الاثنين ١٥ أيار (مايو) ٢٠٠٦
بقلم تيسير الناشف

واقع الضعف العربي: نتيجة عن تشابك عوامل داخلية وخارجية

لا خلاف على ان واقع التخلف والضعف الذي يعاني الشعب العربي منه في شتى الميادين منذ وقت طويل يفسر بعوامل داخلية وخارجية: العوامل الداخلية من قبيل انتشار الجهل واستفحال الفقر وتقييد الفكر وسوء التنشئة وفساد عدد من المؤسسات الاجتماعية - التي تشمل مؤسسات اقتصادية وسياسية - وغلبة النظام الذكوري الابوي وسوء استعمال القوة والسلطة الاجتماعيتين وتدني وضع المرأة وضعف المجتمع المدني ووقوع قسم من الناس تحت تأثير الشخصية الفهلوية السطحية، تأثير الشخصية المجاملة في السياق الذي يستدعي النأي عن المجاملة، شخصية "معليش"، شخصية "ما يهم" او "ما يهمش"، شخصية الانسان الذي لا يعنى بضبط الامور والذي لا يحمل الامور محمل الجد، الانسان الذي تسيطر عليه الشخصية الذكورية الأبوية فتفقده شخصيته الفردية المستقلة، ولجم اللسان عن قول الحقيقة، تحسبا وتخوفا. وقد لا اجافي الحقيقة اذا قلت ان اليافع الامريكي لديه الجرأة على الكلام وعلى الافصاح عن الرأي والثقة بالنفس اكبر مما قد يتوفر لدى الكهل في اجزاء من الاراضي العربية. والعوامل الخارجية من قبيل انتهاج جهات فاعلة أجنبية لسياسات استغلالية تسعى الى ممارسة التأثير والنفوذ تجاه الوطن العربي ونهوض تلك الجهات بمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في هذا الوطن وتدخلها في شؤونه في شتى الميادين.

غير ان هذا العرض يتطلب القول فورا ان ما تسمى بالعوامل الداخلية والعوامل الخارجية عوامل شديدة التداخل. وتعمل هذا العوامل اما بالتزامن او في اوقات مختلفة. وبغض النظر عن تزامن او عدم تزامن حدوثها فان علاقة تأثر بعضها ببعض او تأثير بعضها في بعض علاقة معقدة ونشيطة (دينامية). وان ذلك التداخل والنشاط يبلغان حدا يستحيل عنده الفصل الموضوعي الدقيق بين ما تسمى بالعوامل الداخلية والخارجية. ويستحيل ايضا الفصل الموضوعي بين آثارها في نشوء الواقع واستمراره. وبالتالي يجدر بنا حينما نصنف العوامل صنفين ان نكون واعين بهذه الاستحالة. ولذلك فان الاخذ بهذا التصنيف يأتي على حساب الفهم الافضل لهذه العلاقة بين تينك المجموعتين من العوامل.

وللسبب نفسه من الخطأ تفسير التخلف والضعف العربيين بضعف البنية الداخلية - والبنية تعرف بانها "الظاهرة المتكررة الحدوث" - فقط، وذلك لان قصر تفسير هذا التخلف والضعف على طبيعة البنية الداخلية يعني ان هذه البنية تنفصل عن البنية الخارجية، وهذا الفصل غير جائز من الناحية الموضوعية. والدلالة على استحالة الفصل بين العوامل الداخلية والخارجية هي انه يمكننا ان نبدأ باي عامل من العوامل في ايجاد العلاقات السببية المتبادلة. دعونا نأخذ مثالا على ذلك: الحكم الاجنبي عامل في منع تحقيق التضامن العربي (عامل داخلي)، والحؤول دون تحقيق هذا التضامن يضعف الشعب، وضعف الشعب يسهل السيطرة الاجنبية، واصحاب السيطرة الاجنبية يعملون من اجل بقاء قوة الفئات الاقطاعية، والفئات الاقطاعية يقل حماسها للديمقراطية، ومحاربة الديمقراطية احد العوامل التي تؤدي الى اضعاف التماسك الاجتماعي، مما يضعف الشعب، واضعاف الشعب يغري بمحاولة الهيمنة الاجنبية، وهكذا دواليك. هذا عرض موجز لتشابك العوامل المعقد المفسرة لنشوء الواقع وبقائه.

وتتضح استحالة الفصل الموضوعي الدقيق بين العوامل اتضاحا اكبر بالقول ان كل عامل من هذه العوامل لا يفسر بعامل واحد ولكن بعوامل متعددة. التفسير هنا معقد وليس بسيطا، بمعنى ان تفسير عامل يحقق بعوامل متعددة. وبالتالي فان العامل الواحد نتاج عوامل متعددة. واي تفسير لا يأخذ هذه الصفة بعين الاعتبار يكون تفسيرا ناقصا، وبالتالي لا يكون تفسيرا شاملا محققا للفهم الاشمل لواقعنا. ومما يؤكد اهمية التفسير الشامل للواقع ان كثيرا من العوامل تحدث في نفس الوقت وان هذه العوامل تؤدي في نفس الوقت الى نشوء عوامل اخرى. ان مصلحة اصحاب النفوذ في الداخل تلتقي مع اصحاب المصالح في الخارج في عدم احداث التغير الداخلي او في احداثه وذلك حسب المصالح المتصورة.

وكلمتا "الداخلي" و "الخارجي" تدلان على المكان، على الجغرافيا. والتشابك العضوي لكل العوامل في ايجاد الواقع يتسامى فوق التصنيف الجغرافي للعوامل، وذلك لان شمول العوامل وتشابكها العضوي، مما يعني استحالة الفصل الموضوعي بين ما تسمى بالعوامل الداخلية والعوامل الخارجية، اوسع من ان يصنفا العوامل بالمفاهيم الجغرافية.

وجرت العادة على ان تقسم العوامل الى عوامل سياسية واقتصادية وثقافية ونفسية وغيرها والى عوامل تاريخية وعوامل راهنة. وينطوي هذا التقسيم على التبسيط، وذلك لان هذه العوامل كلها تتشابك فيما بينها تشابكا معقدا ونشيطا افقيا، اي من ناحية المواضيع، وعموديا، اي من ناحية البعد الزمني. وبالتالي يستحيل الفصل الموضوعي الدقيق بين هذه العوامل. العامل التاريخي اسهم في نشوء العامل الراهن، وقسم - على الاقل - من العامل التاريخي هو قراءتنا ونحن في واقعنا الحاضر للتاريخ. ولا يصح هذا التقسيم الا باضفاء صبغة نظرية مجردة على اي عامل من هذه العوامل. ولا يصح هذا الاضفاء في السياق الاجتماعي النفسي، لان العوامل في هذا السياق تتجلى وهي متأثرة تأثرا نشيطا بالعوامل الاخرى ومؤثرة تأثيرا نشيطا فيها.

وعلى الرغم من العوامل الداخلية والخارجية المتداخلة في ايجاد هذا الواقع يمكن لاناس عرب واعين احرار كسروا اغلال الفكر ان يبدأوا بدايات متواضعة طيبة سليمة تكون مدماكا في صرح مجتمع مدني سليم واع قوي منفتح الفكر ومنطلقه. والذين يتكلمون عن الواقع ويعربون عن استيائهم منه وسخطهم عليه لم لا يبدأون بداية متواضعة ولم لا يأتون بفكر لا يجعل تلك البداية مبعث قلق لدى الفئات القوية التي تتخوف من تغيير بعض قسمات هذا الواقع؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى