السبت ٥ حزيران (يونيو) ٢٠٢١
بقلم علي بدوان

والدتي العصامية

والدتي العصامية في حياتها المنزلية والأسرية، التي تصنع "للبرغوث لباس" كما يُقال في المثل الشعبي الفلسطيني، كانت هي اليد المساعدة لزوجها في معترك الحياة، وحاملة الهم بعد وفاة والدي، حيث باتت وحيدة في غربتها، لا اقارب، ولا أهل، فقد بقوا جميعاً في فلسطين بعد النكبة الكبرى، فتابعت مشوار حياة زوجها بتعليم أبنائها جميعاً، الى حين حصولهم على شهادات الدراسة الجامعية. لقد كانت والدتي، محور البيت، تصحو باكراً، لإنجاز مهمة عجن الطحين وتهيئته في اعداد خبزنا الفلسطيني اليومي، وغسل الثياب لعائلة كبيرة مؤلفة من ثلاثة عشر نفراً من الأبناء مع الوالدين، فضلاً عن كونها مربية، ومعلمة، وطباخة، وتعصر البندورة، وتحضر المؤون في اوقاتها، حتى أنها كانت كنسوة المخيم، تدهن جدران المنزل بالكلس الأبيض المطفأ من عامٍ لعام، وتساعد على تحسين شروط الحياة في المنزل، وتصطف بالطابور لتحضر لنا ماتوزعه وكالة الاونروا، فقد بات (كرت الوكالة) (الكرت الأزرق، وحالياً الأبيض) باسم والدتي بعد وفاة والدي رحمه الله. تذهب لإستلام المعونات الشهرية باعتبار بعضنا في العمل وبعضنا الأخر في دوام المدارس. ولم تفارق عملية استلام المساعدات والمعونات الشهرية من مركز توزيع الأونروا إلاّ بعد أن قطعنا علي وخالد واحمد سناً معيناً، بتنا فيه نقوم باستلام المعونات عنها. وأضيف القول أن والدتي كانت خيّاطة أيضاً، فقد كانت، كما حال كل نساء المخيم، تُخيط الملاحف من خام اكياس طحين الوكالة، وتجهزّ الفراش من مندوف قطع الملابس المنتهية الإستخدام بدلاً من الصوف المرتفع الثمن، والتي كان يجري ندفها بمعمل قريب من اليرموك لهذا الغرض (مَندَفة) كانت تقع بالقرب من مدخل مخيم اليرموك قرب مقبرة الأربعين، التي كانت قائمة على طريق مايعرف ببوابة الميدان... كان حرص والدتي على اكمال تحصيلنا العلمي بعد وفاة والدي، حرصاً شديداً، رغم الضائقة، فكانت تتابعنا يوماً بيوم، وتتابع حتى علاقاتنا وأصدقائنا، وترفض استقبال أي صديق لي في منزلنا إن لم يكن يتابع دراسته، بل وتطرد كل من ترك الدراسة، ولاتسمح لنا بالتعاطي معه، وحددث أكثر من مرة أن نهرت بعض من حاول زيارتي لمجرد تركه للدراسة والتعليم. وهكذا كانت حياتنا في طور التكوين، في مجتمع لاجئي فلسطين، كجميع أبناء شعبنا الذين حطت بهم اقدارهم بعيداً عن الجزء الأخر من الوطن السوري، المُسمى اقليم فلسطين أرض الوطن والأجداد، في رحلة لجوءٍ مؤقتة في الجزء الأخر من وطننا السوري الأم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى