السبت ١٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٠
بقلم بلقاسم بن عبد الله

واسيني ورواية التاريخ

..وكيف يتمكن الأديب من الكتابة عن الوقائع التاريخية بشكل أدبي متميز؟.. وإلى أي حد تستطيع الرواية أن تستوعب أحداث الزمن الغابر؟.. وهل يحتاج الكاتب مهما بلغ عمره أو كبر قلمه، إلى فترة راحة واسترخاء، أو استراحة المحارب كما يقال، تحت تأثير ضغوط متداخلة، ليستأنف بعد ذلك حيويته، ويجدد أدوات كتابته، ويتوج أعماله الإبداعية المغايرة؟.. هكذا تساءلت بعد متابعتي لجديد صديقنا الأديب واسيني الأعرج بعد صدور آخر عمل روائي بعنوان: البيت الأندلسي.. بعد روايته التاريخية التي تحمل إسم كتاب الأمير، وقد نال بها منذ سنتين جائزة الآداب الإماراتية، لتميزها ضمن الجهود الروائية العربية.

وصاحبنا الدكتور واسيني الأعرج من مواليد سنة 1954 بقرية سيدي بوجنان بولاية تلمسان، ويشغل حاليا منصب أستاذ بكل من جامعتي الجزائر المركزية، والصوربون بباريس، ويعتبر أحد أهم الأصوات الروائية في الوطن العربي.

وتعود بي الذكريات إلى الصداقة المتينة التي جمعتني مع صاحبنا العزيز واسيني أزيد من ربع قرن، منذ أن كان طالبا طموحا رفقة رفيقة العمر الشاعرة: زينب الأعوج بجامعتي وهران ودمشق، قبل أن تلتقي نشاطاتنا على صدر الصحافة الوطنية، وخاصة من خلال ملحق النادي الأدبي لجريدة الجمهورية الذي يفتخر بكتاباته الأدبية والنقدية.
ومازلت أعتـز بأول إنتاج أدبي لصاحبنا واسيني أحتفظ به في مكتبتي الخاصة، وهو عبارة عن محاولته الروائية الأولى، أطلق عليها وقتئذ اسم: جغرافية الأجسام المحروقة، وقد انتهى من كتابتها في تلمسان بتاريخ أول جانفي 1978 ولم يبلغ بعد 25 سنة، ويبدو أن هذه النسخة نفيسة ونادرة، وقد أهملها الكاتب ضمن قائمة مطبوعاته التي تبدأ برواية وقائع من أوجاع رجل..(1980) لتتواصل أعماله الروائية الصادرة داخل وخارج الوطن إلى غاية نوفمبر 2004 تاريخ صدور عمله الأدبي الجديد: كتاب الأمير. وقد ترجمت بعض أعماله الروائية إلى عدة لغات أجنبية، من بينها الفرنسية والألمانية والإنجليزية.

أما روايته الجديدة التي أطلق عليها إسم البيت الأندلسي.. فقد اشتغل كاتبها حول موضوع الموروث والذاكرة وإشكالية التراث المعماري الذي أبدعه عرب الأندلس في الفردوس المفقود.. وقد صدرت هذه الرواية في بيروت منذ شهرين، وستترجم خلال الأمد القريب إلى اللغات الدانمركية والفرنسية والكردية، وقبل ذلك ستزور مكتباتنا الجزائرية خلال إقامة المعرض الدولي المقبل للكتاب.

أما الرواية التاريخية السابقة التي أطلق عليها أديبنا واسيني إسم كتاب الأمير، وتقع في 554 صفحة من الحجم الصغير، وهي صادرة ضمن منشورات الفضاء الحر، وتعتبر أول تجربة روائية عن بطل المقاومة الجزائرية الأمير عبد القادر، تستند إلى المادة التاريخية، وتدفع بها إلى قول مالا يستطيع التاريخ قوله، من خلال الإستماع إلى أنين الناس وأفراحهم وانكساراتهم.

وكتاب الأمير تجربة جزائرية رائدة في كتابة الرواية التاريخية، حيث يشتمل على دروس وعبر في حوار الحضارات ومحاورة كبيرة بين المسيحية والإسلام، تفضي إلى إعادة تشكيل وعي كل الذين انغمسوا في حروب، وجد الأمير فيها نفسه على حافة قرن ينسحب بكل أشواقه وهزائمه، وقرن جديد كانت فيه الآلة والبارود سيدتا الحروب والتطور.

وهذا العمل الروائي المتميز، حافل بالعديد من التساؤلات والدلالات، ويستحق بالفعل أن يتوج كتجربة جزائرية جديدة رائدة في كتابة الرواية التاريخية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى