الأربعاء ٢٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم مها أبو عين

والله زمان يا رمضان

لم اشعر هذا العام بحّلة شهر رمضان البهية المقدسة الاستثنائية, تساءلت – وما زلت – أهي اسباب فردية ذاتية بمعنى قد تكون المشكلة عندي ام هي ظاهرة عامة "لوّثت " البشر الى حد الألم . احيانا كثيرة يصعب الولوج الى عالم التفاصيل ولكن عندما تخترق بؤبؤ العين تصبح حقيقة لا مفر من ذكرها .

ترى هل لغربتي سبب في ذلك على رأي احدى الصديقات حيث الوحدة والفرقة والحزن والانشغال بالتفكير ومهام الحياة لتتغلب كلها على الوازع الديني لدي وعلى نظرتي لكل الأشياء حولي , والحنين الى الماضي الجميل بصوره الجماعية الزاهية وكأنها لوحة فردوسية محفورة في القلب . نعم , فقد تأوهت كثيرا عند سماعي كلمتي ( قيام وجلوس ) خلال احد المشاهد التلفزيونية التي جمعت استاذا وتلاميذه .

ياه كم بعدت عن ذاك الزمان وكأنه وقت جاهلي لم أعشه اصلا رغم اشراقه . ما اروع تلك اللحظات النقية المليئة بأإوراق الاحترام , الاخلاص , التعاون , التفاؤل , المحبة , الايمان , الصبر , النظافة . مناظر بلا ملاحم تاريخية اعجز عن وصفها امام ما اراه الاّن من مسلسلا ت و"حواديت " صغرت ام كبرت هي تاريخ فصيح بعينه لا غبار عليه ولا يختلف عليه اثنان , هي ورقة بيضاء روحها الجماعة ثم الجماعة ووحدة الصف الواحد في كل طقس من طقوس الحياة وفي كل مرفق ومؤسسة .

أين هي رفقتنا في هذه الايام , اين هم اصدقاؤنا , هل نراهم وهل " نتسامر " معهم لنأخذ بأيدي بعضنا ؟ للأسف لا احد وكأن كل واحد فينا يعيش في جزيرة خالية من البشر والاحاسيس فبدلا من طاولة واحدة للفطور او السحور اصبحت عدة منها في داخل معظم الاسر وكأن كل فرد فيها يحيا حياة مستقلة يهرب اليها على حساب حياة اخرى كانت هي الاكثر بهجة ونور .

ما هذه الحياة الجديدة في رمضان الكريم وهل تتبع طقوس العولمة والتكنولوجيا والديمقراطية في الرأي والسلوك ؟ أم هي نتاج سنوات عبرت من اعمارنا دون ان ندري ولأن الحياة تتغير فلا بد ان تتغير الاشياء والاحوا ل ونفوس الانسان ؟ وهل نتيجة لذلك تتبدل روح البني اّدم الى خيّر او شرير , الى فردي او جماعي حسب ما يراه من تمثيليات واعلانات تكثر في رمضان, خاصة وان معظمها هذا العام كئيب وحزين بلغ ذروة بائسة من الدراما والفقدان والحروب والارهاب حتى وصلت الى العنوسة !

. فمن يتتبع ولو جزءا بسيطا من البرامج العربية يلاحظ هذه السمات التي غلبت على المواضيع والعناوين . أتساءل هل وصلت النسبة القليلة من المشاهدين الى ما وصلت اليه من الم وحسرة وملل واكتئاب وروتين قاتل لا يجدي الا الى ضياع الوقت الخاص الى جانب ضياعه العام , خاصة وان عبق الماضي اندثر وراء السحب مخلّفا وراءه كثبانا رملية من القلق وعدم الأمان وانعدام الثقة وحب العزلة وحب المظاهر والتباهي بعظمة الخصوصية الفردية !

الاّن أدركت تماما بأنني لست بحاجة الى طبيب نفسي يفسر لي علاقتي بشهر رمضان المبارك , السبب الكلاب والقطط . لا تستغربوا , ألاحظ وبشكل كبير مدى العلاقة الحميمية التي تجمع بينهم وبني البشر في هذه الايام لتسود العلاقات الانسانية الحيوانية بدلا من العلاقات الانسانية الانسانية . رفقا بالحيوان يا انسان ورفقا برمضان يا بنو البشر !

مهما تعولم رمضان يبقى هو ذاته بأصالته وطهارته بعلومه وفضائله , بروح جماعته التي لا يدانيها أي طقس "مودرن " لا أستفقدها انا فحسب وانما غالبية من حولي من البشر .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى