الأربعاء ١٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٣
مهيب البرغوثي
بقلم توفيق العيسى

يبحث عن الخطايا في ديوانه

يصحو صباحا فيراه أمامه، يشتمه يضربه يتنكر له يهرب منه، فيخرج له حتى من ملابسه الداخلية، إنه هو الآخر مهيب البرغوثي.

يطل على العالم مرة أخرى في ديوانه الثاني " كأني أشبهني" الصادر عن دار الأهلية للنشر في عمان، 42 قصيدة بواقع 147 صفحة من القطع المتوسط، يلاحق فيها البرغوثي الخطايا ويبحث عنها في تفاصيل المدينة والعالم لتخرج حتى من دخان أرجيلة، لكنها تتجلى بوضوح كلما " نطقت الفضيلة تساقطت آثاما".

كقط يتألم

يتقمص الشاعر حيوات مختلفة فمرة تراه قطا يتألم، ويلبس العالم شخصية كلب يقف على أطراف أصابعه ليبول، فيصبح هذا العالم أكثر وضوحا لكنه وضوح " ينسكب في المجهول"، وقد اعلن سابقا أن تآكل قلبه حبا أو قرفا سيان فطالما أنه حب بالعدم، فالحياة لديه تسير نحو عدم أو مجهول وان طرح العديد من الأسئلة فهو غير منشغل بالاجابة عليها، كما لا تشغله الخسارات ولا الربح، فالعالم بالنسبة له ينام في حمام جارته، لا يزعجه شيء حتى وان مات وحيدا على سريره فالعالم يمر أمامه " كذبابة ثملة"، الشاعر وان عبر عن احتقاره للعالم الا أن الواضح من كلماته أنه يمتلك العالم ولا يحتقره، يقلل من قيمة الأشياء ويعلي من شان الذات والموت، ففي مشهد تمثيلي نرى الشاعر في قبره يبعد العالم بيده اليسرى ليرتاح من غباء ساكنيه، ويتمنى على العالم أن يتركه وشأنه قليلا ويذهب الشاعر إلى أن يمنحه ما تبقى فيه من فرح، يذهب هناك متقنا لغة الأموات وحين يصبح وحيدا دون أن يراه أحد يخرج العالم من جيبه ويفتح قبره وينام بهدوء، فالموت لديه ليس أكثر من اغماضة عين.

حالة ضوء

يشيع البرغوثي حالة من الضوء على الأشياء، أكثر منه مسلطا للضوء عليها، فتراه يذهب للموت فرحا، مستعدا له، ولأنه يحب امرأته سيموت سريعا كي تقص شعرها كما يحبه وتزرع خطواتها على طريق المقبرة، وبعدها يموت كالعيد يوما.

"بروح مهولة" يزعجه أن يتقاسم قلبه "الأطفال" الذين يرون أن" حبل الغسيل أطول من حبل المعرفة" وبذات الروح يهدد العالم" اللقيط" الذي سقطت إنسانيته والإنسانية التي تشوهت بأنه سيؤجر ملابسها وينذرها بالهرب حتى لا يبول على بشاعتها الأطفال.
"القتل أسهل وسيلة للاتصال"

على ذمة الشاعر، التي تقف الدنيا على رأسها بديوانه، لا حبا بسريالية ما ولكنها تقف على رأسها أصلا ويأتي الديوان ليصورها لنا كما هي، يربط الشاعر بين القتل في سوريا وسائر أشكال القتل الأخرى، لما لا وهو ذات "العالم اللقيط" الذي يصفه، وبتصوير القتل نراه ينسج لنا قصصا عن المخيمات ومعاناتها، فيبدأ الديوان يتذكر ما قالته أمه عن أطفال مخيم اليرموك والزعتر وتساقطهم "كرسائل العشاق" يطل المخيم من خلف المذابح، أو تنقشع المذبحة ليطل المخيم من بين أشلاء الضحايا، ليصرخ مع الضحايا "سورية بدها حرية"، وعلى الرغم من وضوح مشاعر الحب في الديوان في حديثه "لامرأته" ووصفه حتى للموت، الا أن يصل إلى خلاصة أن لا متسع للكراهية ولا مجال للحب في هذا العالم، فالأرواح "مستوطنات من الإنسانية العمياء" وحين تستجمع الإنسانية قواها يكون الهدف قتلنا، وتتحول جمجمتها الى وعاء بارد للخراب ينخرها الهواء " إنها إنسانية عمياء تلك التي تشرب أنخاب أطفال حمص".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى