ولكن بأدوات عصرية

ازدهرت القرصنة أول ما ازدهرت في البحر المتوسط، وامتدت لقرون عديدة. وتذكر كتب التاريخ أن عهد القرصنة بدأ أيام الفينيق منذ آلاف السنين وكانت هناك القرصنة التي انتشرت في الشاطئ الإفريقي والتي استمرت حتى الربع الربع الأول من القرن الثامن عشر.

ويبدو أن الشواطئ الإفريقية مكتوب عليها ألا تفارقها القرصنة، حتى لو مرت عقود على غيابها، فهاهي تعود بثوب جديد ترتديه مجموعة من القراصنة الصوماليين الذين اشتهروا مؤخراً بأسرهم للقبطان الأمريكي "ريتشارد فيليبس" ومقولة زعيم مجموعتهم المعروف باسم "عبدي غاراد" بسبب قتل الأمريكيين لثلاثة من أفراد مجموعته حين قال: "هؤلاء الكاذبون الأمريكيون قتلوا ثلاثة من أصدقائنا بعد موافقتهم على إطلاق سراح الرهينة "ريتشارد فيليبس" دون فدية، لكني أقول لهم أن هذه القضية ستؤدي إلى تدابير ثأرية وسنطارد بشكل خاص مواطنين أمريكيين يبحرون في مياهنا، وآمل ألا يتوقعوا منا أي رحمة". فضلاً عن عملية قرصنتهم لناقلة البترول السعودية التي تعرف باسم "سيروس ستار" المحملة بمليوني برميل من النفط الخام..

ويبدو أن القرصنة عادت للظهور من جديد لتهدد أمن الملاحة البحرية والسفن التجارية البحرية وكذلك الأمن الدولي، خصوصاً إذا علمنا أن القراصنة في بحر العرب والمحيط الهندي يحتجزون اليوم نحو 260 بحاراً كانوا على متن نحو 19 سفينة تم اختطافهم من قبل القراصنة أنفسهم.. ولم تألو العديد من حكومات الدول جهداً لملاحقة هؤلاء القراصنة وإلقاء القبض عليهم واحتجازهم والتحقيق معهم، في ظل تطور هذه الظاهرة القديمة الحديثة، وهذا التطور أو الزيادة في حوادث القرصنة والذي أشار إلى خطورته المكتب الدولي للملاحة البحرية في تقريره الأخير حيث جاء في التقرير أن الربع الأول من العام الحالي2009 شهد هجمات متعددة لعصابات القراصنة قبالة الساحل الصومالي والتي تجاوزت ستين هجوماً بداية العام الحالي مقارنة بالفترة ذاتها من العام الفائت 2008 والتي سجلت ست هجمات فقط، وأشار التقرير إلى أن القراصنة الصوماليين حصلوا على ملايين الدولارات من أموال الفدية التي درّت عليهم أرباحاً كثيرة من خطف السفن التجارية في الطرق الملاحية النشطة في خليج عدن والمحيط الهندي.

أما الأسلحة التي يستخدمها القراصنة اليوم فهي عبارة عن أسلحة نارية وسكاكين، وحذر التقرير من احتمال تزايد القراصنة الذي سيزيد من خطورة الوضع الأمني للملاحة البحرية. وصدرت قرارات دولية لحماية شواطئ وسواحل المناطق التي يمارس القراصنة فيها نشاطهم الخطير على وضع الملاحة البحرية والسفن التجارية.

القراصنة الصوماليون.. وطريقة الخلايا العنقودية..

أظهرت حوادث الاختطاف على أيدي القراصنة الصوماليين أن هؤلاء يشكلون شبكة فائقة التنظيم، وتمتلك هذه الشبكة إمكانيات للتواصل والتفاوض مباشرة أو عبر وسطاء مع الجهات المعنية بالإفراج عن السفن وطاقمها. ويُذكر أن القراصنة الصوماليين كانوا عبارة عن مجموعات مسلحة محلية حولوا نشاطهم فيما بعد إلى عمليات لخطف السفن التجارية والسياحية، مستخدمين في ذلك أنظمة دفاع جوي وقذائف صاروخية وأنظمة توجيه "جي-بي-إس" وهواتف مرتبطة بالأقمار الصناعية. ويعمل قراصنة الصومال بطريقة الخلايا العنقودية ويتقنون اللغات العالمية مثل الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والهندية إضافة للعربية.
القراصنة عبر التاريخ...

من هم؟

تعرف كتب التاريخ القراصنة بأنهم لصوص محترفون كانوا يعترضون السفن التجارية المحملة بالنفائس والأسلحة الخفيفة فيسلبونها ويقتاتون على ما كان يصل إلى أيديهم من هذه السفن البحرية.

وقد تكاثر القراصنة بشكل كبير بعد تدمير مدينة "قرطاجة" على أيدي روما، وكانت تنشب حروب بحرية ضارية مع القراصنة بهدف القضاء عليهم.. ويشار بهذا الصدد إلى أن أحد الجنود المحاربين ويدعى "بومبي" الذي تسلّم مهمة تخليص البحار من القراصنة الذين كانوا يشكلون خطراً كبيراً على السفن التجارية، نجح المحارب المذكور بمهمته بالقضاء على القراصنة الذين استأنفوا أعمال السلب والنهب بعد وفاة "بومبي" بحق السفن المسافرة عبر البحار. ولم يكن القراصنة يُغيرون على السفن وحسب بل كانوا يهاجمون المناطق الساحلية ويسلبون أمتعتها وطعامها وكسائها وجميع من فيها من رجال ونساء وأطفال وكان يبيعون هؤلاء الأشخاص في سوق النخاسة أو ينتظرون أقاربهم ليفدوهم بالمال، ولهذا كان شرهم كبير جداً وكانوا ينشرون القلق سواء بالنسبة للناس أم بالنسبة للحكام أنفسهم.. ويشار هنا إلى أن أول الحكام الذين نظموا دوريات من السفن للتحرز من شر قدوم القراصنة كان الامبراطور "أغسطس".

عصر ذهبي..

في القرن السادس عشر عاش القراصنة عصراً ذهبياً بعد خروج المغاربة من إسبانيا ولجوئهم إلى شمالي إفريقيا، ونظراً لانعدام سبل العيش أمامهم فقد انحاز هؤلاء إلى جانب القراصنة واتخذوا لهم قواعد في موانئ طرابلس والجزائر وكان الميناءين المذكورين على استعداد لإيواء هؤلاء مقابل نصيب من غنائمهم، فأعدوا لأنفسهم أسطولاً للقراصنة بالغ التنظيم وأصبحوا يعرفون بقراصنة البربر الذين تمتعوا بامتلاكهم أسطولاً ضخماً وعددهم أصبح يزداد يوماً بعد يوم مع كل نجاح كانوا يحققونه، وكانت شروطهم عندما يأسرون سفينة بحرية بأن يخيروا ركاب السفينة بين الانضمام إلى القراصنة أو الجلاء عن السفينة.

لقد كان القراصنة يشكلون ذعراً حقيقياً للسفن التجارية، وكانوا يتمتعون بسرعة خاطفة في التحرك لهذا كان من الصعوبة بمكان إلقاء القبض عليهم والتخلص منهم، فضلاً عن المواطن الكثيرة التي كانوا يلوذون بها ويلجؤون إليها، لهذا لم يكن من السهل على متتبعيهم النيل منهم بسهولة، وكان الوقت يطول كثيراً ليتم النيل من قراصنة السفن والمناطق الساحلية في تلك الفترة.

زعماء القراصنة...

من أشهر زعماء القراصنة "خير الدين بارباروسا" الذي علا شأنه حتى أصبح أميرالاً في الأسطول التركي، ومن أشهر القراصنة أيضاً "دراجوت" و " أوشياللي" وهؤلاء اختاروا القرصنة كمهنة مبجلة لديهم.

لقد كان القراصنة يستولون على السفن التجارية والمناطق الساحلية من دون حق، وكانت هناك قرصنة من نوع آخر ولها أهداف مختلفة إذ إن بعض حكومات الدول آنذاك كانت قد أحدثت ما عُرف بالسفن المفوضة ومهمتها الاستيلاء على سفن الأعداء بعد مهاجمتها، لكن مهنة القرصنة بدأت بالاختفاء بعد تدهور الامبراطورية العثمانية لينتهي بذلك عهد القراصنة الذين كانت لهم مواقف غير مشرفة عبر التاريخ.

شخصيات شهيرة وقعت أسيرة في أيدي القراصنة..

من أشهر من وقع أسيراً في أيدي القراصنة "يوليوس قيصر" الذي قضى في الأسر لدى هؤلاء مدة وجيزة وأطلق سراحه بعد أن دفع خمسين "طالنتاً"، و"الطالنت" هو وحدة نقدية قديمة كانت متداولة في ذلك الزمن وبعد أن نال يوليوس قيصر حريته استطاع خلال أسابيع قليلة أن يقضّ مضاجع عصابة القراصنة الذين أسروه وأبادهم عن بكرة أبيهم.
ومن المشاهير الذين وقعوا في أسر القراصنة الكاتب الإسباني "سرفانتس" مؤلف رواية "دون كيشوت"

علم القراصنة..

كان للقراصنة العلم الخاص بهم وقد رسمت عليه جمجمة وعظمتان متصالبتان، وكان هذا العلم يُرفع على السارية الرئيسية لسفينتهم، ويُذكر أن هذا الرسم كان يبثّ الرعب والهلع لدى السفن التجارية البحرية. ولكن قراصنة العصر الحديث لا نعلم أي عَلَم يرفعون على سارية سفنهم الحديثة والمدججة بالسلاح والأدوات المخيفة الأخرى!!