الأربعاء ١٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠١١
بقلم فاطمة الحسيني الحربي

وتسألني يا حبيبي..

((1)):
وتسألني يا حبيبي..
لماذا هجرت الحديث عن حبنا بالشعر الموزون ..
والكلام المقفَّى؟
وكيف لي أن أعزف شعراً!
وأغرف من بحور فعولن مفاعيلن
وأن أدق نواقيس الطويل،
أو ألبس حوافر الخبب،
كيف لي أن أعود ديواناً للعرب!
وقد بعثرتني بحبك ثم هجرك..
وبهجرك ثم حبك،
وأعدتني طفلةً تهوى دفاتر الإنشاء..
وهذيان التسطير والمحو،
وتجمع أشلاء حروفها من زلازلك فيها..
وبراكينك عليها..
وتتجسَّس على الأصداف، لتسمع حديثك مع لؤلؤة أحبتك قبلي فصارت رملة،
فرميت رملتها واحتفظت بالصدفة في صندوق النسيان!
كيف لي أن أعيك وأنت المجهول المفضوح!!
وكيف لكَ أن تعيني وأنا الحدائق المعلَّقة..
والحرائق المعلَّبة..؟
وكيف لحبنا أن يكفَّ عن العواصف والهمود..
وعن السموم والصقيع..
ويستقرُّ في رفيف الهبوب وأكمام الدفء؟
كيف؟ وكيف..
وأنا أحبك حباً غجرياً عفوياً،
متمرداً مسالماً..
مندفعاً في سكونه،
خجولاً في اندلاعه،
حراً في امتلاكه،
سجنا في انطلاقه؟
وأنت لا تحبني إلا على طريقة الدبلوماسيين الحكماء!
تزرع لي السم في عيونك..
وتسارع بالعقاقير المضادة في رسائلك وأشعارك..
وأنا لا أفهم أمزجتك وفصولك!
ولدي حكمة يحفظها قلبي عن قلبي : أجمل ما في الحقيقة وجهها القبيح!
وكلما أحدق فيك تتلاشى كنفتالين..
وأجرِّب أن أمسك بك فتفر كزئبق..
وأحاول أن أهرب عنك ، فتجتاحني رصاصة عشقك
فاحتضر على مقصلتك دهراً لا ينتمي لزمن السرعة.
كيف لي ياحبيبي العاق أن أنظمك شعراً موزوناً!
وقد فقدت ذاتي الاتزان..؟
وحنجرتي الغناء،
وتبلدت أجنحتي عن الرقص..
وانكسرت قيثارتي بفأس انتظارك في محطة تخنقني بعيون الغرباء ..
أقرأ فيها اتهامي بالعشق..
ويقرأون فيّ اتهامهم بالتلصص!!
كيف لي أن أجمعكَ زمرّدة زمرّدة ..
وياسمينة ياسمينة ..
وأصنع منك عقداً يطوّقني بحنان
وطوقاً يتوّجني بكبرياء؟!
وكيف لكَ أن تلمَّني همسةً همسة..
ونفحةً نفحة..؟
وتصنع مني مرآة تشهد حلاقة ذقنك كل يوم ..
وسيارة فاخرة تقلك إلى عملك ودكاكين نسائك!
وكرسياً مهجوراً في حديقة قصرك..
يكاد يأكله صدأ الأمطار ولسْع الهواجر
وساعة براقة في معصمك يثقلها ثبات الألماس وهروب الثواني!
آه..
كيف لي .. يا حبيبي الموؤد في معارك سطوري
أن أُحيِيْك في أوراقي
جثةً هاربة من قبرها ..
أو شبحاً يطلُّ من خلف القمر،
أو صبارة تحتُّ أشواكها؟
وكيف لي أن أتوهمك..
قُبلة تطارد وردة!
ومنطاداً ينتفخ مع كل نبضة ولا ينفجر!
وحريراً أغرق فيه ولا أتوه ..
وكيف لحبنا أن يتحوَّل موسيقى لا تصمت؟
وطيراناً لا يقع؟
وفخَّارية خمرٍ لا تنضب ولا تنكسر؟
وشعراً تتلوه الأمطار وهي تنقر دف الثرى ،
والأطيار وهي تثقب تمور يثرب،
والأمواج وهي تغلق أزرارها نهاية كل شهر..
وتفتحها بداية كل بدر!
حينها .. يا حبيبي المهدور نثراً
سأكتبك شطراً موزوناً و مقفَّى ...
يبعث معبد من نوتة الأصفهاني ،
ويعيد فيروز إلى شباب الأغاني ..
ويُنسى الناس قول المتنبي ذات عشق:
لعينيكِ ما يلقى الفؤاد وما لقي
وللحب مالم يبق مني وما بقى
وقول امرئ القيس ذات مجون:
ويلى عليك وويلي منك يارجل
وقول النُّواسي ذات وفاء:
فإذا مررت على الديار مسلِّماً
فلغير دار أميمة الهجران
وقول عنترة ذات حرمان:
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
وقول ولادة ذات سمو ملكي:
أنا والله أصلح للمعالي
وأعطي قُبلتي من "يشتريها"
وقول الحمداني ذات قهر أميري:
بلى أنا مشتاق وعندي لوعة
ولكن مثلي لايذاع له سر
وأغاني شعراء عصر النفط :
أنشودة المطر، وثورة الشك، وأطلال ناجي،
وما سيأتي من معلقات غنائية، نائية في الضباب والغبار ..
الضباب والغبار.. الذي يغطي بأكوامه المتدفقة.. كل قافية مشطورة ،
وقصيدة موزونة،
تجري في دمي .. وتموت على لساني،
ونبقى "أنا وأنت" قصيدة خليلية...
أبحرت في البحر الميت
فغرقت شطورها الأولى في القاع
وطفت أعجازها على السطح..
فلا هي تفور في شعر الأحرار
ولاهي تتهادى في الموازين الفراهيدية!
 
فلا تسألني، وأنت قريني
شعراً موزوناً ولامقفَّى
حتى تعيد إلى قلبي اتزانه،
وإلى كياني كيانه،
وإلى عقلي صفاءه،
وإلى وجهي ماءه.
 
(( 2 )):
وتسألني يا حبيبي ..
أين حبنا؟؟؟
 
وحبنا تحوَّل إلى وحشٍ يلتهم الأطفال،
و بوق حرب يُفزِع النساء،
و فزَّاعة جشِعة تحرِم الطيور من بستان مثمر،
ووردة محنطة في واجهة محلات الزهور ..
تبكي كلما مرَّ بها وجهٌ ..
أو شهقت بقربها الأنفاس!
 
أنت لا تعرف الحب ..
وقد أكون أنا..!!
تريده مغلَّفا بالأقنعة البلاستيكية،
والماكياج الضبابي،
والرموش الاصطناعية..
وتريده في صوت مواء هرة طُرِدت في ليلة شاتية،
تريده مسوَّراً بشراسة كلاب الحراسة،
وغصناً تعرَّى من أوراقه .. ليستقبل الريح بلا حفيف أجنحة الغاب،
و سوط جلاَّد يعاقب الأبرياء ويعفو عن المجرمين،
وتريده قفصاً من خيوط العنكبوت يسجنني في ركنه المنبوذ ..!
 
وأنا ... ماذا أريد من الحب يا حبيبي ..؟!
ماذا أريد ؟؟ غير أن نكون فراشات ملوَّنة في سلة قش ..
تأوي إلى الأزهار عندما تشاء ..
وتغرق في الفضاء عندما تشاء،
وأن نكون غيمة زرقاء في فجرٍ صحو..
تداعب الأفق .. ولا تمطر إلا على رؤوس العاشقين،
وأن نكون نورسين شابَّين.. لا يكفَّان عن التحليق فوق الشواطئ المنسية..
ولا يعبئان بثقب الأوزون وعيون البشر،
 
وأن نكون سندباد القرون الجليديّة والقلوب الحجريّة ..
همُّنا اكتشاف قارة جديدة ..
قارة سرية لا تظهر في خرائط العالم!
ننفض سكونها بالشّغب ..
وجدبها بالغِراس ..
ونجتاح رمالها شبراً شبراً
وأنهارها قطرةً قطرةً
وبحارها موجةً موجةً،
ونخلِّد في كل موطئ، نقشاً يتفجَّر بالحنين
وفي كل زهرة، عطراً يضُوع بالصِّبا ..
ونرسم الجنون شعراً تصدح به أطيارها،
ونصنع لها قمرا لا يذوي إلى هلال..
ونبني فنادق لذوي العشق العذري،
وتوابيت لشهدائه،
ونسوِّرها بالرماح حماية من تلوثها باقتحام أعدائه ..
ونعلنها: " قارة المتيمين"!
المتيمين وحدهم.
 
حينها،
ستكون..
كل عام .. وأنت الحب،
وكل مكان .. وأنت حبيبي.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى