الأحد ٢٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧
بقلم محمود حمد

و"إذا الايامُ أغسَقَتْ" فَلا تَنسوا "حياة شرارة"!

أصْغَتْ فاتِنَةٌ من حاراتِ النَجَفِ المأهولةِ بالشِعْرِ..
لصَوتٍ من فَجرِ التاريخ الأولِ..
أن تَحمِلَ حَجَراً ..
........زاويةً في يَدِها..
لصُروحِ "جنائنَ بابل"..
والأخرى تَنشِرُ عِطراً في أروقةِ الحَرفِ القائِمِ دونَ نُقاطٍ في سورةِ إقرأْ..
هَتَفَتْ أقوامٌ مِنْ خَلفِ الصحراءِ المَسكونةِ بالأحناشِ الصَدَفيَّةِ:
هذي امرأةٌ مِن رَفضٍ..
يَسكُنُها الجِنُّ الأحمَرُ..
تَزرَعُ شَرَراً في أدمِغَةِ السُلطَةِ التِبنِيَّةِ..
فـ " قَضَتْ مَحكمةُ الأورامِ الفَحميةِ..
أن تُلْقى قَسراً ..
في جُبِّ الحَيرَةِ..
 
سارَتْ قافلةٌ تَنزفُ وَجَعاً في دربِ المَوكِبِ..
من بَوابةِ عشتارَ لبيوتِ "الكرادةِ" [1]..
تَحملُ أحلاماً ودموعاً غَضَّةً..
بقايا كلماتٍ فاحمةٍ دونَ شِفاهٍ..
يَطويها نَعشٌ من خوصِ النَخْلِ المَفجوعِ بـ"سبعِ قصور" [2]..
وقَفَتْ راعشةً عند جدارِ العَرشِ الغارِقِ بالحمى ..
قُدِّسَ سِرُّ المرأةِ ثاقبةٌ في أزمنةٍ صَمّاء..
نَشَبَتْ نارٌ خلفَ الأبوابِ المَكفوفةِ..
لا أحَدَ يَعرِفُ من أشْعَلَها..
إلاّ السُلطَةَ..
 
شَبَّتْ "بِنتُ شرارةَ" كالعنقاءِ قُبَيلَ أُفولِ الأصنامِ العَبَثيةِ ..
كانت أوثانُ القِشِّ اليابسِ تَعوي ..
تَخْشى جَذوَتَها..
تَعرفُ إنَّ "حياةً" خَصماً أزلياً ليبابِ الأزمنةِ الرَسميةِ..
"شرارةُ" وهجٌ في أقبيةِ القَمعِ المُكتَظَّةِ بالرَفضِ..
.................
من يَجرؤ أن يَخمِدَ في هذا الليلِ "شرارةَ"؟!
إلاّ أوحالُ السُلطةِ..
 
"حياةٌ" كانَت فَيضَ حياةٍ فينا..
تَغِمُرُنا..
مِنذُ الاستفهامِ الأولِ في أقبيةِ الزُهدِ ..
لرسيسِ النارِ المأجوجَةِ في شرفاتِ الجَسدِ الآفلِ بالغُربَةِ..
"حياةٌ" طَرَقَتْ كُلَّ الحيطانِ المأسورةِ..
تُنَقِّبُ عن نفقٍ يُنْجيها مِنْ نَهَمِ الإحباطِ..
..أزيزِ النارِ..
إلى أحزانِ الغُربَةِ..
"حياةٌ" صاغَتْ حُلُماً مِنْ بَعضِ فُتاتِ الغَسَقِ الآيلِ للأبديةِ..
.....نَسَجَتْ أجنحةً من ضوضاءِ التأريخِ المُزْدانِ بألوانِ الخَيبَةِ..
.....حَرَثَتْ جُلَّ دروبِ الإستفهامِ الشائكِ..
.....نَبذَتْ تيجانَ الإغواءِ البائِرِ..
.....تَرَعَتْ كأسَ الضَيْمِ إلى آخرِ قَطرة..
لتكونَ بعيداً عن آثامِ السُلطَةِ..
 
لكِنْ..
تَتَعقَبُها الأحقادُ المَضمورةُ في ذرّاتِ الزَمَنِ الفاسِقِ..
مُنذُ ولادتِها...
جانَبَتْ الباطِلَ مُلتَهِباً في كُلِّ مَحطاتِ العُمرِ..
تَعِبَتُ..
ألقَتْ آلامَ الرِحلةِ في نَبْضِ حروفٍ لَنْ تُنْسى..
شُدَّتْ خَلفَ ضُلوعِ المرأةِ أقوامُ كُفوفٍ قاحِلَةٍ تَدفَعُ نَحو التَنّورِ المُتأجِجِ..
فَتَهاوَتْ في لُجِّ النارِ..
"زينبَ"ضَمَّتها عِندَ يمينِ القَلبِ النازفِ خَوفَ شَواظٍ يُؤْذيها..
و"مَها" غَرَستها تَحتَ الأضلاعِ بِصَمتٍ ..
.. كي تَتَماهى فيها..
"حَياةٌ" وِلِدَتْ من بينِ غُبارِ الطَلْعِ ..
وحَطّتْ فَوقَ كتابِ البَردي..
وَضَعَتْ حَبّاتِ العَنْبَرِ في النَصِّ الطينيِّ..
ألْقَتْ وَلَهاً تَحْتَ جُذورِ الأرزِ اليانعِ..
أسْرَتْ دونَ وَداعٍ لفيافي الغَيبِ الأبديِّ ..
فَلا تَنسوها!

11/1/2007

"اذا الايام اغسقت"عنوان رواية لشهيدة الفكر الحر الدكتورة حياة شرارة.


[1الكرادة

[2سبع قصور: منطقتين في بغداد أقامت فيهما أسرة الشهيدة حياة شرارة ، هذه الاسرة التي أسهمت في اضاءة ثقافة الحرية في العراق، على مدى عقود من الزمن وماتزال.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى