الاثنين ٢٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
قوات الديمقراطية الأمريكية
بقلم أحمد الخميسي

والصحافة العراقيـــة

كان الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي أحد دعاة تحرير المرأة وهو القائل في ذلك :

مزقي يا ابنة العراق الحجابا
واسفري فالحياة تبغي انقلابا

وله قصائد أخرى في حب الوطن وافتدائه . وكان الزهاوي (1863 - 1936 ) واحدا من الذين شغلوا منصب رئيس تحرير أول صحيفة تظهر في العراق ، وهي صحيفة " الزوراء " التي خرج أول أعدادها إلي النور في يونيه 1869 ، ولم يسبقها سوى وريقات عرفت باسم " جورنال العراق " أصدرها الوالي داود باشا وكانت تطبع في مطبعة حجرية . واستمرت " الزوراء " في الصدور نحو خمسين عاما كاملة إلي أن أوقفتها سلطات الاحتلال البريطاني فور احتلال جيشها للعراق في 11 مارس 1917 . وهكذا يعود وجود الصحافة العراقية إلي نحو قرن ونصف القرن ، أغلق الاحتلال البريطاني أول صحفها ، أما الاحتلال الأمريكي فإنه لا يحاصر الصحف ويغلقها فحسب، بل ويعتقل ويغتال الكتاب والصحفيين العراقيين والعرب والأجانب ، وكل من يتجرأ على عرض حقيقة الاحتلال . ولعل البعض مازال يذكر أن الرئيس جورج بوش – حسب ما أعلنت الصحيفة البريطانية دايلي ميرور - كان يعتزم في أبريل 2004 شن هجوم على مقر قناة الجزيرة ، كما أن سامي الحاج مصور القناة معتقل منذ أربع سنوات في سجن القاعدة الأمريكية بكوبا جوانتانامو ، بينما قتل طارق أيوب مراسل القناة في قصف أمريكي لمقر القناة في بغداد خلال الغزو في أبريل 2003 ، كما قتلت في فبراير هذا العام الصحفية العراقية ، الشاعرة ، أطوار بهجت . ومنذ عشرة أيام داهمت قوات الديمقراطية الأمريكية في مدينة تكريت منزل كلشان البياتي الصحفية العراقية مراسلة جريدة " الحياة" اللندنية ، وصادرت جهاز الكمبيوتر وأوراقها الشخصية واعتقلتها دون إبداء الأسباب .

وفي 13 سبتمبر الحالي اعتقل الصحفي العراقي فاضل البدراني مراسل " العرب اليوم " في مدينة الفلوجة . وفي ظل الاحتلال أصبح اعتقال الصحفيين أمرا اعتياديا ودوريا ، مثلما حدث في يناير هذا العام مع ماجد حميد وعلى عمر ، وسمير محمد نور ( وكالة رويترز العربية ) ، ولم يخرجوا إلا بعد شهر من دون محاكمة أو إبداء الأسباب . ومازال الصحفي عبد الأمير يونس حسين (سي بي أس نيوز) رهن الاعتقال . وقد وضع مرصد الحريات الصحفية قائمة بأسماء الصحفيين الذين لقوا حتفهم خلال عملهم والبالغ عددهم مائة وتسعة صحفي ! من بينهم ياسر صالحي الذي اغتاله قناص أمريكي بينما كان يجري تحقيقا عن تعذيب المعتقلين داخل سجون وزارة الداخلية العراقية . وإذا كانت قائمة قتلى الديمقراطية الأمريكية طويلة ، فإن قائمة المخطوفين ليست قصيرة ، إذ بلغ عددهم منذ بدء الاحتلال إلي يناير هذا العام ثمانية وثلاثين صحفيا . في الوقت ذاته ، فإن حملة قوات الديمقراطية الأمريكية لا تقتصر على الصحافة وحدها ، فقد تمت تصفية مائتي وخمسين عالما عراقيا في مختلف التخصصات العلمية بعد الاحتلال . لكن الاعتقال والقتل والاغتيال لم يقف عقبة في طريق الحقيقة التي تثب فوق تلك الحواجز وتنهض أمام الناس صريحة .

ولهذا خططت قوات الاحتلال الديمقراطي لشراء الصحف والأقلام لعلها بالترغيب تفوز بما لم تحصل عليه بالترهيب ، ومن ثم تم إنشاء وحدة خاصة تسمى " وحدة المهام والعمليات المعلوماتية " تابعة لقوات التحالف للإشراف على تحسين صورة الاحتلال باستخدام الصحافة ووسائل الإعلام . ولجأت الوحدة إلي شركة علاقات عامة ودعاية تسمى " لنكولن جروب " لديها خبرة في تحرير المقالات وترجمتها إلي العربية وتحويلها مع رزمة ضخمة من الدولارات للنشر في الصحف العراقية . ومع أن المقالات كلها ترجمة لمقالات أمريكية ، إلا أن محرري الشركة يصوغونها بشكل يوحي بأن كتابها عراقيون. من تلك المقالات مثلا مقال بعنوان : " رياح الديمقراطية تهب على العراق " نشرته صحيفة الزمان ، وفيه هاجم الكاتب المجهول ذلك التشاؤم السائد بصدد " مستقبل بلادنا والطريق الذي اختاره الشعب العراقي بنفسه "! مقالات أخرى ، كتبها أمريكيون ، وترجمتها شركة " لنكولن " امتلأت بأحاديث للرسول ( صلعم ) تدعو لنبذ العنف ! وقد تباهت شركة " لنكولن " بعلاقاتها مع أكثر من ثلاثمائة صحفي عراقي ، لكنها امتنعت عن ذكر أسماء الذين تدفع لهم رواتب شهرية ! وكانت صحيفة لوس أنجليس تايمز أول من كشف النقاب عن تلك الفضيحة معتمدة على مقابلات مع مسئولين عسكريين أمريكيين . وأضافت الصحيفة أن " وحدة المهام والعمليات المعلوماتية " اشترت صحيفة عراقية من بابها ، وسيطرت على محطة إذاعة ، وقنوات تلفزيونية ، كما أنها قدمت رشوة عينية في شكل أجهزة كمبيوتر وآلات تصوير حديثة لعدد من الصحفيين والكتاب لتشجيع : " التغطية الإخبارية الصادقة " !

الفضيحة انفجرت في مطلع ديسمبر العام الماضي ، وفي 14 ديسمبر ذاته ، نشرت صحيفة " يو إس إيه توداي " أن وزارة الدفاع الأمريكية تعد برنامجا سريا يتكلف ثلاثمائة مليون دولار لتحسين صورة أمريكا في العالم العربي عموما وليس في العراق وحدها . هذه المبالغ هي فقط هي التي تفسر لنا طوفان المقالات المترجمة وكأنها مكتوبة التي تظهر في بغداد والقاهرة ، وبيروت ، وغيرها عن مزايا الاحتلال خاصة في مجال الديمقراطية إياها .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى