و(توسيع العينين) أثناء النقاش هل هى ثقافة عربية بحتة أم أنها عالمية تمس كل البشر؟؟ وهل رفع الأصوات عند النقاش والتشويش على الطرف الآخر لإلغاء كلامه وطمس معالم أقواله هى صفات عربية أم عالمية؟ وهى تحقير المخالف والتقليل من شأنه وقتله معنوياً هى ثقافة عربية أم عالمية؟ وهل التغليس فى أسلوب الكلام بما يوحى بتهميش الطرف الثانى وإقصائه والإيحاء له أنه بلا قيمة وأن رأيه سينتهى إلى صندوق الزبالة هل هذه ثقافة عربية أم عالمية؟؟

كلمة (غلاسة) لا أعرف لها أصلاً ولكنها مهمة جداً لتوصيل المعنى المطلوب، فقد لاحظت تلذذ الكثيرين بالتغليس على الناس فى النظرة والكلمة والحركة، وكأن الغلاسة واجب مقدس وعمل مطلوب لكى يكمل عمله ويؤديه على أحسن وجه، ولست أدرى ما هو النبع الذى يستقى منه هؤلاء الغلسين ثقافتهم وكيف ينامون مرتاحين البال بعد أن قضوا معظم يومهم فى التغليس والترذيل على خلق الله الذين ساقهم حظهم العاثر إليهم فرأوهم وتصبحوا بوجوههم الغلسة.

بعض الناس يبخلون عليك بمجرد الإبتسامة فى وجهك أو حتى البشاشة ويصرون على العبوس والتكشير وكأن بينهم وبينك ثأر قديم، مع أنهم لم يروك من قبل ولم يعرفوك ولم يتعاملوا معك، قد يكون شكلك ليس على مزاجهم، أو وجهك ليس من النوع المحبب لديهم، يتعاملون مع الإنسان كما يتعاملون مع أنواع البهارات والسلطات، لا يعلمون أن الله تعالى سيحاسب الإنسان على تلك التصرفات وعلى هذه الحركات.

لم يكن حساب الله لعباده قاصراً على الذنوب الظاهرة المعروفة كالكبائر واللمم وغيرهما، ولكن الله تعالى يحاسب عباده على مجرد الكلمة التى ينطقون بها (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، ليس هذا فحسب بل والنظرة أيضاً وأقصد بها نظرة الحقد مثل قوله تعالى (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون)، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل يحاسب الله تعالى عباده على ما توسوس به نفوسهم دون أن يسمعهم أحد من خلق الله فيقول العلى الكبير (ولقد حلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه) ثم يقول سبحانه ( إن تبدو ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء).

تذهب لقضاء مصلحتك عند موظف ما فينظر إليك كأنك خارج على القانون أو متهم، يريد أن يفترسك كأنه وحش وأنت أرنب ضعيف لمجرد إحساسه أن مصلحتك عنده، يتلصص بك ويتآمر عليك، ينظر إليك بنصف عينه كأنك حشرة وهو عملاق عظيم، فإذا ضربت يدك فى جيبك ونقدته بالمعلوم راحت تكشيرته أدراج الرياح وبدا طيباً ووديعاً وأصبح خطه جيداً وكلامه واضحاً، وراح يتمتم بكلمات الذكر والتسبيح كأنه من عباد الله الصالحين، والويل لك لو كان المبلغ تافهاً أو لا يعادل ما يرنو إليه وما يحلم به، وللحقيقة لا نعمم فهناك الطيبون والشرفاء والمتقون المخلصون.

بعض الناس تأخذه العزة بالإثم ويستكثر عليك كلمة جميلة أو جملة يفتح نفسك بها وكأنه لو فعل ذلك وأشعرك بإنسانيتك يكون قد إرتكب جرماً أو أتى إثماً مبيناً، لا يعرف أن الله تعالى قد قال (وقولوا للناس حسناً)، ليس ذلك فحسب بل إنه سبحانه حين يصف أهل الجنة يقول عنهم (وهدوا إلى الطيب من القول).. فأى بيان وتوضيح أكثر من ذلك لكى يتعلم أهل الدين كيف يتعاملون مع الخلائق فيبتسمون لهم بدلاً من الوجه العبوس القمطرير، ويقولون لهم قولاً حسناً بدلاً من العجرفة والكبر الشيطانى المقيت، ويتذكرون أن الله تعالى قد أمر نبييه موسى وهارون عليهما السلام ألا يكونا خشنين مع أكفر خلق الله وأظلمهم وهو الفرعون الملعون فيقول لهما (فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى).. مع أن الله تعالى بيده فى أقل من طرفة عين أن يجعله عدماً هو ومن كان مثله فى كل زمان ومكان.

معظم المشاكل التى تنتهى بجرائم بشعة تبدأ بنظرة سخيفة يليها تعليق سخيف يليه جملة قبيحة تليها ضربة مميتة ثم ركلة قاتلة وينتهى الأمر إلى المشنقة أو غياهب السجون، فلماذا نضعف ونصبح سفهاء أمام غواية الشيطان الرجيم ونستجيب له ويأكل بعضنا البعض دون ذنب أو سبب ؟ ماذا سيخسر الناس لو أفشوا بينهم كلمات الحب والسلام التى تبعث على الطمأنينة وتجعلك تأمن لهم وتأنس لوجوههم ؟ لماذا يعامل الناس بعضهم كمحقق مع متهم ؟ لماذا نتربص الدوائر بعضنا ببعض وننتظر أن يحيق بالآخرين المصائب ؟ كيف نشعر بالأمن وهذه أخلاقنا ؟ كيف نستلذ بالحب وننعم فى كنف السلام وتلك صفاتنا ؟ متى نحب بعضنا ونفضل الآخرين على أنفسنا فنكون قد استجبنا لقوله تعالى (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) ؟؟

كلنا يزعم لنفسه الطيبة والإنسانية والكمال فإذا وقع فى دائرة الإختبار وجدت أمامك وحشاً كاسراً لا يلين ولا يستجيب ولا يعرف غير نصرة نفسه حتى لو كان ظلمه واضحاً وغيه بائناً وجريمته جلية، نادراً أن يعترف أحدنا بخطئه وغيه ويعتذر بأدب ويعيد الحق المسلوب والكرامة المجروحة لصاحبها، متى نفهم ثقافة إحترام الآخرين والرغبة الحقيقية فى تقديرهم واحترامهم مهما اختلفوا معنا فى الدين أو العقيدة أو الفكر أو الرأى ؟ متى نعلم أنه ليس من خصائصنا محاسبة بعضنا البعض أو التفتيش فى قلوب بعضنا والتنغيص على حياة بعضنا ؟ متى نؤمن فعلاً أن الله تعالى هو الذى خلق وهو الذى رزق وهو الذى يعطى وهو الذى يأخذ وهو الذى يحاسب البشر بدقة ربانية لا نهائية، وأن حساب البشر للبشر هى خطيئة بشرية قاتلة تصل بهم لحد الشرك بالله تعالى ونحن نعلم جزاء المشركين ، فالمشرك يشبهه الله تعالى بمن خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح فى مكان سحيق.

ليس لإنسان فضل على إنسان فالفضل كله لله وبيده سبحانه، فلا تكشر عن أنيابك لأخيك الإنسان ولا تتوعده ولا تظن نفسك قيماً عليه تختار له دينه وفكره ومنهجه، فله عقل مثلك وله فكر مثلك وله توجه مثلك، ومهما كان ضدك فطالما لا يؤذيك ولا يضرك ولا يعتدى عليك فليس لك عنده أى حق، هى حرية منحها الله تعالى لكل إنسان وبناءاً على هذه الحرية جعل الله تعالى يوماً عظيماً للحساب والعقاب والثواب وهذا اليوم ملك لله وحده (مالك يوم الدين) ولأن الله (لا يشرك فى حكمه أحداً) فلا يحشر الواحد منا أنفه بين الله وعبيده فهو ربهم يتولاهم يرحمهم أو يعذبهم، يهبهم أو يحرمهم يرفعهم أو يذلهم، هذه أشياء ملك الله تعالى وليس لبشر أن ينحشر فيها فى تبجح عجيب وتنطع غريب يكون مأواه جهنم وبئس المصير لكل دخيل عنيد يتكلم باسم الله تعالى كأنه يأتيه وحى السماء.

أخى الإنسان فى كل زمان ومكان : من حقى عليك ألا تعبث فى وجهى وألا تحاسبنى على أعمالى طالما لا أضرك ولا أعتدى عليك ومن حقى عليك أن اسمع منك قولاً ليناً ورداً طيباً وحلماً وأدباً، ولك علىّ كل هذه الحقوق بلا نقصان أو تقصير، فهل يأتى اليوم الذى نتمتع فيه بثقافة الحب الخالص وثقافة ترك ما لله لله وثقافة التأدب فى النظرة والكلمة والحركة مع بعضنا البعض حتى نرتقى وينطبق علينا قوله تعالى (وقولوا للناس حسناً) وقوله تعالى (وهدوا إلى الطيب من القول)..؟؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى