الأحد ١٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
(في الذكرى الأربعين لرحيل القائد جمال عبد الناصر)
بقلم أحمد مظهر سعدو

وقفة متأخرة 

لم يسعفني الوقت لأكتب في ذكرى رحيلك الأربعين يا أبا خالد..

وأنا من كنت دؤوباً على تناول الذكرى الكبرى لغياب رجل قاد النهضة العربية الثانية- حسب تعبير الراحل ياسين الحافظ- بقوة واقتدار، كما أني كنت ومازلت مقصراً بحق، مع جيلي الذي عايشت، لتناول مرحلة من أهم مراحل النضال، و الكفاح العربي في العصر الحديث.. مرحلة وزمن عشقناه وتعلقنا به، قلباً و قالباً، ونهلنا من معين إرثه الفكري السياسي، والاجتماعي، ما ملأ الدنيا وشغل الناس، فكان منهلاً، وأملاً لا ينضب،لمستقبل عربي قادم، بل لابد قادم، بعنفوانه، وإشراقا ته، بتمكنه، وعمقه النظري، و العملي، النابع من الأرض العربية، و من رائحة التراب العربي، المبلل بالمطر.. و ما أحلاها من رائحة... ففي ذكراك لشهر مضى، و في ذكريات للأمة، عزيزة على قلوبنا، منها ذكرى حرب تشرين، التي بنيت جيشها،وخططت مع الكبار من قادتك العسكريين لمرحلة عبورها، أمثال الراحل محمد فوزي، و مجموعة ناصرية من القيادات العربية الصادقة.

هذه الحرب التي قال عنها الراحل الدكتور جمال الأتاسي (كادت أن تكون حرباً تحريرية) لولا الالتواء السياسي الذي جرى بعدها،من خلال قيادات سياسية آثرت الارتماء في أحضان اليانكي الأمريكي، لتضع 99% من أوراق اللعبة في أيدي الأمريكان..هذه الحرب التي ضحى فيها جنودنا البواسل بأرواحهم في كلا الجبهتين، بمشاركة مقاتلي الأمة كل الأمة، من مغربها إلى مشرقها.

فمن جنود التجريدة المغربية، إلى جنود البطولة الذين جاؤوا من أرض الرافدين، فكانت معركة للبطولة، و لرد الاعتبار، وعلى طريق التحرير، لكنهم لم يريدوها كذلك، فكانت اتفاقيات الانتكاس و صولا إلى اتفاقية الذل في (كمب ديفيد) التي أخرجت مصر العروبة من بوتقتها العربية، لتذهب على أيدي (السادات – سيء الصيت) إلى ملاعب ارتهان مصر إلى عقود وعقود بيد الصهاينة، والأمريكان، رغم صمود الشعب العربي في مصر، الذي مازال حتى اليوم، يرفض كل أنواع التطبيع مع هذا الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين، والجولان، وأجزاء وأخرى من وطننا العربي الكبير..

في الذكرى الأربعين لرحيل القائد جمال عبد الناصر ، وعلى أعتاب أحوال أمة عربية آيلة للسقوط، إن لم تكن قد سقطت بالفعل، بعد احتلال العراق، وتقسيم ملا ذات الشعب الفلسطيني، إلى غزة، وصفة غربية، وحكومة كرتونية عباسية، تلعب في الوقت الضائع أملاً بفتات من هنا، وكسرة خبز من هناك، وسط حالة استمرار واضحة لفعل استيطاني صهيوني لا يلوي على أحد، وموقف أمريكي متفرج، وموقف رسمي عربي أكثر سوءاً، وواقع شعبي فلسطيني عاجز عن الفعل، وسط حالة من الانقسام الفلسطيني، لم يشهد القرن الفائت لها مثيلاً.. وضمن حالة جماهيرية عربية ليست بأحسن من سواها في مواقع مررنا عليها هي الأخرى..

في ذكراك الأربعين يا أبا خالد.. نستذكر الوحدة وتجربة الوحدة، بين مصر وسوريا التي أقلعت في /22/ شباط 1958 وليتآمر عليها المتآمرون لفصم عراها يوم /28/ أيلول /1961/.

هذه الوحدة التي ما انفكت أمل الأمة جمعاء، وصولاً إلى غاياتها المنشودة، في لجم جموح وتغول الكيان الصهيوني، ومن يقفون وراءه تحدياً لوجود الأمة العربية، وانتهاكا لأرضها العربية، ولكل مقدساتها.. الوحدة التي وقف العالم مشدوهاً لحظة انجازها، كما وقف العرب قاطبة ينظرون بفرح وفخر لهذا الانجاز التاريخي، حيث يؤكد الباحث (منح الصلح) أن (العرب رأوا في الخطوة السورية المصرية انجازاً قومياً من الطراز الأول، وحده القلب العربي كان ينبض للخطوة التاريخية، ووحده العقل العربي أيضاً، رأى فيها انجازاً، أما الآخرون المتسلطون من سادة العالم وجبابرته، فقد رأوا فيها رعونة.. وقد ارتسمت وقتها علامات عدة على أن العقل الاستعماري الغربي، لن يهادن لحظة ذلك التجرؤ العربي في الإقدام، على وحدة بين قطرين عربيين).

واليوم وفي عام 2010 وبعد أربعين عاماً على رحيل قائد الوحدة، فان إعادة قراءة هذه الانجازات الكبرى يأتي في سياق الحدث وأهميته التاريخية، بما يمكن من استحضاره لأنه مازال حياً وقريباً، وليس بعيداً، ولكن الأهم من ذلك أن نعرف نحن العرب، كيف نقرأ هذا الحدث الوحدوي الكبير، ونستفيد في حاضرنا، ومستقبلات أمتنا على طريقه وهديه.. لنجعل منه قوة لنا في الحاضر والمستقبل، ولسنا هنا في محضر الثناء والمديح، لانجاز هام بحجم انجاز الوحدة، بل ندعو الجميع ممن يهتمون بالمسألة الوحدوية، أو مازالوا يهتمون، لدراسة ظاهرة الوحدة، وكذلك ظاهرة الانفصال أيضاً، بتفاصيلها ومعطياتها الحقيقية، وبواعث وسهولة إمكانية حدوثها..

فالوحدة حادث جلل.. والانفصال المشؤوم حادثة سوداء في التاريخ العربي الحديث ،ربما نستفيد منه، بل يجب أن نستفيد منه، في تجاربنا القادمة، أو المتطلع إليها.... على اعتبار أن المشروع النهضوي القومي الديمقراطي مازال مشروع الأمة، ومازال الأمل الوحدوي أملنا جميعاً، مهما تكالب عليه المتكالبون ، ومهما حاول دعاة اللبرلة المرتدون عن قيمهم اليسراوية النيل منه، ناهيك عن أولئك الذين لم يقنعوا يوماً بأهمية المشروع الوحدوي، ممن تتضارب مصالحهم الشخصية المالية الأنانية، مع مشاريع الوحدة التي هي غاية الشعوب المقهورة، وغاية الغلابة من جموع امتنا العربية، التي ترى فيها خلاصاً وملاذاً أكيدا للخروج من عثارها الحاضر والآني.

ولأن حيث الوحدة في زمن السقوط والانهيار، يبدو للبعض، حديث خيال، وحديث حلم، بل حديث افك، إلا أننا نجد فيه فكر استراتيجي مستقبلي، ومطلب جماهيري نطمح إليه، وليس ذلك ببعيد.. ونحن ندرك أن الحواجز والتحديات التي تقام بين شعوب الأمة العربية، وكذلك الحصارات وإثارة الفرقة والانقسامات داخلنا، وفيما بيننا، في وقت نجد فيه أن حدود العديد من أقطارنا وثغورنا وأسواقنا أصبحت مفتوحة كل الانفتاح، في وجه أعداء الأمة والمشاريع الغازية، وللطامعين في أرضنا، ومياهها ونفطها، وثرواتها،
ومواقعها الإستراتيجية. وتلك المفاهيم التي تتغير لدى النظام الرسمي العربي، لتصبح مفاهيم الاستعمار التي حاربها عبد الناصر في يوم من الأيام، مثل (الشرق الأوسط) و(شمال إفريقيا) ورفع في مواجهتها مفهوم (الوطن العربي) و(الأمة العربية الموحدة) تعود اليوم على يد بعض مفاصل السلطات العربية، إلى سوق التداول، وكأن شيئاً لم يكن ، ولكأن الحديث عن مفاهيم الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، لا يشكل أي انتهاك، أو ارتداد عروبي لدى البعض.

وهذا ليس بعيداً عن مآلات الواقع، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية مرجعية للعديد من الحكام العرب، حيث يستجدي المفاوضون العرب تدخلها في عملية التسوية كشريك كامل، لتضغط وتدفع هذه العملية خطوات إلى الأمام، ولتغدو" الرباعية الدولية "مرجعية أكيدة، لكل أصحاب (السلام الأمريكي) الآيل لما هو آيل إليه..

والمشكلة أن جميع أطراف النظام العربي الرسمي يدركون أن أمريكا ما كانت ولن تكون إلا شريكاً لإسرائيل وحدها، مهما تبدلت إدارات البيت الأبيض، وهي جميعاً لن تعمل إلا لتكون إسرائيل ركيزتها الكبرى والأقوى في قلب المنطقة العربية، هذا الذي تريده أن يمتد إلى الجوار الجغرافي وليتسع ، وتصاغ علاقاته وروابطه، بحيث لا تقوم للعرب قائمة.

في ذكراك الأربعين يا أبا خالد.. نتوقف أمام ما توقفت عنده، واشتغلت على مقاومته، لنستلهم منك القوة والمعرفة، والتصور الاستراتيجي الواضح ، في مواجهة ذلك المشروع الزاحف للهيمنة على منطقتنا العربية، والذي يأخذ في كثير من جوانبه، وكثير من المواقع التي احتلها شكلاً استعمارياً كاملاً. هذا المشروع الأمريكي الصهيوني، والذي قطع مراحل في التحقيق والتطبيق، ليس جديداً على منطقتنا وأمتنا...

واليوم ونحن نعيش ذكرى حرب تشرين، وذاك العبور الذي صنعه عبد الناصر بحق، بما أنجز عبد الناصر وبما أعد، وبما دفعت إليه وحدة الأمة، وتصميم الشعوب، كان التقدم إلى المعركة، حيث كادت الأمة أن تسجل نصراً عظيماً لولا التواءات السادات وسواه. فقد بدأت المعركة بإرادة الأمة لتكملها إرادات غيرها،ولتتدخل فيها مصالح كبرى، مناقضة لمصلحة الأمة، ثم كانت الثغرة ، وجاء التحول والالتفاف، واتفاقات فك الاشتباك ، ليقول السادات بعدها أنه لا يقوى على محاربة أمريكا، فسلم لإسرائيل بما سلم، وليقول أنها آخر الحروب، لتخرج مصر من الحرب، بل أخرجها من قيادة الأمة وكفاح الأمة ووحدة كلمة شعوبها، وهكذا قدمت الانتصارات التشرينية للحلف الأمريكي الصهيوني كل الثمرات، التي أراد أو أمل بجنيها من حرب حزيران وما استطاع.

ولكن وفي هذه اللحظات من تاريخ أمتنا ستبقى المقاومة في مواجهة المحتل الأمريكي في العراق ، وكذلك المقاومة في فلسطين بخطها الجهادي الواضح، بل كل المقاومات العربية، في جميع ساحات الوطن العربي الكبير ، استناداً إلى المشروع القومي العربي الديمقراطي النهضوي، الذي رفع رايته عبد الناصر ومشت الأمة كل الأمة خلفه، وتحت راية الوحدة، وراية التحرر، راية العزة والكرامة.. سيبقى هذا المشروع مشروع المستقبل..ولن تخبو أو تتراجع راية القومية العربية، مهما اعترى الطريق من عثرات، وانتكاسات، أو هزائم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى