الخميس ٣٠ تموز (يوليو) ٢٠٠٩
بقلم كاظم الشويلي

وافقني المدير بهزة من رأسه

أنت مفصول من الدائرة هكذا قالها السيد مدير الدائرة بعنف وهويضرب على المائدة المنتشر على سطحها أقداح ملونة وأوراق مكدسة وقنان ذات أعناق طويلة.... قالها قبل ثلاثة اشهر ومنذ ذلك الوقت وأنا أتسول في الشوارع ابحث عن عمل، راسلت كل أصدقائي لكن دون جواب، لم يكن المدير يجلس وحده في مكتبه، بل كانت تحيط به الحاشية....
قلت له :- لماذا تطردني من عملي؟؟ ألا تعلم أني أب لخمسة أطفال؟؟ وكيف أسدد الإيجار المتراكم على عنقي؟ قال المتملق الأول وهويقضم تفاحة كبيرة بعضتين :- لما تزوجت ولماذا أنجبت؟ ألم نحدد النسل؟ وافقه مدير الدائرة بهزة من رأسه... يا ذئاب هذه الأرض كفاكم تملقا فان طاحونة الجياع ستدق أعناقكم، راتبي يا أيها المدير المقدس ضعف واحد وراتبك خمسة أضعاف لا اعلم ألا انك تملك بيتين ألا انك تملك سيارتين ألا انك تملك وجهين وجه اسود تتصدى به لله ووجه اصفر تتملق به للشيطان أما أنا.... أنا ضعف واحد وخمسة أطفال وإيجار لم يدفع منذ شهور قلت لنفسي سأصرخ بوجه مدير الدائرة لعل الموتى يسمعون هذه حقوقنا تشهد على زيف أهدافكم فان كنتم قد اتبعتم قانونا وضعيا فهذه الأمم تحترم انسانها وان كنتم قد اتبعتم قانون(علي) فذاك(علي) يوزع الدراهم على العربي والأعجمي بالتساوي لكن هل يعرف هؤلاء القوم (عليا ).. سوف اشتمهم واحدا واحدا من مديرهم إلى ماسح أحذيتهم وأقول لهم (يا عصابات غابات الامزون جعلتموني الهث خلف ركام الدنيا من بلد لبلد ككلب فقد مأواه وهل للكلب مأوى ؟..

لكن لا لن أقول لهم فان بمقدوره أن يزجني في زنزانة مظلمة بإشارة من إصبعه الصغيرة انهم ظلمة لقد طردوني من عملي وشردوني من مدينتي على اثر قولي للمدير :- يا سيدي أنا موظف قديم وقد اصبح عمري في الخمسين، وفي هذه الدائرة تعبت كثيرا وأرهقتني الأيام وترهقني مأساة كل مستضعف على هذه الأرض الحبلى بجثث البؤساء لا ارتضي الذل أدافع عن الأرض عن القضية وآي قضية ها انتم أنسيتمونا قضايانا...
وبقينا نفكر في الإيجار ونسخة الطبيب..... لاذ المدير بالصمت نطق المتملق الثاني وهويضرب على كرشه ضربات خفيفة :- عليك أن تنفذ ثم تناقش.... وأردف مالك الخزانة وقد مد رقبته الطويلة :- بل حزبنا المقدام يرفض مناقشة أمثالك من الصعاليك...وأضاف منظر الدائرة :- سواء رضيت أولم ترض أنت عدم لا وجود لك في قواميسنا....وأيدهم مدير الدائرة بهزة من رأسه.... قلت لهم :- أنا لا أناقش يا سادة ارحموني وارحموا أطفالي..... سألني المتملق الأول بسخرية :-لماذا لم تدرس ويزداد راتبك ؟ وصرخ المتملق الثاني متهكما:- هل تحسدنا على دنانيرنا ؟ ونبح المتملق العاشر بصوته الآلي :- نحن حراس القضية هل نسيت ؟

واكتفى مدير الدائرة بهزة من رأسه:- وقد أخذه النعاس وهويتثاءب فلم يتمالك نفسه حتى غفا على المنضدة وتفرقنا نحن على صوت الشخير... عدت إلى البيت في ذلك اليوم وأنا احمل أطنان من الأحزان، قالت زوجتي وعلى وجهها كابة :- جاء صاحب الدار يطالب بالإيجار ومرتضى طرده مدير المدرسة لأنه لم يحضر اجتماعات الحزب...... ومصطفى يبكي يريد حذاء جديدا فان رفاقه بالمدرسة يسخرون من حذائه الممزق.... قلت لها :- كفى.... قالت :- صبرا فان بتول مريضة ومريم تريد عباءة فان عباءتها أصبحت كالحة ومرقعة... أشرت لها بالسكوت نظرت إلى ابنتي الصغيرة (سوسن) ابتسمت في وجهي وجاءتني مهرولة تقبلني قالت :- بابا أنت مهموم ؟ ما أدراها هذه الطفلة وأخذت تداعبني وكان مرامها تسليني،،، تقفز فوق ظهري،،، تسحب شعري تأخذ أقلامي تنثر أوراقي ترسم على الجدران زهورا وأشكالا هندسية ترسم حميرا وحشية قالت :-

هل هذه الرسوم جميلة ؟ وقبل أن أجيبها صفعتها أمها على خدها ونهرتها قائلة :- كم مرة قلت لك اتركي الجدران نظيفة ؟ هربت سوسن والتجأت إلى حضني خائفة من أمها وهي تبكي، جذبتني الأقراط المعلقة بأذنيها، قلت لها :- أعطيني هذه الأقراط يا سوسن واشتري لك قطعة حلوى..... ضحكت وهي تغص بدموعها قالت :- بابا أنت تريد أن تخدعني؟؟

وقفزت فوق ظهري وهي تأمرني بصوت ناعم :- سرررررر بي مثل الحمار هيا سرررررر..... سر بسرعة........وانشات اذرع الغرفة وازحف على ركبتي وسوسن مسرورة فرحة......... آه يا ابنتي أنا لست مدير الدائرة حتى أخدعك.... وإنما.......... إنما هذه الأزمة التي تطوق رقبتي....... لقد جمعت سوسن مبلغ الأقراط من خالاتها ليلة العيد فكرت في نفسي ( سوف أبيع السجادة وادفع الإيجار )....... آه أي سجادة الم أبعها قبل أشهر وها نحن نفترش الأرض ونلتحف السماء..... وفتشت في زوايا البيت عن شيء ثمين لكي اعرضه للبيع لا شيء سوى سراويل مرقعة وقمصان ممزقة وأحذية عتيقة وأقراط سوسن............ نظرت إلى اقراطها مرة أخرى تأملتها وبكيت وانحدرت دمعة جاءت سوسن ورفعت ذقني بأناملها الرقيقة، قالت :- بابا الكبار لا يبكون... نعم الكبار لا يبكون.... وأما نحن الصغار المستضعفون فان دموعنا تصير انهارا وتطوف في كل أرجاء المعمورة...

آه يا سوسنتي انك تنسيني الدنيا ووحوشها ومدير الدائرة ولقد تذكرت عندما سألني المدير قائلا :- ومن قال لك أن لا تدرس وتصبح موظفا كبيرا أومهندسا قديرا ؟....آه أيها المخمور أنت درست لأنك ابن طبقة فوقية أما أنا المعدوم المتسكع على أبواب الفقراء لوكنت املك لقمة يومي لما أتيت قبالة دائرتك.... سحبت ( سوسن ) شعري بعنف صرخت بشدة انقطعت سلسلة خيالي، آه من هذه السوسنة، وتعيد الكرة اصرخ أنا وتضحك هي والأقراط تتراقص تحت ضوء الخافت رن جرس الدار قالت سوسن:- ربما جاء عمي.... كفى يا سوسن وهل لك عم في هذه الدنيا لقد شردوه وأبعدوه عن هذه البلدة فتحت الباب فإذا بكتلة من صراخ والسباب تقف قبالتي انه صاحب الدار وفهمت ثلاث جمل من كل مائة جملة، تجول في أرجاء الدار يوبخني ساعة وينهرني أخرى سألني ( لماذا تتركني أدق جرس الدار عشر مرات ؟ من دق هذا المسمار في هذا الجدار ؟ ما هذه الرسوم على الجدران ؟ أين أجرة الأشهر السابقة ؟ إذا لم تستطع دفع الإيجار لماذا أنت حي........... وووو؟؟؟؟؟ )... وأصابني الصداع من حديث هذا الرجل وكأنه مواء هر مريض وتعدت أربع ساعات متت الية كأنها أربعين سنة، وأخيرا غادرنا بعد أن شتمنا بمقدار أربع أطنان من السب المتواصل...... سألتني سوسن:- لماذا يصرخ هذا الفيل ؟ قلت :- يريد هذه الأقراط... فكرت سوسن لحظات وقد وضعت أصبعها في فمها ثم سألت :- وإذا أعطيته الأقراط لا يصرخ عليك مرة أخرى ؟ لا ليس من حقه الصراخ مرة أخرى خلعت سوسن أقراطها ووضعتها في يدي..... أخذتها خجلا... خيل ألي إن مدير الدائرة ينظر إلينا من ثقب الباب وقد غص بقهقهة هستيرية ثم..... وافقني بهزة من رأسه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى