الجمعة ٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
نائب رئيس إتحاد الناشرين العرب فتحى البس
بقلم هيثم الشريف

وزارات الثقافة العربية الأقل ميزانية بين كل الوزارات

لا زالت كتبنا العربية تعاني من نظافتها، الأمر الذي دفع ببعضهم للاعتقاد بان القراءة نوع من أنواع الترف الاجتماعي، وأن من يقرأ خاصة من ذوي الدخل المحدود يُقدم تضحية على حساب قوت يومه وقوت أسرته!! على الرغم من أن في داخل كل فرد فينا قارئ علينا إيقاظه، لذلك لا بد من أن نتساءل؟ من يقرأ؟ وما أسباب العزوف عن القراءة؟ ولهذا كان هذا الحوار المطول والصريح مع نائب رئيس اتحاد الناشرين العرب ومدير عام دار الشروق للنشر والتوزيع في الأردن وفلسطين الأستاذ فتحي البس، حيث وجهت له هذه الأسئلة وأسئلة أخرى:

قد يكون هنالك إقبال على شراء الكتب ، ولكن من يقرأ؟

 أنا لا أوافق على أن هنالك إقبالا على الشراء، لان الإقبال على الشراء له ظروفه المتعددة، في الوطن العربي وفي السنوات الأخيرة، ارتبطت ظاهرة العزوف عن القراءة بالعزوف عن شراء الكتب، وبالتالي للأسف لا يوجد إقبال حقيقي على القراءة، وهذا له أسباب عديدة.

ما هي هذه الأسباب؟

- الأسباب متعددة وتبدأ من البدايات من تربية الطفل، هذه المرحلة التي يؤسس فيها سلوك الطفل، سلوك الإنسان، فالأسرة العربية عموما لا تهتم بتوجيه الأطفال للقراءة بسبب ظروفها، بسبب ظروف الإحباط التي تعيشها الأسرة العربية بسبب نظمها السياسية، بسبب أوضاعها الاقتصادية، بسبب سعي رب الأسرة وبقية أفراد الأسرة الدائم للحصول على لقمة العيش، وبالتالي لم يعد للأسرة العربية لا الوقت ولا الرغبة في أن تعتني بالطفل وتوجيهه للقراءة.

المكان الآخر الذي يُربى فيه الطفل على القراءة هي المدرسة، وللأسف الشديد أيضا في المدارس العربية عموما، وبسبب ظروف كثيرة جداً وسياسات كثيرة جداً، تراجعت البرامج التي تُشجع الطفل على القراءة وعلى الطريقة الصحيحة لاكتساب المعرفة، وبالتالي لا يُنشأ الطفل على حب القراءة، ولا يُدرب الطفل على اكتساب المعرفة من خلال القراءة.

هل لذلك يعتبر الطفل أن قراءة أي شيء من خارج المنهاج هو بمثابة عقاب؟

- في كثير من المدارس بعض الأساتذة أو المربين يلجأون إلى معاقبة الطفل من خلال إجباره على القراءة ، ولا أعرف إذا ما كان هذا السلوك يحدث في الأسر العربية أو لا يحدث، وبكل الأحوال لا يوجد هناك برامج تسعى إلى توجيه الطفل، وأيضا المادة التي تقدم للطفل للقراءة ، فــبالبدايات هناك المنهاج وهناك برامج من خارج المنهاج التي الأصل فيها أن تعمل على تكوين اللغة والمعرفة والمتعة، مع ذلك يقدم للطالب مواد للقراءة تكون أشبه بالعقاب، إذ لا توفر المدارس العربية المواد المطلوبة والتي تروق الطفل، وفي إحدى البرامج كان هنالك حوار مباشر ما بيني وبين الطفل، فقال عدد كبير منهم أن المكتبة المدرسية لا تحتوي على الكتب التي يحتاجونها وإنما تحتوي على الكتب التي يحتاجها المدرسين أو المدرسات!! وبالتالي هذه دعوة لهؤلاء أن ينتبهوا بأن هذه المكتبة المدرسية إن وجدت هي ليست لهم وإنما هي لهؤلاء الأطفال.

إذن كيفية تنشئة الطفل هي المشكلة وهي في ذات الوقت هي الحل، ولكن الشاب العربي أيضا قد تكون أولى أولوياته ماركة السيارة التي يشتريها أو للموضة أو غيرها من الأولويات ، وأما القراءة فهي في آخر سلم أولوياته!! لماذا؟

- عندما يكبر الطفل ويتحول إلى مرحلة الشباب، أيضا تصبح أيضا هناك مشكلة لدى الأسرة ،ومشكلة في سلوكيات عامة اجتماعية، ففي ظل غياب الوعي والسياسات الوطنية التي تشجع الأسرة وتوجه المدرسة لتوجيه هؤلاء الطلاب للقراءة كوسيلة أساسية للمعرفة والمتعة، يلجأ هؤلاء الشباب إلى الظواهر الاجتماعية والسلوكيات الاستهلاكية كما تحدثت حول الموضة، السيارات،أيضا الموبايلات، وأيضا وسائل الإعلام الحديثة التي بدأت تأخذ أيضا الوقت المتبقي المتوفر للإنسان بعد إنهاء عمله أو دراسته، حيث بدأت هذه الوسائل تشكل مصدر المتعة ومصدر للمعرفة، متعة رخيصة بمعنى برامج التلفزيون أو الاستماع للإذاعة أو الصحف، هي سهلة الوصول لها ، وهي قليلة التكلفة ، ولكنها تعطي ثقافة بسيطة وليست ثقافة عميقة، ولكن الناس نتيجة الضغوط بدأوا يكتفوا بما يحصلوا عليه من وسائل الإعلام المتاحة..

مقاطعا.. هل يعني أن وسائل الإعلام أو عملنا يضر بالثقافة؟

- لا .. لكنه يضر بالثقافة إذا ما تحول ليصبح بديلا عن القراءة وبديلا عن الكتابة، في الوقت الذي يمكن أن يكون الإعلام أداه هامة جدا للترويج للقراءة من خلال برامج متعددة.

مقاطعا.. لكن لم لا نقول أن ابتعاد دور النشر عن الدور الرسالي في عملها هو ساهم في العزوف عن القراءة ما رأيك؟

- دور النشر هي تعمل بجانب واحد من الثقافة، أو الصناعات الثقافية ومن أهمها صناعة النشر، لذا فدور النشر تنتج كتب وتنتج سلع وبالتالي تنتج بالتالي ما يُقرأ..

مقاطعا.. ما يُقرا، وليس ما يجب أن يُقرأ؟؟!!

- هنا يصبح الخلط بين الناشر التاجر فقط بين قوسين (الذي يستثمر فقط من أجل الربح) وبين الناشر صاحب الرسالة، وأنا أقول أن مئات دور النشر التي تعرف رسالتها، وتعرف أن عليها أن تقوم بهذا الدور، ولكن دور النشر هذه تظل لا تحظى الا باهتمام محدود وتعرف أن عدد من يقرأ كتبها محدود، وفي المقابل هنالك دور نشر تنتج الكتب السائدة والرائجة..

مقاطعا.. وذلك ما يفقد الثقة فيما يُقرأ، وبالتالي العزوف عن القراءة؟!!

- نتيجة الكم الهائل من الكتب التي تُنتج ولا تستحق النشر، ولكن هذه ظاهره عالمية، أيضا في كل العالم هناك ما يُسمى بالكتب الصفراء التي ينتجها الناشرون لأنها سلعة تجد رواجا، وبالتالي في العالم هناك دائم دور نشر تعرف رسالتها، ودور نشر تنشر فقط ما يطلب وحسب طلب ، وبالتالي لو كانت في المجتمعات العربية سياسة تنمية ثقافية شاملة ، يُشارك فيها مؤسسات المجتمع، أنا متأكد أن عدد دور النشر صاحبة الرسالة سيزداد، لأن الطلب على الكتب الجيدة سيزداد وبالتالي تزداد دور النشر التي تنتج الكتب المطلوبة والجيدة.

كما هو معروف صحيفة الشرق الأوسط تقوم في نهاية كل عام باستطلاع آراء أبرز الكتاب العرب حول أهم ثلاث كتب يقوم الكاتب بقراءتها، فنفاجأ بأن أغلب الكتّاب يقولون حرفيا (نادرًا ما نقرا) بمعنى أنهم يكتبون ولا يقرأون!! وبالتالي إذا ما كان المثقف لا يقرأ!! فكيف نلوم المواطن العادي؟

- طالما أنهم كتّاب أعمده، معنى ذلك أنهم اكتفوا بما اكتنزوه من معرفة نتيجة قراءاتهم السابقة..

مقاطعا: وهل هذا مبرر؟

- ليس مبررا ولكنني أُفسر الظاهرة، لأنه لا يمكن أن يكون الكاتب جيد بدون أن يقرأ، وهذا الكاتب الذي يدعي أنه اكتنز من المعرفة ما يكفيه للإنتاج، يوجد لديه جانب من الغرور، لان المعرفة لا تكتمل ومتعة القراءة لا تكتمل فهي مستمرة دائما، ثم إن ظاهرة العزوف عن القراءة ليست ظاهرة عربية هي ظاهرة عالمية..

مقاطعا: ولكن من قال أنها ظاهرة صحية؟

- لا بالتأكيد .. ولكن ما أود قوله أن هذا العالم المجنون المتسارع الآن، فيه عزوف هائل جدا عن القراءة، لذلك تجد أنه في دول عظمى مثل بريطانيا، هناك استطلاعات تقول أن طلبة بريطانيا أصبحوا جهلة!! وفي الولايات المتحدة ينظموا برامج هائلة لتشجيع القراءة مثل برنامج أجنبي أسمه "ألقينا عليه القبض يقرأ" ويشارك في هذه البرامج شخصيات كبيرة حيث يفاجئوه بالكثير من الأسئلة التي تفضلت بها، لذا فصحيح أن هناك كتّاب لا يقرأون وهذه ظاهرة سيئة، ولكن الأكثر صعوبة على النفس أن تجد أنه ووفق بعض الإحصائيات أن 95% من طلبة الجامعات يتخرجوا من الجامعة ولا يعرفوا أن في جامعتهم مكتبة!!

أيضا من المقارنات العجيبة بحسب إحصائية اليونسكو وتقرير التنمية الإنسانية العربية وردت عبارة تقول "لا تتجاوز مداولات سوق الكتاب العربية بيعا وشراء الأربعة ملايين دولار أمريكي سنويا، في حين يتخطى في الإتحاد الأوروبي 12 مليون دولار أي أن القيمة المالية لما يتداوله سكان الإتحاد الأوروبي فقط من كتب توازي ثلاثة أضعاف ما يتداوله العرب مجتمعين" سؤالي هنا ما مدى دقة ذلك وإن كان صحيح فما أثر ذلك حقيقة؟

- هذا الرقم غير واقعي... فسوق صغير مثل الأردن يتم تداول 4 ملايين دولار في الكتاب - لأننا حينما نتحدث عن الكتاب نتحدث عن الكتاب المدرسي والجامعي وما تصدره دور النشر- ثم في الأردن هنالك 100 دار نشر وكل دار نشر تحتاج على الأقل 100 ألف دولار من المبيعات لكي تبقى على قيد الحياة..

مقاطعا: أي أن هنالك مبيع؟؟!!

 هنالك مَبيع... ولكن هذا المَبيع على ماذا يتقسم؟ فنحن نتحدث عن الكتاب عموما ولا نتحدث عن الكتاب الجيد أو غير الجيد، وللأسف ما يباع بالسوق العربي كتب ربما لا تكون منتجة للثقافة بمفهومها الشامل..

مقاطعا: كما نعرف فن الطبخ.. الأبراج.. وغيرها

- نعم.. ولكنها تبقى أيضا معرفه.. معرفة إنسانية تحتاجها المرأة الحديثة التي فقدت تدريبها على الطبخ من قبل الأسرة..

مقاطعا: وبالنسبة لمجتمعات أخرى قد لا تكون المعرفة المطلوبة؟

- أيضا بالمجتمعات الأخرى فإن نسبة هائلة من مبيعاتها هي هذه الكتب الصفراء، ولكن ما يقفز بمبيعاتها بشكل هائل جداً أن هناك مبيعات للمكتبات العامة في هذه الدول، ففي كل حي وفي كل شارع من هذه الدول هنالك مكتبة عامة تَقتني كل ما يصدر من الكتب وتطرحه للناس لقراءته مجاناً، فأين تجد المكتبات العامة في العالم العربي؟ وأيضا فإن نسبة هائلة من المبيعات تذهب للكتب المقررة للطلاب والتي تباع بأعداد كبيره جدا في العالم نتيجة توفر قوة شرائية، بينما طلابنا يدرسون في دوسيهات مصورة يحضرها أستاذ المادة الذي أصبح لا يتابع ما يصدر من كتب حول المادة!!

أيضا مكتباتنا العامة إن وجدت تغلق أبوابها حالها كحال الموظف الذي ينهي دوامه في الثالثة عصراً!! وعلينا أن ننتظر إن أردنا ان نقرأ لليوم التالي!!

هذا صحيح للأسف!! وبالتالي كجزء من علاج ظاهرة العزوف عن القراءة هنالك دور كبير جدا كما قلنا للأسرة للبيت لكن الأهم من ذلك لسياسة الدولة في الاهتمام بالقراءة من خلال تعميم المكتبات العامة وتزويدها بمها هو حديث وضروري للناس ليقرأوه لنتجاوز معضلة القوة الشرائية وعدم قدرة المواطن العربي على شراء الكتب.

أيضا معرض الكتاب هو فرصة لمن يبحث عن عيون الثقافة والأدب والسياسة لاقتناء الكتاب المناسب والذي توفره دور النشر المشاركة، فعلى سبيل المثال معرض الدوحة الدولي أشترك به من دور النشر حوالي 350 دار نشر عربية وأجنبية ولكن ليس المهم شراء الكتب وركنها على الرفوف، المهم القراءه، إذن هل يمكن القول ان الكتب في بلادنا العربية تعاني من نظافتها؟

- أنت تتحدث عن شريحة من الناس ، التي تتبع الموضة في القراءة، موضة شراء الكتاب، فمن يملك من عامة الناس القدرة على شراء كتاب ولا يقرأوه ويضعه على الرف؟ إنه المترف؟ ليقال إنني أمتلك هذا الكتاب!! فهذا ترف.. أما غالبية من يشتري الكتاب ويقرأؤه فهم ليسوا من الأغنياء جدا، وإن كنت لا أنفي عن أن بعض الأغنياء يقرأون، ولكن أقول من يشتري الكتاب ويركنه على الرف فهو يصنف من باب الموضة ومن أجل المباهاة ولا يحسب هذا على فئة المثقفين...

إذن عندما نَضع الإنسان بين خيارين إما إطعام أولاده أو شراء كتاب هنا نستطيع أن نقول ان شراء هذا الكتاب هو ترفا اجتماعيا مبالغا فيه؟؟

- ليس ترفا وإنما تضحية وأظن أن الباحث عن المعرفة وعن القراءة يُضحي ببعض الكماليات، بينما الظاهرة العامة في أوطاننا أن الإنسان عموما يُفضل أن يشتري علبة سجائر بدلا من شراء الكتاب!!!

إذن ما المطلوب على المستوى الشعبي وعلى المستوى العربي في هذا الإطار؟

 المشكلة تكمن في افتقاد الحكومات إلى سياسات واستراتيجيات ثقافية، إذ أن السلطات الحاكمة لا تضع الثقافة في صلب الموضوع وتضعها هامشية،بدليل أن كل وزارات الثقافة العربية هي الأقل ميزانية من بين كل الوزارات، بينما الصحيح هو أن يخصص للثقافة والسياسات الثقافية ما يكفيها من ميزانيات لخلق برامج وطنية ثقافية شاملة، وعندما تتوفر هذه الإرادة أنا متأكد أن ذلك سينعكس ذلك على حياة الأسرة العربية واهتماماتها، وسيتحسن الإقبال على القراءة.

وهنالك في كل فرد فينا ثَمة قارئ نائم علينا إيقاظه؟

 هذا صحيح إذ أن في كل فرد فينا مشروع قارئ من الطفولة وحتى نهاية العمر علينا أن نحركه ونثيره ونوجهه لما يقرأ.

ما النصيحة للعائلة العربية؟

 أقول للعائلة العربية اعتنوا بأولادكم منذ الصغر، ووجهوهم لكي يعرفوا ان الكتاب هو رفيق مفيد دائما في كل مراحل الحياة.

ختاما .. ما رأيك في قول الشاعر نزار قباني والذي قال:

ماذا سأقرأ من شعري ومن أدبي . . . . . حوافر الخيل داست عندنا الأدبا؟

 للأسف قالها نزار قباني في لحظة إحباط ، وأنا أتمنى أن لا نصل في يوم من الأيام إلى درجة الإحباط، خاصة وأن نزار قباني كان يُجل القراءة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى