الاثنين ١٥ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم غزالة الزهراء

ورورد لا تموت

تمشى خليل الهوينا في الأزقة الموحشة التي هيمنت عليها رائحة المنية. كان في وضعية عصيبة، مزرية يرثى لها، شعر أشعث مغبر، وهندام مهمل تراكمت عليه بعض الأوساخ، وبعينين تائهتين تنضحان بالفجيعة والعذاب راح يحدق تحديقا عميقا في تلك المباني التي كانت تغازل الأرض الطيبة، ثم تهالكت على الأيادي الآثمة ضحية مظلومة، مغتصبة، ملطخة بالغل، والشر، واللاإنسانية.

سحب خليل من جيبه صورة لطفلة جميلة كما القمر، لم يتعد عمرها الأقحواني ست سنين، غسلها بنظراته الحزينة، ثم قربها من شفتيه المرتجفتين ليودع فيها شوقه العارم، وحنانه الأبوي السرمدي.
صدره المنهك الجريح لا زال يئن بمرارة لاسعة قاتلة، ويتلوى بجنون كالمرض الدفين، وينزف كالمطر الجارف من غير توقف.

اصطخبت العبرات الحارقة في مقلتيه، ثم انحدرت سيالة على خديه راسمة بعبقرية فذة خطوط مأساة رهيبة لوطن عزيز ذبيح.
كانت طفلته مروى تتسلى، وتصخب بصوتها الزمردي مع بنات الجيران اللائي يماثلنها سنا، وإذا بالقصف الإسرائيلي يجتاح قلب المدينة اجتياحا، ويغتال الآلاف من النساء، والرجال، والأطفال الصغار، اغتال تلك البراعم الطرية التي تحلم بمستقبل فضي عتيد في ظل التشتت، والعنف، والدمار، ورود يانعة تلطخت بنجيع الدم، عبد الله، مها، حبيبة، سوسن، عبد الرحمن، جهاد، زكريا وغيرهم ممن كانوا يحلمون بغد أفضل، هؤلاء لم يموتوا، بل هم في القلوب أحياء، إنهم ورود لا تموت، لا تموت أبدا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى